حوار مجلس الكنائس العامي
وتنازلات "المجلس المسلم للقدامى" !.. |
أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية |
الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أثناء اللقاء..
وأبدأ بالعنوان، فالمقصود ب "المجلس المسلم للقدامى" هي ترجمة الفاتيكان المبجل لعبارة "مجلس حكماء المسلمين"، التي ترجمها " le Conseil musulman des Anciens". وقد تصدر هذا العنوان الغلط أكبر موقع فاتيكاني صباح أمس، الموافق 3 أكتوبر الحالي. وكلمة "حكماء" ليست معضلة لغوية ولها ما يقابلها باللغة الفرنسية وهي: "Sage"، لكن الفاتيكان الذي لا يعترف بالإسلام دينا، ويعتبره من الديانات الأسيوية الوثنية التي ليست منزّلة من عند الله، عاد بصفة المسلم على المجلس وليس على حكماء المسلمين. وكان لزاما عليه أن يترجمها بعبارة: "le Conseil des Sages musulmans"، وفيما يلي رابط الموقع :
https://fr.zenit.org/articles/egypte-initiative-de-al-azhar-pour-promouvoir-la-paix أما الموضوع فهو: لقد شارك الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والوفد المرافق له والمكون من أعضاء من "مجلس حكماء المسلمين"، في الفترة من 30 سبتمبر حتى 2 أكتوبر 2016، احتفالات "معهد بوسيه المسكوني" بمناسبة مرور سبعين عاما على إنشائه. ومعهد بوسيه المسكوني تابع لمجلس الكنائس العالمي، وكلمة "مسكوني" تعني خاص بالعالم أجمع. وقبل التعريف بذلك المعهد وتناول موضوع المقال، من الواجب التعريف باختصار بمجلس الكنائس العالمي: مجلس الكنائس العالمي وعلامته المميزة: الشارة ترمز إلى مركب تتوسط بحر الدنيا ويعلوها الصليب محاطا بكلمة "أويكوميني"، وهي كلمة يونانية تعني "العالم أجمع". وقد تم إنشاء هذا المجلس سنة 1948، أي في نفس العام الذي تم فيه غرس الكيان الصهيوني في فلسطين، برأسمال 33 مليون فرنك سويسري، والفرق طفيف جدا بينه وبين الدولار، لكن المبلغ يشير إلى ميزانية لها أغراضها.. ويضم مجلس الكنائس العالمي 349 كنيسة منشقة ومختلفة عقائديا لكنها مجتمعة على هدف واحد هو: تنصير العالم. وهو "أخوية كنسية تجمع أعضاء يؤمنون بيسوع المسيح كإله ومنقذ وفقا للنصوص، ويعملون معا لمجد الله الوحيد، الذي هو الآب والابن والروح القدس". وهذا التعريف هو المعلن في النشرة الرسمية له.. ويجتمع المجلس بكامل ممثلي طوائفه كل سبع سنوات، تحت عنوان ثابت المعنى، متغير الكلمات، من قبيل: "المسيح أمل العالم"، "المسيح نور العالم"، "المسيح حياة العالم".. معهد بوسيه المسكوني : ومعهد بوسيه المسكوني له لافتته الخاصة، إضافة إلى علامة مجلس الكنائس العالمي، وهي لوحة ضخمة تمثل المسيح جامعا من حوله مختلف الكنائس من مختلف الأجناس. أما التعريف الذي يقدمه عن نفسه هذا المعهد فيقول إنه مركز دولي للحوار وإعداد القادة الجدد، وملحق بجامعة چنيڤ بسويسرا. ومهمة المركز كما يقول هي: إعداد مسؤولين عن التقارب المسكوني أي العالمي. وأنه مكان للحوار بين مسيحيي العالم للاتحاد من أجل التصدي للعدو المشترك، وهو الإسلام. وذلك هو ما سبق وأعلنه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في كتاب "الجغرافيا السياسية للفاتيكان"، لتسهيل أو تبرير ضرورة اتحاد كافة الكنائس، "من أجل التصدي للتحديات التي تواجه الكنائس في مختلف المجتمعات، بغية العثور على إجابات مشتركة والعمل معا حتى يؤمن العالم أجمع".. وعبارة "يؤمن العالم أجمع"تعني في الخطاب الكنسي: أن يؤمن بالمسيح كإله أوحد، أي بتنصير العالم. أو كما تقول النشرة التعريفية به: " بغية تعزيز الحوار والتعاون وبناء الثقة والتفاهم بين الأديان ودعم الحركة المسكونية في رحلة الحج من أجل تحقيق العدالة والسلام". الخلفية الأساسية لهاتين المؤسستين: من الواضح مما تقدم أن الإطار العام لهاتين المؤسستين قائم على القرار الصريح الذي لا رجعة فيه، كما يؤكده الباباوات، وهو: قرار "تنصير العالم"، الصادر عن المجمع الفاتيكاني الثاني (1965)، وذلك عن طريق بدعة "الحوار بين الأديان". وهذه البدعة المخادعة واردة في الوثيقة الفاتيكانية المعروفة باسم "في زماننا هذا"، وقد سبق أن تناولتها بالتفصيل حتى يعلم المسلمون، وخاصة من يتولون شؤون الدين منهم، كيف ينظر الفاتيكان إلى المسلمين وما الذي أعده من أجل اقتلاع الإسلام عن طريق "الحوار بين الأديان".. ومعنى الحوار، وفقا للخطاب الرسولي للبابا يوحنا بولس الثاني، وعنوانه "المسيح فادي البشر"، وبه ثلاثة بنود (رقم 55، 56، 57) خاصة بالحوار، يؤكد فيها البابا أن "الحوار بين الأديان جزء من رسالة الكنيسة ولا يتعارض مع التبشير" ؛ "نحن متمسكون بصرامة بأن الخلاص لا يأتي إلا من المسيح وأن الحوار لا يغني عن عملية التبشير" ؛ "هناك مجال شاسع للحوار بدأً من تبادل الخبراء في التراث الديني حتى التعاون للتطوير التام للقيم الدينية، وكل الأتباع وكل المجتمعات المسيحية مطالبة بممارسة هذا الحوار حتى وإن لم يكن على نفس المستوي. ومساهمة المدنيين المسيحيين ضرورة لابد منها. فالحوار هو الطريق إلى الملكوت ومن المؤكد أنه سيعطي ثماره".. وكانت هذه أول مرة في التاريخ تُصدر فيها الكنيسة قرارات لغير الكنسيين، وتُصدر قرارات مُلزمة لكل المدنيين المسيحيين والكنائس المحلية. والخطاب الرسولي هو توجيه عام لا رجعة فيه. وكل النصوص الحديثة، بعد مجمع الفاتيكان الثاني (1965) توضح أيضا أن "تنصير العالم" هو قرار لا رجعة فيه، فما معنى هرولة الأزهر ومشاركته في هذه الاحتفالات التي لا غرض منها على الإطلاق إلا تنفيذ أغراض الفاتيكان التنصيرية ؟! وكان البابا بنديكت 16 قد تناول موضوع الحوار قائلا: "في الحوار الذي علينا تكثيفه مع الإسلام، يجب أن نتذكر واقع أن العالم الإسلامي يجد نفسه اليوم بإلحاح شديد حيال المهمة المماثلة للتي تم فرضها على المسيحيين ابتداء من عصر التنوير، والتي استجاب لها الفاتيكان بتقديم حلول جذرية بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية بعد عملية بحث طويلة صعبة"! ثم أضاف بعدها: "إنه الموقف الذي يتعيّن على جماعة الأتباع [يقصد المسلمين]، حيال المعتقدات والمطالب التي تأكدت في فلسفة عصر التنوير (...). إن العالم الإسلامي، بتراثه الخاص، يجد نفسه أمام الواجب الكبير للبحث عن الحلول التي تتفق وهذا الصدد". أي أنه يتعين على المسلمين أن يغيروا من دينهم ويعدّلوا ويبدلوا منه حتى يتمشى مع متطلبات الفاتيكان لتنصير العالم !! وإن كان المسلمون أو المسئولون عن الأزهر لا يطّلعون على الوثائق البابوية بكل أسف، فذلك لا يمنع من أن "فعل الأمر" قد صدر لكل العاملين في الحوار بين الأديان. ولا أفهم بأي حق يسمح هذا البابا لنفسه بمطالبة المسلمين بتحريف نص القرآن المنزّل من عند الله بأن يقوموا بتطبيق ما فرضه عصر التنوير على الكنيسة، في تلك الأزمة الشهيرة بين الأصولية والحداثة، أي بين التحريف الكنسي وبين الأمانة العلمية ؟! موضوع الزيارة وتوابعها : أوضحت في البداية أن سبب الزيارة هو المشاركة في الاحتفال بمناسبة مروم سبعين عاما على إنشاء معهد بوسيه التبشيري. ووفقا للأعراف البروتوكولية كان لزاما على شيخ الأزهر أن يلقي خطابا، وذلك الخطاب تحديدا هو أساس هذا المقال. فعلى الرغم من أن الخطاب تضمن بعض العبارات الصريحة على استحياء بالنسبة للوضع السياسي في العالم واتهام الإسلام ظلما وتلفيقا بالإرهاب، فإنه يتضمن مآخذ أساسية ما كان يجب ولا يجوز أن تصدر عن فضيلة الإمام. فمع كل الاحترام الواجب لفضيلته وللمنصب الذي يترأسه أقول بكل ألم: * التحدث عن اليهودية والمسيحية والإسلام على أنها متساوية حاليا، أو كأن اليهودية والمسيحية ما تزالان ديانتان منزّلتان كما كانا أصلا، قبل التحريف، وقبل أن ينزّل الله سبحانه وتعالي الإسلام فاضحا ومصوبا لكل ما تم فيهما من تلاعب وتبديل، يعد مهانة كبرى في حق الإسلام والمسلمين. وأعتقد أنه ما كان يجوز لي بداهةً أن ألفت نظر فضيلته إلى كل ما هو وارد بالقرآن الكريم من تفاصيل حول تحريفهما، بل حتى ولا يجوز أن أذكر فضيلته بكل ما تمت كتابته في العالم الغربي أو الإسلامي، حول تحريف اليهودية والمسيحية الثابت يقينا. فما معنى هذه المساواة الممجوجة التي لا يقبلها أي عقل سَوي؟ * كان من الأكرم والأهم أن يطالب فضيلة الإمام الأكبر الفاتيكان والكرسي الرسولي بالاعتراف بالإسلام رسميا، دينا منزّلا من عند الله، والاعتذار رسميا عن محاربتهما الإسلام بدأب منذ بداية انتشاره وحتى يومنا هذا، مثلما سبق لهما الخروج عن "نصوص" المسيحية لتبرئة اليهود من دم المسيح، رغم كل ما هو مكتوب بصريح العبارة في أناجيلهم حتى يومنا هذا.. وهو ما أثبت للأتباع إلى أي مدي تتلاعب المؤسسة الكنسية بدينها في سبيل الأغراض السياسية ومنها استتباب غرس الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين. * كما لا يجب ولا يجوز إطلاقا أن ينساق الأزهر ويهرول، جهلا أم عن عمد، لتلبية أغراض الكنيسة المحلية وإقامة مؤتمرين للحوار، أحدهما الشهر القادم في أبو ظبي، والآخر في مطلع العام القادم في القاهرة، والأدهى من ذلك دعوة البابا فرنسيس لحضوره، تنفيذا لمطلب البطريرك تواضرس الثاني !! أصل الحكاية : في الفترة من 10 إلى 13 مايو 2013، كان البطريرك تواضرس الثاني قد قام بزيارة البابا فرنسيس في الفاتيكان. وأقول "البطريرك تواضرس"، لأنه في التدرج الوظيفي الكنسي الكاثوليكي لا يوجد سوى بابا واحد هو بابا روما، وكل ما عدا ذلك فهو بطريرك أو أقل وفقا للتدرج الوظيفي. وفي مقال بعنوان "زيارة تواضرس الثاني: فريات وتنازلات"، أوضحت كيف قام البطريرك تواضرس الثاني بدعوة البابا فرنسيس لزيارة مصر، كما هو وارد في الفقرة التالية، وذلك لمزيد من تفعيل عمليات التبشير الدائرة: "في الحادي عشر من مايو 2013، أى في اليوم التالي لتلك الزيارة التاريخية، أعلن البابا فرانسيس عن رغبته في زيارة مصر، ردا على دعوة تواضرس الثاني له، وهو ما أوضحه هذا الأخير في حوار مع راديو الفاتيكان، واصفا لقائه مع البابا بأنها كانت زيارة رائعة، معربا عن ثقته في أنها سوف تساعد على تحسين العلاقات بين الكاثوليك والأرثوذكس.. ولم يتم تحديد موعد لزيارة فرانسيس، بابا الفاتيكان، إذ يجب أن تسبقها دعوة من جهات أخرى، كما أوضح البيان". وبديهي أن الدعوة لا يجب أن تصدر عمّن هو أقل شأناً من بابا الفاتيكان، وإنما أن يكون على نفس المرتبة الدينية أو أعلى. ولا يوجد في مصر، ذات الأغلبية المسلمة الساحقة، سوى شيخ الأزهر الذي يحتل مكانة دينية مساوية لبابا الفاتيكان. لذلك تمت المصالحة بين الأزهر والفاتيكان، وانتهت القطيعة التي تسبب فيها البابا بنديكت 16 حين سب الإسلام ورسوله، صلوات الله عليه، سبّهما عمدا متعمدا في خطابه بجامعة راتسبون سنة 2006، ولم يعتذر، وإنما تأسف لرد فعل المسلمين "الذين حرّفوا معنى ما قاله"، فكافأوه بتقديم ما عُرف باسم "خطاب ال 138"، الذي أعلنوا فيه أننا نعبد نفس الإله، استنادا إلى النصف الأول من صورة الإخلاص "قل هو الله أحد"، وإسقاط نصفها الآخر الذي ينسف المسيحية نسفا: "الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد"!.. وهو ما بات الفاتيكان يستخدمه في كل أحاديثه قائلا "أننا نعبد نفس الإله" أو أن "المسيح هو الإله الوحيد".. وما أن تم تعيين رئيسا جديدا للفاتيكان سنة 2013، هو البابا فرنسيس، حتى هروَل الأزهر طلبا للمصالحة، أو ذلك ما أعلنه الجانب الفاتيكاني.. ودارت المحاولات في الكواليس لتتم دعوة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر ليلقي الخطب التمهيدية الترحيبية في محافل كنسية، ثم للقاء بابا الفاتيكان، وها هو من "الطبيعي" أن يقوم بدعوته لزيارة مصر رسميا للمشاركة في مؤتمر للحوار بين الأديان، وبذلك تتم المآرب الكنسية التنصيرية رسميا وتحت أعين "الأزهر الشريف" أو بمساهمته، بكل أسف.. وأعود لأكرر سؤالا قديما، سبق أن طرحته في عدة مقالات خاصة بتنازلات الأزهر: ألا يعلم أو ألا يُدرك الأزهر وجميع العاملين به أن عبارة "تنصير العالم" تعنى ضمنا "اقتلاع الإسلام"؟ كما يؤلمني أن أنهي هذا المقال المؤسف بتكرار سؤالٍ سبق وطرحته في فقرة سابقة بعاليه للتأكيد عليه: ألم يكن من الأكرم والأصوب أن يطالب شيخ الأزهر رئيس الفاتيكان، البابا فرنسيس، بالاعتراف بالإسلام بدلا من الزجّ به بين ديانات جنوب شرق آسيا، كما نص عليه مجمع الفاتيكان الثاني في وثيقته المعروفة بعنوان "في زماننا هذا"؟ أم إلى هذا الحد لم يعد الإسلام يعني شيئا في أعيُن المسؤولين عنه؟ أم إن اقتلاع الإسلام بات جزء أساسي من ثمار "الحوار بين الأديان" الذي يرتب له ويساهم فيه؟!
زينب عبد العزيز
4 أكتوبر 2016 |
الدرة (( إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ )) الامام الشافعي
الجمعة، 14 أكتوبر 2016
حوار مجلس الكنائس العامي وتنازلات "المجلس المسلم للقدامى" !..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق