الأربعاء، 22 أبريل 2015

في القانون أم في السياسة؟

في القانون أم في السياسة؟




فهمي هويدي
لا يستطيع المرء أن يكتم شعوره بالحيرة والدهشة حين يقارن بين الذي جرى في مظاهرات قصر الاتحادية التي قتل فيها عشرة أشخاص، بما حدث لمتظاهري ثورة ٢٠١١ التي اقترب قتلاها من الألف. المقارنة فرضتها الأحكام التي صدرت يوم الثلاثاء ٢١/٤ في القضية الأولى.
وقضت بسجن الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي و١٢ آخرين من قيادات الإخوان ٢٠ سنة لكل منهم، وعاقبت اثنين آخرين بالسجن عشر سنوات لكل منهما.
من ناحية أخرى فالمعروف أن أعدادا كبيرة من الرافضين لحكم الإخوان وللإعلان الدستوري الذي أصدره الدكتور مرسي، تجمعوا واعتصموا أمام قصر الاتحادية الرئاسي في الرابع من شهر ديسمبر عام ٢٠١٣ تعبيرا عن احتجاجهم وغضبهم. إلا أن عناصر من جماعة الإخوان تصدت لهم يوم ٥ ديسمبر، إزاء انتشار شائعات تحدثت عن نيتهم اقتحام بوابات القصر الجمهوري. وأسفر الاشتباك بين الطرفين عن سقوط عشرة من القتلى وبعد عزل الدكتور مرسي أحاله النائب العام في الأول من سبتمبر ٢٠١٢ ومعهم عدد من قادة الإخوان إلى المحكمة الجنائية، حيث وجه إليهم الاتهام بالقتل العمد واستعراض القوة والتعذيب والعنف فيما عرف لاحقا باسم قضية أحداث الاتحادية.
وبسبب تلك الاتهامات فإن النيابة طالبت بإعدام الدكتور مرسي والمتهمين لارتكابهم الجرائم التي ذكرت في أمر الإحالة.
ليس لدي كلام في الوقت الراهن بخصوص وقائع القضية ولا الأحكام التي صدرت، وسوف أسلم بصحة المعلومات التي انبنت عليها القضية. ذلك ان المقارنة التي أشرت إليها في بداية الكلام هي التي شغلتني، من حيث انها أبرزت مفارقة تحتاج إلى تفسير. إذ في قضية أحداث الاتحادية التي وقعت عام ٢٠١٢ حققها ودرس ملفها قاض جليل هو المستشار أحمد صبري يوسف. وقد أصدر حكمه بناء على ما توفر لديه من معلومات وشهادات.
 أما أحداث ثورة يناير ٢٠١١ فقد قامت بتحقيقها لجنة تقصي الحقائق التي رأسها المستشار الدكتور عادل قورة الرئيس الأسبق لمحكمة النقض إضافة إلى فريق من كبار القانونيين والباحثين الاجتماعيين، وساعدهم في مهمتهم فريق من المحققين المختصين. وهؤلاء أعدوا تقريرا تم اخفاؤه، لكن خلاصته لاتزال متوفرة على الإنترنت.
 وقد سبق ان أشرت إليه أكثر من مرة. ومن أهم ما أبرزه انه أكد مسؤولية الشرطة عن قتل المتظاهرين. وهو ما اثبتته عدة فقرات منها ما يلي:
< تبين للجنة ان رجال الشرطة أطلقوا أعيرة مطاطية وخرطوشا وذخيرة حية في مواجهة المتظاهرين أو بالقنص من فوق أسطح المباني المطلة على ميدان التحرير. خاصة من قبل وزارة الداخلية ومن فوق فندق النيل هيلتون ومن فوق مبني الجامعة الأمريكية، وقد دل على ذلك أقوال من سئلوا في اللجنة ومن مطالعة التقارير الطبية التي أفادت أن الوفاة جاءت غالبا من أعيرة نارية وطلقات خرطوش في الرأس والرقبة والصدر. علما بأن إطلاق الأعيرة النارية لا يكون إلا بموجب إذن صادر من لجنة برئاسة وزير الداخلية وكبار ضباط الوزارة.
< كما تبين للجنة كذلك ان سيارات مصفحة للشرطة كانت تصدم المتظاهرين عمدا، فتقتل وتصيب أعدادا منهم، وقد شوهدت في وسائل الإعلام المرئية وسجلت على شبكة التواصل الاجتماعي إحدى هذه السيارات تنحرف نحو أحد المتظاهرين وتطرحه أرضا، وأخرى تسير للخلف لتصدم متظاهرا آخر وترديه قتيلا.
< دل على أن الشرطة استخدمت القوة المفرطة في مواجهة المتظاهرين ما يلى:
١ــ كثرة الوفيات والإصابات، إذ بلغ عدد القتلى نحو ٨٤٠ قتيلا وتعدت الإصابات عدة آلاف من المتظاهرين، وذلك جراء إطلاق الأعيرة النارية والقنابل المسيلة للدموع التي كانت تستعملها الشرطة.
٢ــ ان أكثر الإصابات القاتلة جاءت في الرأس والصدر، بما يدل على ان بعضها تم بالتصويب والقنص. فإن لم تقتل الضحايا فقد شوهت الوجه وأتلفت العيون. وقد كشفت الزيارات وأقوال الشهود والأطباء ــ خاصة مستشفى قصر العيني ــ ان المستشفيات استقبلت عددا هائلا من إصابات العيون خاصة في يومي ٢٨ يناير و٢ فبراير ٢٠١١، بلغ المئات وان حالات كثيرة فقد بصرها جراء ذلك.
٣ــ أصابت الطلقات النارية والخرطوش التي اطلقتها الشرطة أشخاصا كانوا يتابعون الأحداث من شرفات ونوافذ منازلهم المواجهة لأقسام الشرطة. وغالبا ما كان ذلك بسبب إطلاق النار عشوائيا أو لمنعهم من تصوير ما يحدث من اعتداءات على الأشخاص.
< خلصت اللجنة إلى أن أمرا صدر من وزير الداخلية وقيادات وزارته إلى رجال الشرطة باستعمال السلاح الناري في تفريق المتظاهرين وقد وصل ذلك الأمر من خلال التدرج الرئاسي إلى رجال الشرطة المسلحين في موقع الأحداث. دل على ذلك أن الأعيرة النارية من الشرطة على المتظاهرين عم معظم محافظات القطر بما يؤكد أن أمرا صدر لهم بذلك من سلطة مركزية بوزارة الداخلية تجب طاعتها. وهذا الأمر لا يتسنى إلا لوزير الداخلية الذي يملك تلك السلطة. علما بأن صرف الأسلحة النارية والذخيرة الحية لرجال الشرطة لاستعمالها في فض المظاهرات بكافة المحافظات لا يكون إلا بأمر من السلطة العليا في وزارة الداخلية.
إن المقارنة بين الحالتين تثير السؤال التالي: لماذا تمت إدانة الدكتور محمد مرسي ومعاونيه في مظاهرة الاتحادية التي قتل فيها عشرة أفراد، في حين تمت تبرئة حسني مبارك ووزير الداخلية في عهده ومعاونيه في مظاهرات الثورة التي قتل فيها نحو ألف شخص، ولم يحاسب أحد على قتلهم، وهل نجد تفسيرا لذلك في ملف القضية أم في متغيرات المناخ السياسي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق