شمعون بيريز "الأيوبي" وغزوة "ذات الأحزان"
أحمد عمر
وكان الشاه قد امتنعت عليه العواصم، هارباً من الثورة، وهو من هو، فاستقبله السادات بأخلاق أرض الكنانة التي تحنو على أصحاب الرز أما البرغل فليشنق حاله.
واليوم يقوم خلفه السيسي بأخلاق الأمة "الماسرية" نفسها، بالتبرع بجزيرين للسعودية، وجزيرة ثالثة مقدسة، اسمها سيناء لإسرائيل!
صحيح أنه لم يسلّمها بعد، لكنه "خلو رجل"، تفريغ وفروغ يعني، وهذا لا يجوز في كل الشرائع، فالمصري أولى بأرضه.
ها هم المصريون يغرقون في البحر هربا من اليأس والجوع وبحثا عن الأمل، فالحياة ليست عربية خضار.
وكان قد تبرع بالجزيرتين ليس تضامنا مع دولة فقيرة، فالسعودية غنية بالرز وبغيره، وليس علامة على الأخوة الصادقة، أو تأسيا بقول القائل "اسق أخاك النميري"، ولكن سعيا وراء الرز الطويل، والقصير أطيب.
وقد تابعت مثل غيري جنازة البطل المقدام، بطل الهاغانا، فاتح فلسطين ومخلصها من أيدي الإخوان المسلمين الغاصبين، فكل المسلمين إخوان. المسلمون الجيدون بلا أخوة هذه الأيام. والمسلم الجيد هو الخالي من بروتين الأخوة، الأخوة سوس!
وقرأت نبأ تعثر رئيس المخابرات الفلسطيني بسيارته التي عمل بها حادثا نتيجة حبه وامتثاله للسنة النبوية: فإكرام الميت دفنه، وخبر تخلفه عن المشاركة في ثواب جنازة الراحل الكبير، فثوابها يعادل مائة صدقة، قلت: الأعمال بالنيات يا ماجد، ولَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً، وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ.
ورأيت دموعا جافة، وحزنا لا يكفكف على خدود وزير خارجية "ماسر" العربية الصهيونية، وقالت الخارجية المصرية إنه ليس حزنا، فهو سعيد بموته يا إخوان، لكنه مصاب بالإمساك المزمن! المشكلة ليست في ضميره وإنما في أمعائه الغليظة يا أهل الله.
وقرأت تصريحات منسوبة، (وكأننا نشك فيها) إلى كولومبو العرب، تقول أو تزعم، إنّ العرب يضيقون بإسرائيل وعندهم 22 دولة، الناشطون الأوغاد يدسون أشياء على لسان مسلم عروبي نبيل أمعاؤه الغليظة في رأسه، قاتلهم الله.
وتذكرت تقارير إخبارية "ديبلوماسية الجنائز"، ولم أسمع تقريرا آخر يطلق عليها اسما ثانيا مثل دبلوماسية "دموع الشجعان" قياسا على سلام الشجعان، أو تعبير "هكذا يبكي الرجال"، أو على مثل "شمعون بيريز يبكي الرجال" وهم يبكون ملكا يخشون أن يفقدوه مثل عبد الله الصغير. وإن القلب ليحزن، والدم العيون لتدمع وإنا يا جزار قانا على فراقك لمحزونون.
وقرأتُ تعليقات صحيفة ساخرة، وشاهدت أخرى تدافع عن مشاركة هؤلاء التقاة في ثواب جنازة هذا السفاح الحائز على جائزة نوبل للسلام، مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ، وسئل رسول الله عليه الصلاة والسلام: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
والمجرمون الحاصلون على نوبل أكثر من الفاضلين، فالمانحون أولاد شحيبر. وقرأت أن السفير المصري السابق يحب الاقتداء بالسنّة في كل صغيرة وكبيرة، فقال إن الرسول مشى في جنازة يهودي، وأشك في أن يكون اليهودي الذي مشى الرسول في جنازته هو سفاح قانا. والرز أحيانا يؤكل وأحيانا يلبس، وأحيانا هو تاج على رؤوس اليهود لا يراه إلا الأذلاء.
وكانت هذه الفرصة مناسبة لمصطفى بكري لينازل في ميدانه القومي الذي كان بطلا فيه في الأيام الخوالي، ومن المؤكد أن زعماء عرب كانوا يتحرقون شوقا للمشاركة في هذا الثواب، تأسيا بالسنّة التي تقول: أكثروا من ذكر هادم اللذات، وتحضّ على زيارة القبور، لكن أغرب التعليقات كان تعليق الصحفي جمال فهمي، الذي ندَّد بمشاركة "بوتيكات" العالم في جنازة قاتل، وهاجم محمود عباس (جوز عديلة الباكي)، لكنه لم يذكر سامح شكري قط، فقد سقط سهوا من الحساب، عُدَّ فكّة، والفكّة يأخذها الفتوة السيسي لبناء مصر. تحيا ماسر..
ويظهر العقل والرشاد في تصريح جمال خاشقجي السعودي، ابن بلاد الحرمين الشريفين، الذي أخذ بالسياسة الشرعية، وفهمت من تغريدته النائحة أنه يشتهي الحضور، فهو يفهم المشاركة العربية في الجنازة، لكنه عاتب على تمثيل دور الحزن. نهى الله عن التمثيل بالجثث وبالأحياء طبعا، ولم يطالبنا خاشقجي بالابتسام أو الضحك، حتى لا يشعر الأعداء أننا شامتون لا سمح الله، الشماتة ليست من خلق المؤمن كما قال عمر بن الخطاب: "المؤمن لا يشفي غيظه".
المذيع خيري رمضان قال: إن وزير خارجية مصر لم يبتسم من زمان، وحافظ على شرف فمه مصانا من لوثة البسمة، فلعله مثل صلاح الدين الأيوبي، ولن يبتسم والقدس محتلة، أو نصف القدس محتلة، فهي نصف غربية لليهود، ونصف شرقية أيضا لهم.
المفتي تامر أمين، قال: إن السياسية شيء وما في القلب شيء آخر. فالقلب حاقد، أما الوجه فأمر آخر. خليك فتك، واللي يفتح يأكل ملبن.
و"كده" هي فلسفة معلمه السياسي.
وأكبر صراع فكري في البلاد العربية هو صراع العلمانية والدين، والفصل بين الدين والدولة، وبين السياسة والأخلاق، وبين الواجب والعواطف، وبين الشعب الأول والشعب الثاني، كما جاء في آثار الشيخ علي الحجار. في كل أمر يعمل العربي مثل الدكتور جيكل والمستر هايد. سيوفهم على العرب وقلوبهم مع شمعون بيريز.
الحرب خدعة، وسامح شكري راح يحارب بالدموع والأحزان، هو وعباس جوز عديلة: خذلوا عنا ما استطعتم يا شباب العرب، أيها الفتيان، الحرب خدعة، ابكوا كثيرا.. "سكوت.. هنصور".. ابكوا، وهاتوا لأنفسكم رز الشرعية من بيريز، كما تسولتم رز الكبسة من السعودية ومن إرم ذات العماد و... الخوازيق.
الأسد لم يشارك في الجنازة، فهو على الثغور.
وكانت "سانا" قد نقلت يوما أن بشار الأسد صافح الرئيس شمعون بيرز بروتوكوليا. تقول الأخبار والتقارير إن 90 وفدا شاركوا بجنازة الفقيد بيريز، وإذا مات رئيس المخابرات الفلسطيني في المشفى فهو شهيد، فمن مات دون جنازة أخيه اليهودي، فهو شهيد، ومن لم يهتم بشؤون اليهود، فليس منا.
أما أطرف ما قرأت عن الجنازة، فهو للمناضل الكهين جهاد الخازن: وقد حسبته في هذا المقال مصريا مثل مصطفى بكري، أو مثل توفيق عكاشة، فالرجل مناضل وجريء، ويصف بيريز بالفاشل، وهو عتاب أخ لأخيه، أو هو رثاء ومناحة ذكية.
سرد في مقاله المصون السيرة الذاتية لبيريز، وشتم المتطرف "الحقير" الذي قتل رابين، فهو يعرف الشتيمة مثلنا ويفلت عياره، لكن القاتل في عقيدته هو صاحب الجريمة الوحيدة، الجرائم الجماعية لا يراها، فالنظر يصاب بالتعب في آخر العمر.
حرص في مقاله على أمر واحد: وهو تبرئة عباس من لبس القبعة اليهودية! فمن ذكر القبعة؟ بشار الأسد لم يضعها في حياته، ولا السيسي؟ لعله يريد من وراء ذلك تلبيسنا السلطانية؟ كل واحد يأخذ باله من القبعة ومن لغاليغو.
حرص مثل السيسي الذي ينهي خطاباته بتحيات لمصر على إنهاء المقال بجملة "الأرض لنا"، والمغفرة للفاشل بيريز.
جهاد الخازن هو الساحر الذي لم يخرج أرنبا من القبعة، وإنما اخترع القبعة! لنرفع القبعة لمخترع القبعة في الجنازة.
وبلغنا عن طريق "العربية"، أنّ عدداً من ناشطي محافظة دهوك في كردستان العراق أقاموا مراسم عزاء، وفاء وتقديراً لدور شمعون بيريز ومساندته القضية الكردية، فصار اسمه شمعون بيريز.... الأيوبي!
الفاتحة على أرواحنا... آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق