الخميس، 30 أبريل 2015

مصر في حالة طفولة سياسيّة

مصر في حالة طفولة سياسيّة

وائل قنديل


ما وقع في السعودية، من تغييرات في المناصب العليا، مهم، ومن الطبيعي أن ينشغل به كل مواطن عربي، تماماً كما ينشغل العربي بكل ما يدور على أرض عربية خارج بلده، غير أن الاهتمام شيء وتعليق المصائر المحلية بما يدور خارج الحدود شيء آخر.
بشكل أولي، ما جرى في الشقيقة السعودية أمر يخص ترتيبات الحكم في مستقبل المملكة، واتخاذ من التدابير السياسية ما يراه أهل الحكم مفيداً وصالحا للشأن السعودي، من دون تجاهل، بالطبع، الأوضاع الإقليمية والدولية.
وبهذا المعيار، هذه مسألة تخص السعوديين، حكومة وشعباً، ولا تحتمل تداخلات المتداخلين، وتفلسفات المتفلسفين، ووصايات الغارقين في مشكلاتهم الذاتية حتى شعر رأسهم، متصورين أنهم محور الكون، ومصب كل الأنهار.
واللافت أنه، مع إعلان القرارات الأخيرة للعاهل السعودي الجديد، اشتعلت جبهات الكلام المصرية، على الجانبين، السلطة والمعارضة، بتحليلات وتوقعات وتكهنات وتخرّصات وأمنيات، تتعلّق بانعكاسات التغييرات على الوضع السياسي المصري، وكأن الحكومة السعودية أقدمت على هذه الإجراءات، مسكونة بهاجس الوضع في مصر، إنْ على مستوى سلطة الانقلاب، أو في نطاق معارضيها.
وكما هي عادة العرب في الاستسلام العجيب لمنطق حكاية "الفيل والعميان" الموروثة عن الفيلسوف الفرنسي، فولتير، راح كل فريق من المصريين يقرأ القرارات السعودية على هواه، وعلى حسب رغباته وأحلامه، فمنهم من رآها ضربة لسلطة الانقلاب، فيما عدّها آخرون تكريساً للسلطة ذاتها، ومنهم من اعتبرها خسارة للسيسي، ووجد فيها غيره ضرراً على "الإخوان".
وبين هؤلاء وأولئك، من استجمع كل أدوات الصفاقة والبجاحة، وقرر أن يطالب السلطات السعودية بأن تقدم "لسيادته" مذكرة تفسيرية بمضمون القرارات ومدلولها ومقاصدها، وأن تعلن له وللرأي العام، ماذا تريد من وراء هذه الإجراءات، وأن تقدم له إقراراً بمحتوى رؤيتها وعلاقتها بالتيار السياسي الذي يكرهه "سيادته"، وهو الإسلام السياسي، ممثلاً في جماعة "الإخوان" بالطبع.
والشاهد أننا بصدد حالة "نكوص"، أو طفولة سياسية مصرية، تتأسس على سيكولوجية البحث عن "الكبير" أو "الراعي" الذي يستجيب، جزئياً أو كلياً، لطموحات وأحلام وتطلعات هذا الطرف، أو ذاك، من معسكري السلطة والمعارضة.
والمعنى المباشر لهذه الوضعية، أن كلا الطرفين يسلّم بأن مصيره رهن لحركة ذلك الطرف الخارجي "الكبير"، ومن ثم يضبط خطواته على إيقاع ما يفعله الأخير، مستمتعاً بحالة "المفعول به"، أو المتلقي، من دون رؤية حقيقية، أو إرادة للفعل، وابتكار من الوسائل والأساليب الذاتية، ما يجعله قادراً، بذاته قبل مشيئة الآخرين، على تحقيق أهدافه.
ومع الإقرار بأن الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر ما كان له ليتم لولا هذه الرعاية وتلك الحاضنة الخارجية، الإقليمية، سياسياً واقتصادياً، فإن الثورة على هذا الانقلاب لا ينبغي لها، ولا يصح، أن تسلك الطريق ذاته، وأن تبحث لنفسها عن رعاة رسميين، أو شرفيين، وإلا فإن هذه الحالة تمارس السقوط الأخلاقي نفسه الذي هيمن على فعل الانقلاب، تحضيراً وولادة، ثم بقاء في "حضانة" مالية وسياسية، تليق بمولود غير شرعي مبتسر.
وفي اللحظة التي تفكر فيها الثورة بمنطق الانقلابيين، فإنها تتخلى عن كونها ثورة، وتتجرد من أهم مقوماتها وأسلحتها، كفعل شعبي ذاتي، يعتمد على نفسه، في المقام الأول، من دون أن يهمل المتغيّرات الإقليمية والأوضاع الدولية، بطبيعة الأمر. لكن، من دون أن تترك نفسها مثل قصاصة ورق في مهب الريح السياسية، تحركها كيف تشاء، وفي الاتجاه الذي تحدده.
فليرتعد الانقلابيون، كما يريدون، وليتطيّروا ممّا جرى في السعودية، أو يستبشروا، هذه هي قناعتهم وعقيدتهم، منذ البداية، وهذا هو يقينهم بأنهم نتاج مشروع دولي وإقليمي، أما الثورة فعليها أن تتذكر أنها "ثورة"، وتستعيد ما حدث في يناير/ كانون الثاني 2011، وتقلّب في أجندة المواقف وردود الأفعال الدولية في تلك الفترة، لتعرف أن العالم كله لم يقف معها، إلا حين فرضت كلمتها وإرادتها، وصنعت واقعاً جديداً، كإبداع جماهيري خالص، لا تشوبه شائبة دعم أو رعاية مادية خارجية.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق