الثلاثاء، 21 أبريل 2015

إنهم يبحثون عن لغة؟

إنهم يبحثون عن لغة؟



سعيد يقطين*


وقف حمار الشيخ في العقبة، وانتهى السجال بين مكونات المجلس الوطني للتربية والتكوين إلى الباب المسدود.
سؤالان عقيمان يوقفان الشيخ والعالم وصاحب الرأسمال عن الحسم في مصير التعليم ببلد له تاريخ عريق: 
لغة التدريس في التعليم الأولي هل ستكون بالدارجة؟ وأيهما اللغة الثانية: الفرنسية أم الإنكليزية؟ 
ويبدو أبو الهول، وهو عاجز عن إنقاذ سفينة التعليم من الغرق، يتلهى بخرقها بسؤالين ساذجين حول الدارجة من جهة، وحول الفرنسية والإنكليزية، من جهة ثانية.
لكن الأوديب المغربي عاجز عن فك اللغزين مما قضى بتوقف المسرحية، وعلى المجلس أن يصوت بشفافية وديمقراطية قبل أن يصل، في النهاية، إلى فقء عيني التعليم المغربي بقرار أغلبية موظفيه.
هل مشكلة التعليم المغربي لغوية؟ وهل تتصل مشكلة البطالة بالتعليم؟ حسب السجال الدائر بين الأروقة نعم. ولذلك فمتى حللنا مشكلة اللغة حلت مشكلة البطالة.
ظل التعليم المغربي أسير رؤيات اختزالية وتجريبية واستعجالية تقوم على السببية، وها هو ينتهي إلى الطريق المسدود.
 كان «سبب» تأخر التعليم هو «الفرنسة»، فكان اللجوء إلى «التعريب». وصار»التعريب» سببا في تأخره، وها نحن ندعو إلى «التدريج».
وأمام ضمان الجودة والانخراط في العصر المعرفي، باتت الفرنسية لغة الأدب، وعلينا البحث عن لغة العلم والتكنولوجيا، في الإنكليزية.
إن غياب رؤية نسقية للتعليم المغربي يجعل الرؤية السببية هي السائدة. وما لم تطرح القضية من زاوية شمولية سيظل أبو الهول متربصا أمام بوابة تعليمنا، وفي كل مرة يطرح علينا اللغز الذي لا نريد أن نفهمه ونحله لأننا نتغاضى عن رؤية الواقع.
ترى من يقول إن لغة التدريس ببلادنا ليست «الدارجة» حتى نجعلها مطلبا وقضية للنقاش والتصويت؟ من الروض إلى العالي لغة التدريس هي الدارجة. هذا هو الواقع.
إن العربية والفرنسية والإنكليزية والمواد العلمية تدرس بالدارجة. وهذا من بين العوامل التي جعلت المتعلم المغربي لا يعرف أي لغة.
ولكي تستعيد اللغة مكانتها لدى المتعلم والمعلم لا بد من مراعاة لغة تدريس المواد.
وهي في كل الحالات ليست هي الدارجة لأنها ليست مادة للتدريس. قد يقول قائل إن الطفل، في مراحله الأولى لكي يتعرف على لغة جديدة (العربية ـ الفرنسية) لا بد من التواصل معه بلغة «الأم». وهذا القول لا يخلو من تهافت بيّن.
في بداية الاستقلال كان معلمو اللغة الفرنسية في المغرب فرنسيين، وكانوا لا يعرفون الدارجة المغربية. وكانوا يحرمون على التلاميذ النطق بأي كلمة بالعربية أو بالدارجة أو الأمازيغية في الفصل. فكيف تعلم المغاربة الفرنسية، وصار من بينهم كتاب على مستوى أدبي رفيع، وقد تلقوا تلك اللغــــة بلغة غير لغات أمهاتهم؟ ويمـــكن قول الشيء نفسه عن الإنكلـــيزية؟
لكن منذ بدأ التســــاهل في تدريس مختلف المواد بالدارجة ضعف المستوى. فلا عربية، ولا فرنسية ولا إنكليزية وهم يحزنون.
يمكن أن نأخذ العبرة من تعليم العربية للأجانب.
معظم المستشرقين غير الفرنسيين الذين تعرفت عليهم يستطيعون الكتابة بالعربية، والحديث بها. وفي أحد ملتقيات الرواية بالقاهرة، قبل ست سنوات، قدم شاب ياباني مداخلته حول الرواية العربية، فكان الوحيد التي قدم عرضا سليما شكلا ومحتوى باللغة العربية. لكن الذين يدرسون العربية من الفرنسيين، قلما وجدت منهم من يستطيع التحدث بالعربية. ومن يفعل يكون قد عاش مدة طويلة في أحد الأقطار العربية. ولا يتعلق الأمر فقط بالعربية، بل حتى بالنسبة للإنكليزية. فما هو السبب في ذلك؟
إنها «عقدة» الفرنسية. هل أقول لغة الأم؟ تعجبت كيف أن الطالب الفرنسي يدرس اللغة الأجنبية بالفرنسية، ويعد بحثه الجامعي حولها باللغة الفرنسية؟
وعندما أتيحت لي فرصة التعرف على الواقع هناك، رأيتهم في اختبار الإنكليزية، والعبرية، يكتبون بالفرنسية فعرفت سبب عجز الفرنسيين عن إتقان اللغات الأجنبية.
كان الطالب المغربي إلى بدايات الثمانينيات قادرا على التعامل مع اللغات باقتدار وكفاءة عاليين. فكم من الطلبة المغاربة، تفوقوا في الإنكليزية، على سبيل المثال، التي لم يدرسوها إلا في الثانوي العمومي ( ثلاث سنوات فقط) وولجوا جامعات بريطانية، وكانوا هناك من المتفوقين. فإلى ماذا يمكن أن يعزى ذلك؟
إن المشكل الحقيقي ليس في اعتماد الدارجة أو إعطاء الأسبقية للإنكليزية. إنه في المنظومة الاجتماعية والسياسية المتبعة في مقاربة التعليم والتربية ببلادنا. 
وهذا هو الموضوع الذي لا نريد مواجهته بالصراحة والصرامة اللازمين للخروج من النفق والطريق المسدود. لقد بدأ تراجع التعليم المغربي مع التفويض الذي أعطي للأكاديميات، من جهة، ومع الإيهام بأن التعليم الخاص هو البديل.
وبدون مراجعة دقيقة لأسباب فشل المنظومة التربوية ببلادنا، باعتماد الروح الوطنية الحضارية سيتجاوز المنقطعون عن إنهاء الابتدائي الثلاثة ملايين، وإكمال التأهيلي المليون وثلاث مئة ألف، وسيظل ضعف التحصيل الدراسي في المواد العلمية واللغات مستمرا وقائما، ولن ينفعنا اعتماد الدارجة أو الإنجليزية لغة أولى.
في مراكش وجدت أطفالا منقطعين عن الدراسة، يتحدثون اليابانية مع يابانيين. إنهم تعلموها خارج مدرسة يبحث مجلسها عن لغة. فيا للمفارقة!

سعيد يقطين ناقد مغربي* 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق