الاثنين، 20 أبريل 2015

عسكرة القضاء في مصر

عسكرة القضاء في مصر


اتلانتيك كونسيل – التقرير
أحمد العربي، البالغ من العمر 60 عامًا، هو رجل متقاعد من المطرية؛ أحد الأحياء منخفضة الدخل في القاهرة والتي شهدت مؤخرًا تزايدًا في الاشتباكات بين الإسلاميين من أنصار الرئيس السابق محمد مرسي وقوات الأمن الحكومية. وفي الذكرى السنوية الرابعة لاحتجاجات 25 يناير، قُتل اثنا عشر شخصًا في حي القاهرة فقط، في حين تم إلقاء القبض على 43 شخصًا على الأقل.

وكان محمد، ابن العربي البالغ من العمر 19 عامًا، واحدًا من بين كثير من الضحايا لهذه المواجهات المستمرة. وقد اقتحم ضباط الشرطة منزل العربي في ديسمبر 2014 معتقلين ابنه بتهمة نشر أخبار كاذبة عن القوات المسلحة.

وقد صرح لنا العربي قائلًا:
“لقد تم سجن ابني لمدة تقارب ثلاثة أشهر حتى الآن. وقد تم اعتقاله بتهمة نشر أخبار كاذبة وتقويض المصلحة الوطنية، فقط بسبب مشاركته لمقاطع فيديو على فيس بوك“.

ولا يعرف أحد شيئًا عن الطالب الجامعي على مدار عدة أشهر حتى الآن؛ لكونه يحاكم محاكمة عسكرية. وهناك الآلاف من أمثاله يواجهون مصيرًا مشابهًا. وقد رصدت مجموعة لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين أن هناك أكثر من 3000 مواطن تم إحالتهم إلى المحاكم العسكرية في الأشهر الخمسة الماضية. وقد بدأ ذلك منذ الوقت الذي أصدر فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي مرسومًا رئاسيًا في أواخر شهر أكتوبر يوسع فيه اختصاصات القضاء العسكري ليشمل المرافق العامة مثل الجامعات التي كانت بؤرة للاحتجاجات.

ووفقًا لجماعات حقوق الإنسان، يتعارض هذا القانون بشكل مباشر مع المادة 204 من الدستور المصري؛ والتي تنص على أن المدنيين لا يجب أن يمثلوا أمام القضاء العسكري إذا لم يكن هناك استهداف مباشر للمنشآت العسكرية. وبموجب القانون الجديد، تم توسيع النطاق القانوني لاختصاصات القضاء العسكري ليشمل المرافق العامة بما يمكّن السلطات من اعتقال المدنيين بسهولة في حالات تعارض الدستور.

وتقول جماعات حقوق الإنسان إنه من المتوقع أن يواجه حوالي 100 طالب محاكمات عسكرية في أسبوع واحد فقط، مشتملين على 48 طالبًا من جامعة المنصورة، 31 طالبًا من جامعة الأزهر، و14 طالبًا من جامعة المنوفية. ويواجه عمر تيسير، طالب بجامعة بورسعيد، وحده 11 محاكمة منفصلة بتهم من بينها إشعال النار في مركبات الشرطة ووزارة الداخلية.

وبالنسبة للعربي، فإن خوض المعارك القانونية المتعلقة بابنه تقتطع ثمنًا شخصيًا من صحته، حيث يضيف قائلًا: “إن ابني ليس ناشطًا ولا منخرطًا في الأنشطة السياسية على الإطلاق. إنها معاناة يومية بالنسبة لي؛ لأنني متقاعد وهو ابني الوحيد. وصحتي ليست كما كانت عليه من قبل بسبب إصابتي بمرض السكّر، وأنا أجوب المحاكم والسجون فقط من أجل رؤية ابني“.

وبحسب منى سيف، ناشطة بارزة في مجال حقوق الإنسان ومؤسسة في المجموعة، فإن ارتفاع أعداد المدنيين المحالين إلى المحاكم العسكرية في الشهور الأخيرة يرجع إلى أن مصر تمر “بفترة من القمع الملحوظ من قبل مؤسسات الدولة، وشكل من الانتقام الواضح ضد الثورة“.

وتكرر منى سيف، التي يقضي أشقاؤها علاء وسناء عقوبات لمدة خمس سنوات وثلاث سنوات على التوالي بموجب قانون التظاهر المثير للجدل، هذا الكلام منذ أربع سنوات منذ إنشاء المجموعة، وموقفهم الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى. وصرحت منى قائلة: “مطالبنا لم تتغير: نحن نريد إيقافًا كاملًا للمحاكمات العسكرية للمدنيين، وتغيير ثقافة انتهاكات حقوق الإنسان تجاه المدنيين من عام 2011 إلى عام 2015، وإطلاق تحقيقات سريعة في انتهاكات المؤسسة العسكرية فيما يتعلق بمعاملة مواطنيها سواء كان ذلك تعذيبًا أو اعتداءً جنسيًا، وتعويض ضحايا الثورة الذين قتلوا في ظل فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة“.

وفي ورقة علمية شاملة، توضح الباحثة القانونية سحر عزيز أن الرئيس السابق حسني مبارك قد استخدم المحاكم العسكرية كوسيلة للحد من استقلالية المحاكم المدنية. وعلى الرغم من ذلك، لاحظت أنه “خلال الفترة من شهر فبراير 2011 وحتى شهر يونيو 2012 تم محاكمة آلاف المدنيين في المحاكم العسكرية أكثر مما حدث في ثلاثين عامًا من حكم مبارك“.

وتقول سحر عزيز إنه في ظل حكم مبارك “اختصت المحاكم العسكرية بالنظر في أي جريمة يتم ارتكابها في موقع يتم إدارته بواسطة الجيش أو من أجل الجيش، بما في ذلك المواقع التجارية. وكانت هذه المحاكم آلية فعّالة للملاحقة القضائية العاجلة للمعارضين؛ لأن القضاة هم ضباط بالجيش ويتم تعيينهم بواسطة وزير الدفاع والرئيس لمدة عامين قابلة للتجديد“.

وقد ساء الوضع أكثر منذ الثورة، ومن وجهة نظر منى سيف فإن مصر قد شهدت “عسكرة للقضاء المدني”؛ حيث يتم ممارسة نفس التكتيكات الشنيعة في المحاكمات التي يتم عقدها بشكل سري وبإمكانية وصول محدودة للمحامين، وقد امتد ذلك إلى المحاكم المدنية التي توصف للشعب بأنها محاكم مستقلة من قبل السلطات المصرية. وقد تم الحكم على علاء عبد الفتاح شقيق سناء في يونيو الماضي عندما أصدر القاضي حكمه في قاعة محكمة فارغة بدون إعطاء المدعى عليهم الفرصة لحضور الجلسة العاجلة.

وتضيف منى سيف: “أكون في مبنى تابع لوزارة الداخلية لرؤية شقيقتي وصديقاتها، وأكون غير قادرة على الذهاب إلى الداخل للاطمئنان عليهن، وهذا يعكس تجربة الذهاب إلى المحاكم العسكرية؛ حيث المحاكم التي يتعذر الوصول إليها بالنسبة للعوام حتى ولو كنت شاهدًا أو محاميًا، وهي تجربة لا يمكن التعبير عنها بعد أن يتعرضوا لإساءة السلطات. وهذه هي كل الممارسات التي نطلق عليها عسكرة القضاء المدني“.

ولم ير العربي ابنه منذ ثلاثة أشهر وهو قلق على حالته الصحية والعقلية. وقد علم مؤخرًا من خلال محام يعمل مع مجموعة لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين أن تهمة ابنه قد تحولت من جنحة إلى جناية، وقد ينتهي به الأمر للسجن لفترة غير محددة.

وفي ظل النظام القانوني المعقد وغيرالشفاف، فإن منى سيف والناشطين الآخرين الذين يدافعون عن السجناء مثل محمد العربي، هم أشخاص واقعيون وعمليون فيما يتعلق بآفاق الإصلاح البطيء. وتقول منى: “أنا لست متفائلة؛ لأن الموقف قد ساء على نحو كبير، وأصبح العداء الظالم للدولة مخيفًا، ولكننا لا نمتلك أي خيار آخر سوى المضي قدمًا“.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق