معارك أرباب العولمة مع الشعوب المسلمة
بقلم: حبيب راشدين / كاتب جزائري
"لولا نجاعة الضربات الجوية لسلاح الطيران الروسي لكان الإرهابيون قد نصبوا رايتهم السوداء فوق دمشق"، هذا ما قاله نائب وزير الخارجية الروسي جينادي غاتيلوف، تصريح يذكرنا بتصريحات سابقة لنظرائه من الصليبية الغربية وهي تدّعي: أنه لولا التدخل الأمريكي لكانت راية "القاعدة" قد رُفعت فوق كابل، ولولا "عاصفة الصحراء" لكانت بغداد عاصمة لـ"داعش"، ولولا تدخل النيتو لكانت الرايات السود ترفرف فوق طرابلس، ولولا عملية "سيرفال" الفرنسية لكانت تمبوكتو اليوم تحت نفس الراية...
هذا ما كانت تصرح به الصليبية الأولى حتى في صيغها الاستعمارية اللاحقة، لولا أن خطابها كان موجّها وقتها لملوك وشعوب النصرانية، فيما تريد "الصليبية الجديدة" أن تمنّ على المسلمين اليوم في بغداد ودمشق بما يفعله طيرانها حماية لشعوب المنطقة من "تمدُّد الرايات السود" ولو على أنقاض مدن الشام وأشلاء أطفاله ونسائه وشيوخه.
في مكان ما، تكون النخبة الغربية سعيدة - في السر- بما يفعله فلاديمير بوتن وهو يكمل المهمة التي بدأها بوش الابن بالغزو الأمريكي للعراق، الذي دشن أول موجة من المد الصليبي الجديد، لم يسبقه سوى تمدد روسيا الشيوعية في جمهوريات آسيا الوسطى المسلمة، وكان يحسن بنا أن ننتقل من التوصيف بمصطلح "الحروب الصليبية" إلى وصفها بما هي على حقيقتها: كحروب للنخبة العالمية القائدة لقطار العولمة تريد سحق قلب العالم الإسلامي.
ليس بوتن سوى أحد رموز العولمة وقائد حرب من قادة نخبة العولمة، مثله مثل نظرائه الأمريكيين والأوروبيين، ورفاقه في المحور الشرقي الرديف، وليست الحرب الدائرة في سورية اليوم سوى المعركة الأولى بين نخبتين مؤمنتين بحتمية إخضاع البشرية لنظام "العقب الحديدي" المتنامي منذ قرن كما بشّر به جاك لندن.
وإذا كان الغزو الأمريكي للعراق قد مثَّل آخر معركة للنخبة الأنجلوساكسونية لفرض عولمة بريادة أمريكية صرفة تحت شعار "القرن الأمريكي الجديد"، فإن معركة سورية اليوم هي أول معركة لأحباب عولمة بديلة تُنفَّذ بالتراضي بين أقطاب متعددة، وقد اتفق الفريقان على أن المعوق الأخير لقطار العولمة هو الإسلام، وأن نواته الصلبة هي في قلبه العربي السني الذي فشل، كما يقول هنتيغتن وكثير من فقهاء الاجتماع الغربيين، في التكيف مع متطلبات الحداثة وواجب الاندماج الطوعي فيها.
ذاكرة الشعوب القصيرة تنسيه تلوّن خطاب هذه النخب في توصيف العدو، وإلا كيف ننسى توصيف المحتل لمجاهدي جيش التحرير الجزائر، أيام الاستعمار الفرنسي، بـ"الفلاقة" قبل أن يستقر التوصيف عند مصطلح "الإرهابيين" الذي سوف يُعمَّم على جميع من يحمل السلاح لمقاومة "سلوك الفايكينغ" الذي طغى على خطط التمدد الغربي كما يصفه الفيلسوف أوسفالد سبينغلر في كتاب "أفول الغرب".
ولأن المواجهة اليوم مع أرباب العولمة بنفس "ذهنية الفايكينغ" التي طبعت السلوك الغربي هي أكثر تعقيدا من المعارك مع الصليبية الأولى ومع الاستعمار القديم، فإن المسلم يمتلك أداة تمييز للموقف السليم في الآية 51 من المائدة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق