الثلاثاء، 28 أبريل 2015

زفرة الشامي الأخيرة!


زفرة الشامي الأخيرة!

أحمد بن راشد بن سعيّد


اسمه سهم بن كنانة، مؤرخ ومؤلف، سيبزغ اسمه بعد نحو قرن من الزمان.
فيما يلي فصل جديد من كتاب له بعنوان «الإعلام بخذلان المسلمين لأهل الشام»، سيصدر في عام 1534 للهجرة، 2210 للميلاد (نشرتْ من قبل هذه الصحيفة فصلين من الكتاب).
قال سهم بن كنانة:
«لما ضرب الليلُ على الشام بكلكلِه، وبقي السفاحُ يجرّعه الموتَ من معقلِه، بمساعدةٍ من سلاطين ذاك العصرْ، لاسيَّما السيسي والي مصرْ، اشتدَّ الخطبُ على أهل الشامْ، وبرّحتْ بهم الآلامْ، ولم يكونوا يقاتلون السفاحَ وحدهْ، بل شراذمَ من الروافض كانوا جندَهْ، وكانوا من كل حدَبٍ ينسلونْ، ليحموا مراقدَ أئمتِهم فيما يزعمون، فتباً لهم ولما يشركونْ، ولقد أفسد هؤلاء في الأرضْ، قتلاً للنفس وانتهاكاً للعرضْ، وشرّدوا آلاف الألوف من أهل السنّة، ثأراً للحسين فيما زعموا والتماساً للجنّة، واستجابةً لأمر الوليّ الفقيهْ، الذي كان الشيعيُّ يعظّمه ويتّقيهْ، ولم يكتشف المسلمون ما في صدورهم من مقتْ، كما اكتشفوه في الشام ذلك الوقتْ، وكان الفرسُ وأشياعُهم ينكرون ذلكْ، ويروّجون أنّ دينَهم مذهبٌ كمذهب مالكْ، وأنّ حربَهم على سنّةِ الشام سياسية، ومن قال بغير ذلك فلديه طائفية، وحدثني أبي أنّ من المسلمين من صدّق الزعمْ، وضرب في الحمق بأوفر سهمْ».
قال سهم بن كنانة: «ورغم كثرة السفاحين في ذلك الزمنْ، لاسيَّما في مصر والعراق واليمن، إلا أن والي الشام كان أطولَهم عهدا، وأفظعَهم حقدا، وأكثرَهم لدماء المسلمين سفكا، وأقربَهم لليهود غاصبي القدس وعكا، وكان الكفارُ يمدّونه في الغيْ، ولا يبخلون عنه بشيْ، وما ذلك إلا لتقر عينا إسرائيلْ، وتهنأ بالساحل والمثلثِ والجليلْ، فلم يكنْ ثمةَ شكُّ في عمالتِه، ولا في خسةِ أبيه وحقارتِه، إذ ثبت أنه باع صهيونَ الجولانْ، فليس في خيانته للمسلمين قولانْ، وما كانت إسرائيلُ لتجدَ خيراً منه وكيلا، فاتخذتْه لها خليلا، واصطفتْه لها عميلا، فكان أفضلَ الحاكمين لها سلْما، وأقربَهم منها رُحْما، ولهذا طال كابوسُ الشامُ، واستُشهد خلقٌ كثيرٌ من أهلها الكرام، فقد كان العالمُ وقتها لا يردُّ لليهود أمرا، ولو أحال الشرقَ من أجلها قبرا».
قال سهم بن كنانة: «وكان المهاجرون من الشام يجدون في مصر ملاذا، وفي كنف واليها مرسي إنقاذا، وقد استقبلهم أحسن استقبالْ، وسمح لهم بالعمل والتعليم والانتقالْ، وأحسن لهم إحسانا، فكانوا مع المصريين إخوانا، لكن أعداءَ الملة وعُبّاد الكرسي، ثاروا على الوالي الصالح مرسي، وقيّدوه بالأصفادْ، وقتلوا أنصاره قتل عادْ، وانتصروا لسفاح الشامْ، وصوّبوا إلى صدور السوريين السهامْ، فما كان لهم من الفرار بُدْ، فالذل لا يطيقه سوى العبدْ، واشتروا في البحر السفائن، فلا مُقام بدار خائن، ولعل الله يقضي لهم فتحا، ويشفي لهم جرحا، ويرد بأس الذين كفروا، فلله ما لقوا وما صبروا».
قال سهم بن كنانة: «وصل بعضهم إلى شواطئ الغربْ، بعد أن ذاقوا مرارةَ الكرْبْ، وعزّت على بعضهم المطالبْ، وغصّت بهم المراكبْ، وأظلّهم ليلٌ داجْ، وأحاطت بهم الأمواجْ، وشعروا أنهم وحيدون في عُرض البحرْ، وتساءل بعضهم: ما الفرقُ بين الغرق والنحرْ، وعلا نحيبُ الأطفالْ، ودبّ الرعبُ في عيون الرجالْ، وانهمرت الدموعُ من عيون الصبايا، فلا آمالَ بعد اليوم ولا حكايا، وطفق بعضُ الرجال يدعو إلى السكينة، ويحاول بثَّ الطمأنينة، ثم تعالت صيحات الشهادة، حمداً لله على ما أراده، وما هي إلا هنيهةٌ حتى انقلب المركبُ وغرق الجمْعْ، وامتزج ماء البحر بماء الدمعْ،
وكأن شوقي عناهم بقوله عندما رثى أدرنة العثمانية بعد سقوطها في أيدي الصليبيين:
ومهاجرين تنكّرت أوطانُهم
ضلّوا السبيلَ من الذهول وهاموا
السيفُ إن ركبوا الفرارَ سبيلُهم
والنِّطعُ إن طلبوا القرار مُقامُ
يتلفّتون مودّعين ديارَهم
واللحظُ ماءٌ والديارُ ضرامُ
قال سهم بن كنانة: «ومنْ عجبٍ أنّ كلَّ ما أصاب أهلَ الشام لم يحرّك في المسلمين ساكنا، بل كان بعضهم يقول: عسى أن أكون في بلدي آمنا، وكأنّ المؤمنين أجسادٌ متفرقة، لا أمة أخذ الله عليها في الإخاء موثقَه، لتقاتلَنَّ المحتلين والغزاة، فإذا مات منها من مات كُتبت له الحياة، غير أنها أوغلت في النكرانْ، وأسرفت في الخذلانْ، وكأنّ الشامَ ليست من العربْ، أو كأنها ليست مسلمةً باركها الله عبر الحِقَبْ، فليت شعري أيُّ عقاب سينالُها، وكيف سيكون في الآخرة مآلُها؟».
قال سهم بن كنانة: «لكن الله بفضله يحيي اليبابْ، ويفتح من رحمته ألف بابْ، فقد أخبرني أبي عن جدي أن المجاهدين في إدلب من أرض الشام قد هزموا الباطنيين شر هزيمة، وازدادوا من ذلك بأساً وعزيمة، فمضوا شامخي الجباه، يحرّرون دمشقَ وحماة، وتوالت في الشام الفتوحْ، وأصابت العدوَّ القروحْ، وما ذلك إلا مصداقاً لحديث خير الأنامْ: إنّ الله قد تكفّل لي بالشامْ».

• @LoveLiberty

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق