هل هو ماراثون السيسي الأخير؟
الجنرال يسابق نفسه.. إلى أين؟
على هامش قاعات المؤتمر، امتطى السيسي درّاجته، وشارك في ماراثون فقير، صحبة الحراس والسائحات المستأجرات.
وداخل القاعات، كان هناك أطول ماراثون للنفاق الرخيص تشهده مصر، تفوق فيه المتسابقون على أنفسهم، محطمين أرقامهم القياسية في زمن حسني مبارك، ورأينا مصطفى الفقي، الدبلوماسي "الوكور" ينافس مصطفى الجندي، في ملاطفة الجنرال ومداعبته، حد الذوبان.
كان مكرم محمد أحمد يتألق في أداء دوره التاريخي الذي لا يتغير، بينما يغيب عن مشهد مناقشة أحوال الصحافة والإعلام نقيب الصحافيين، المنتخب يحيى قلاش، وأعضاء مجلس النقابة، المغضوب عليهم، بوصفهم ضالين عن عبادة الجنرال، فحقّت عليهم اللعنة، وصاروا يقضون في غرف التحقيق وساحات المحاكم وقتاً أطول مما يمكثون في نقابتهم.
يكره عبد الفتاح السيسي كل ما هو منتخب، بعيداً عن مقاساته ورغباته، يحب المعارضة التي يصنعها بيديه، ويستعملها بحساباتٍ دقيقةٍ للغاية، على النحو الذي يوفر للشاب مكرم محمد أحمد فرصة الهتاف بعقيرة عفية "إلا في مصر"، متحدّثاً عن حرية الصحافة التي تغيب عن الوطن العربي كله إلا في مصر، يكرّرها ثلاثاً على طريقة السيسي، وهو يصيح "تحيا مصر".
قبل أكثر من عامين، قلت إن صناع الثورة المضادة يتعاملون مع عبد الفتاح السيسي باعتباره "محمية طبيعية"، أو"تابو" يكاد بعضهم يلصق عليه عبارة "قابل للكسر"، ومن ثم ممنوع الاقتراب منه.
في حالة الكتلة الجماهيرية المتحلقة حول "التابو"، يمكن أن نجد تفسيراً في ما يمكن اعتباره نجاحاً من السلطة الجديدة في الاستثمار بحالة اللاوعي، وزراعة الخوف داخل الجماهير من اختفاء مصر من الخارطة، إذ ذهب السيسي..
بينما كانت عبارة "ذهب المعز وسيفه" مفتاحاً لتفسير حالة انبطاح النخب تحت قدمي الزعيم.
عرف التاريخ نماذج متعدّدة من جمهوريات الخوف و"جمهوريات الموز"، لكننا بصدد نموذج فريد في نوعه، يمكن أن نطلق عليه "جمهورية الموز بالخوف"، وهي أشد وطأة وأكثر سطوة، إذ تبدو النخب محاصرةً بين خوفين:
الأول، خوفها من الاعتراف بإسهامها في خداع الجماهير بمشروع سياسي انقلابي، تثبت الأيام أنه أكثر فشلاً، وأعلى كلفةً مما تم الحشد للانقلاب عليه..
ومصدر الخوف الثاني لمعة سيف المعز في يده الباطشة، خصوصاً مع تطاير الرؤوس التي تجرأت وارتفعت، وقصّ الألسنة التي تهوّرت، فهتفت ضد الجنون الذي يمرح ويعربد على امتداد خارطة الوطن.
كان المقصود من الزفة كلها محاولة إظهار حالةٍ من الاطمئنان والتماسك، تخفي وراءها خوفاً ورعباً حقيقيين، يسيطران على نظام الثلاثين من يونيو/ حزيران، انعكس في صرخات فزعٍ حفلت بها وسائل إعلام السيسي، تتنادى لاستعادة تحالف 30 يونيو، قبل أن يأتي الطوفان، وهو ما عنونت به صحافة الجنرال عن "عودة روح 30 يونيو"، تعبيراً عن حالة الحشد الرسمية لكل العناصر الفاعلة في تنفيذ الانقلاب، تفكيراً وتخطيطاً وتنفيذاً وتمويلاً وتسليحاً.
كان المؤتمر مناسبةً لتعبئة ترسانة الفاشية بالذخيرة، بما يسمح بالتشويش على هدير مجنزرات القضاء التي تدهس معارضي الانقلاب بأحكام الإعدام والمؤبد، وتجعل الكلام عن الحرية والديمقراطية، وحتى المطالب الاجتماعية، خيانة للوطن/ السيسي، وعبثاً بالأمن القومي للبلاد.
وكان أيضاً مناسبةً لكي يشارك الدكتور محمد البرادعي في مهرجان تجديد شباب الثلاثين من يونيو، ويطلّ بمجموعة تغريداتٍ، تبدو ركيكةً فكراً ولغةً، مقارنة بما عرف من دقة وإحكام في الصياغة بتغريداته السابقة، إذ بينما كان السيسي يغني في شرم الشيخ عن فتح مجالات الممارسة السياسية للشباب، أتى رد البرادعي سريعاً، مكملاً ومجملاً أكاذيب الجنرال، لينصح الشباب بتشكيل حزبين يعملان في ظل حكم قائد المسيرة الانقلابية، وكأن هناك مناخاً يسمح بحياةٍ حزبيةٍ وسياسيةٍ، يتوفر فيها الحد الأدنى من الاحترام والمصداقية.
يستشعر نظام 30 يونيو الخطر، مع التنامي المذهل في تململ الكتلة الجماهيرية التي ارتكب كل هذه الجرائم باسمها، من أوضاع معيشية ألقت بالفقراء في جحيم مستعر، فارتفعت أصواتهم بالاحتجاج، وراحوا يتفاعلون مع دعوات غضب11/11، الأمر الذي أصاب جنرال الخرافات وأتباعه بالفزع، ورأيناهم جميعاً في رقصةٍ فاشيةٍ مجنونةٍ على مسرح شرم الشيخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق