بوتين يعتقد أن الوقت قد حان لحمام دم في حلب
ديفيد هيرست
لقد مر ما يقارب السنة منذ أن قرر بوتين التدخل في سوريا بهدف دعم نظام الأسد، وكان ذلك القرار مفاجئا خاصة بالنسبة لواشنطن.
ويدّعي بوتين أنه في بداية عملياته العسكرية في سوريا، قد نجح في إنقاذ دمشق ونظام بشار من الانهيار. كما ساهمت العمليات الروسية في إعادة فتح الطريق الساحلي للاذقية، وساهمت أيضا في تحرير تدمر. وبعد فترة، أعلن بوتين نجاح مهمته في سوريا، وسحب عددا كبيرا من جنوده من الأراضي السورية. أما الآن، فهو يقوم بتركيز كل قواته في شرق حلب.
وقد اعتقد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري؛ أنهما سيكونان قادرين على إيجاد حل للأزمة السورية من خلال مؤتمر جنيف. لكن ما عرقل المحادثات بين الطرفين هو القصف الأمريكي الذي استهدف معاقل النظام في دير الزور يوم 17 أيلول/ سبتمبر الماضي. وعلى الرغم من أن واشنطن اعتذرت عن ذلك الهجوم، إلا أن روسيا اعتبرته هجوما متعمدا.
والجدير بالذكر أن هذا شبيه بما فعله بوتين في أوكرانيا (وهي الحرب الانفصالية التي تلوثت بها أيادي روسيا والوطنيين الأوكرانيين ومفاوضي الاتحاد الأوروبي)، فبوتين حاول انتهاز الفرصة لتدمير حلب، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى نهاية الحرب السورية، بحسب اعتقاد بوتين.
والمذابح التي تُرتكب في حلب تُذكرنا بما حصل في غروزني، عاصمة الشيشان، بين عامي 1994 و2000. فروسيا تقوم باستخدام نفس الأسلحة التي استعملتها في الشيشان، بما في ذلك قنابل الفسفور والقنابل الحرارية (وهي انفجارات نارية تمتص الأكسجين داخل قُطر يبلغ 500 متر).
كما عمدت روسيا إلى استهداف أماكن حيوية مثل المستشفيات والأسواق والمساجد، أو أي مكان يتجمع فيه المدنيون.
وكان للهجمات الروسية في الشيشان نتيجة واحدة؛ وهي تقسيم الحركة الصوفية الانفصالية إلى شقين رئيسيين، فقد اضطر الشق الأول من هذه الحركة إلى ممارسة نشاطاته السياسية في المنفى، أما الشق الثاني فقد أصبح نواة حيوية لفرع تنظيم الدولة في منطقة شمال القوقاز.
ويراهن تنظيم الدولة على هذا الفرع كمصدر مهم للمقاتلين الأجانب في مدينة الرقة.
كما تواصل روسيا تنفيذ هجماتها ضد المناطق الروسية ذات الأغلبية المسلمة، مثل داغستان وأنغوشيتيا، وقد تصبح هذه الهجمات أكثر خطورة.
ويبدو أن بوتين يعتقد أن المعركة التي يخوضها في شرق حلب شبيهة بالتي حصلت في غروزني منذ 16 سنة. ولكلا الصراعين نقطة تشابه؛ تتمثل في أن بوتين هو من بدأ كليهما.
لكن حلب ليست غروزني؛ فهي لا تقع على مقربة من الحدود الروسية. فحلب هي ببساطة إحدى أهم المدن السنية، بالإضافة إلى بغداد والموصل. لذلك، إذا ما نجح كل من بشار الأسد وحزب الله ولواء القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في السيطرة على حلب، فإن السنة سيضطرون إلى مغادرتها.
ويبدو أن بوتين متأكد من أن سقوط حلب سيكون بمثابة لحظة مفصلية وهامة في الحرب الأهلية السورية، نظرا لأن سقوط مدينة سنية على أيدي قوات شيعية، تتمثل في النظام السوري وحزب الله وإيران، سيكون بمثابة نقطة تحول مهمة ستساعد روسيا على التصدي للمتمردين السوريين.
وبالنظر إلى التاريخ الحديث لحلب وحمص والموصل والفلوجة والرمادي، فإننا قد نجزم أن القوات الروسية قد لا تكون قادرة على تدمير حلب. فهذه المدن دمرت وتمت استعادتها مرات عديدة، تفوق عدد المرات التي التقى فيها بوتين مع أوباما. وما ينطبق على القوة المحدودة للجنود الأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين في العراق، ينطبق أيضا على روسيا وإيران وحزب الله.
وعلى الرغم من حدة الهجمات، إلى أن الخطوط الأمامية في حلب لم تتغير، ولا يبدو أن الهجمات قد أدت أيا من الأهداف المنشودة من قبل روسيا. كما أن المسألة لا تتعلق بعدد المقاتلين في صفوف قوات المعارضة، بل بنوعية الأسلحة التي منحها أوباما لهذه القوات في إطار سعيه لجعل قوات المعارضة أقوى من التحالف الروسي. لكن أوباما لا يسعى لجعل قوات المعارضة الأقوى بحيث تكون قادرة على فرض سيطرتها الكاملة.
وتجدر الإشارة إلى أن قرار الولايات المتحدة الانسحاب من مفاوضات جنيف من شأنه أن يفتح المجال أمام أطراف أخرى للتحرك بحرية أكبر في الأراضي السورية، وسيسمح الوضع الجديد لأطراف عديدة، مثل المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر، بضخ الأسلحة والمساعدات العسكرية للمعارضة السورية بحرية أكبر داخل أرض المعركة.
إن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الصراع السوري، سيمهد الطريق أمام دول عديدة، وخاصة المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، التي تسعى جاهدة للتوغل أكثر في الصراع السوري المتواصل منذ حوالي ستة سنوات، حيث يبدو أن القوات التركية اقتربت من شرق حلب. وإن تمكنوا من استعادة السيطرة على معبر الباب، الذي يتحكم فيه تنظيم الدولة الآن، فإنهم سيصبحون أقرب لفرض سيطرتهم على حلب.
ويبدو أن ولي العهد السعودي، الأمير الشاب محمد بن نايف، قد أصبح طرفا في الصراع السوري، خاصة بعد الزيارات التي أداها لواشنطن وأنقرة. لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفى مناقشة مواضيع تتعلق بالصراع السوري وتحديدا تسليح المعارضين السوريين خلال اللقاء الذي جمعه مع ولي العهد السعودي.
وفي سياق آخر، فإن روسيا فشلت في شن هجمات من شأنها أن تقضي على طموحات المعارضة السورية، وهذا يعني أنه على بوتين أن يفكر جيدا في الصراع السوري على المدى الطويل. ومن المؤكد أن الاقتصاد الروسي قد لا يكون قادرا على تحمل أعباء تدخل عسكري طويل المدى، خاصة وأن الاقتصاد الروسي يعتمد أساسا على عائدات النفط والغاز. كما أن العصر "الذهبي" الذي مرت به روسيا والذي اتسم بالثراء الفاحش لبعض الروس قد مضى منذ فترة طويلة.
لكن الحرب السورية قد تبدو مفيدة لبوتين على عدد من المستويات. فقد أخرجت الحرب السورية روسيا من عزلتها، كما نجحت في إنقاذ نظام الأسد، وقد تفكر روسيا في إبقاء الأسد على رأس الحكومة حتى بعد انتهاء الحرب السورية. لكن هذا لا يخفي أن بوتين ستسبب بكارثة استراتيجية لروسيا، خاصة بعد تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة.
ربما يعتقد بوتين أن هذا الوقت مناسب لتنفيذ حمام دم في حلب، بينما لم يعد يمتلك أوباما الذي تميزت سياسته الخارجية دائما بنبذ التدخل الأجنبي؛ الوقت أو الإرادة الكافية للمقاومة. أشهر قليلة تفصلنا عن انتخاب الرئيس الأمريكي القادم، وإذا تحولت مخاوف روسيا إلى حقيقة بعد انتخاب هيلاري كلينتون، فإن بوتين قد يفكر في أن نفوذه في سوريا أصبح مهددا بالتراجع خلال وقت قصير.
من الناحية الإستراتيجية، يبدو أن لا أحد من بين الأطراف الرئيسية الفاعلة في الصراع السوري، وتحديدا روسيا وإيران والنظام السوري، قادر على فرض نفوذه على دولة ذات أغلبية سنية، مدعومة من طرف أكبر قوتين سنيتين إقليمين، هما تركيا والمملكة العربية السعودية.
إن طريقة وموعد عودة بوتين لمفاوضات جنيف يرتبط برؤيته للصراع. فإذا كان بوتين ينظر أبعد من الاستراتيجية المقبلة، فإنه قد يدرك أن أسوأ سيناريو قد يحدث في سوريا هو سقوط شرق حلب. ولن يكون ذلك نهاية خمس سنوات ونصف من الحرب، بل بداية خمس سنوات ونصف أخرى من الفوضى والدمار.
لقراءة المقال كاملا بالانجليزية إضغط (هنــــا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق