الأربعاء، 22 أبريل 2015

نحن ننتحر وهم يربحون

نحن ننتحر وهم يربحون


فهمي هويدي
لأن مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن الصراعات الحاصلة في منطقتنا أنعشت صناعة السلاح في الولايات المتحدة، وجعلت أباطرة تلك الصناعة يتوقعون مستقبلا زاهرا لبضاعتهم خلال السنوات القادمة.
وهم لا يخفون سعادتهم سواء بالصراع الذي يلوح في الأفق بين السنة والشيعة، أو بصراعات أهل السنة فيما بينهم. حيث يتوقعون أن تستمر المناكفات مع إيران من ناحية، كما يرون ان الحرب ضد تنظيم داعش أو الجماعات الإرهابية لن تحسم خلال السنوات القليلة القادمة.
مظاهر وخلفيات تلك الفرحة التي ترددت أصداؤها في البنتاجون (وزارة الدفاع) وفي دوائر الكونجرس، سجلها تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام (في ١٨/٤) أعده اثنان من محرريها هما: مارك مازيتي وهيلين كوبر.
من الملاحظات المهمة التي سجلها التقرير ان مبيعات السلاح الأمريكية للدول العربية كانت في السابق محكومة بسقف معين، يراد به في نهاية المطاف ان يظل التفوق الإسرائيلي قائما طول الوقت.
وكان مفهوما ان ذلك القيد أريد به ألا يسمح للدول العربية ان تتفوق على إسرائيل في قدراتها العسكرية تحت أي ظرف.
إلا أن الأمر اختلف هذه المرة، بعدما بدا ان الدول العربية ــ أغلبها على الأقل ــ أصبحت معنية بالاحتشاد ضد إيران، ولم تعد تعتبر إسرائيل الخطر الأكبر الذي يهددها. لذلك فإن الإدارة الأمريكية تساهلت في شرط ضمان التفوق الإسرائيلي، ولم تحدد سقفا لمبيعات السلاح للدول العربية، نظرا لاطمئنانها إلى أنه لن يوجه ضد إسرائيل، وانما سيستخدم في الصراع ضد إيران أو في الصراعات الداخلية أو ضد الجماعات الإرهابية المحلية.
تحدث التقرير عن استخدام السعوديين حاليا في اليمن للطائرات المقاتلة اف ١٥ التي تنتجها شركة «بوينج»، وان الطيارين الإماراتيين يقودون طائرات اف ١٦ التي تنتجها شركة «لوكهيد»، وهذه تستخدم في اليمن وضد تنظيم داعش في سوريا. كما ان الإمارات بصدد التعاقد مع صفقة طائرات «درون» التي تطير بدون طيار، لكي تقوم بمهمات تجسس في محيطها.
ونوه إلى أن مسئولي صناعة السلاح أبلغوا الكونجرس باعتزامهم عقد صفقة كبيرة تضم آلاف الصواريخ مع دول التحالف المشاركة في حرب اليمن وهي: السعودية والإمارات والبحرين والأردن ومصر.
من المعلومات الأخرى المهمة التي تضمنها التقرير ما يلي:
*إن المملكة العربية السعودية انفقت على التسليح في العام الماضي ٨٠ مليار دولار، وهو رقم كبير لم تبلغه من قبل، كما أنه يتجاوز انفاق كل من فرنسا وبريطانيا على التسليح، ويجعل من المملكة رابع أكبر دولة مشترية للسلاح في العالم، حسب تقرير مركز استوكهولم الدولي للسلام.
*دولة الإمارات انفقت على التسليح في العام ذاته (٢٠١٤) ٢٣ مليار دولار تقريبا، وهو رقم يعادل ثلاثة أضعاف انفاقها في عام ٢٠٠٦.
* قطر شاركت في سباق التسلح الذي تشهده منطقة الخليج، فقد عقدت صفقة مع البنتاجون بقيمة ١١ مليار دولار لشراء صفقة طائرات «آباتشي» ومعدات دفاعية أخرى. وهي بصدد التفاوض مع شركة بوينج لعقد صفقة طائرات اف ١٥، لكي تحل محل طائرات ميراج التي تستخدمها في الوقت الراهن. ومعلومات البنتاجون تشير إلى أن أمير قطر سيحضر معه قائمة بمشتريات أخرى للسلاح، حين يلتقي الرئيس الأمريكي في الشهر القادم. وبسبب اتجاه قطر إلى تعزيز قدراتها العسكرية، فإن شركة بوينج فتحت مكتبا لها في الدوحة في العام الماضي، كما ان شركة لوكهيد خصصت قسما خاصا لمباشرة مبيعاتها الخارجية من السلاح، بعد تزايد الطلب عليها من جانب الدول الخليجية عاما بعد عام.
* نظرا لاحتمال استمرار حروب المنطقة لعدة سنوات وإقبال دولها على تحديث قدراتها العسكرية فإن التنافس القادم سيكون على شراء الطائرة المقاتلة «اف ٣٥»، التي تعد دُرة صناعة السلاح الأمريكية. لأنه يصعب رصدها من جانب الرادارات ــ وكان قد سبق تسويقها للدول الأوروبية والآسيوية الحليفة للولايات المتحدة. لكنها لم تسوق في العالم العربي بسبب القلق من احتمالات استخدامها ضد إسرائيل. وهو قلق لم يعد واردا في الوقت الراهن للأسباب التي سبق ذكرها.
وأغلب الظن أن الإقبال على الطائرة الجديدة سيتزايد بعدما قررت روسيا تزويد إيران ببعض أسلحتها المتقدمة، وهي خطوة يفترض ان تدفع الدول العربية إلى محاولة الحصول على أسلحة أكثر تقدما.
جميعهم يتابعون جولات الصراع العربي بمشاعر يختلط فيها الارتياح مع البهجة، في عواصم الغرب وواشنطن في مقدمتها وفي إسرائيل بطبيعة الحال. ذلك أن الاقتتال في بلادنا يترجم عندهم إلى أرباح بالمليارات وانتعاش اقتصادي هم أحوج ما يكونون إليه، كما انه يترجم في إسرائيل إلى المزيد من الاسترخاء الاستراتيجي الذي لم تنعم به إسرائيل منذ انشائها.
أما السؤال الذي يظل معلقا في الفضاء طول الوقت وكاشفا لعبثية المشهد فهو: ماذا يكون حال العالم العربي لو أن هذه المليارات انفقت لتنمية العالم العربي وليس لانتحاره؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق