ابن تيمية ومعركة الحرية
(9)
"براءة ابن تيمية"
بقلم أ.د. حاكم المطيري
محرم 1438هـ
أكتوبر 2016م
مرافعة داخل قاعة المحكمة:
"وشأن هذه "القضية" وما يتعلق بها أكبر مما يظنه من لا يراعي إلا جزئيات الأمور، وأكبر مما في نفوسكم؛ فإن طائفة من هؤلاء الأعداء ذهبوا إلى بلاد التتر! والضرر في هذه "القضية" ليس عليّ؛ بل عليكم! فإن الذين أثاروها من أعداء الإسلام: الذين يبغضونه، ويبغضون أولياءه والمجاهدين عنه، ويختارون انتصار أعدائه من التتار ونحوهم! وهم دبروا عليكم حيلة يفسدون بها ملتكم ودولتكم! وقد ذهب بعضهم إلى بلدان التتار، وبعضهم مقيم بالشام وغيره! ولهذه القضية أسرار لا يمكنني أن أذكرها ولا أسمي من دخل في ذلك،حتى تشاوروا نائب السلطان، فإن أذن في ذلك: ذكرت لك ذلك، وإلا فلا يقال ذلك إلا له، وما أقوله فاكشفوه أنتم!
وتعرفون من حيث الجملة أنهم قصدوا فساد دينكم ودنياكم! وجعلوني إماما تسترا؛ لعلمهم بأني أواليكم وأسعى في صلاح دينكم ودنياكم،وسوف إن شاء الله ينكشف الأمر! وهذا كان مقصود العدو الذي أثار هذه الفتنة!"
"سجين الحرية شيخ الإسلام ابن تيمية"
بين يدي القضية:
سبعة قرون تصرمت دون أن يعرف أحد حقيقة محاكمة ابن تيمية، وأسباب سجنه الحقيقية من سنة 705 - 709 هـ!
لقد مضت القرون تلو القرون، وتتابعت العقود والسنون، لا تعرف الأمة فيها عن مجدد دينها شيخ الإسلام ابن تيمية إلا أنه ظُلم، وسجن مظلوما، ثم خرج من السجن بعد تلك المحاكمات الجائرة منصورا، وذهب عدوه مذموما مدحورا، دون أن تعرف الأمة حقيقة وأبعاد تلك المؤامرة الخارجية على الأمة وعلى الدولة وعلى قائدها الفكري شيخ الإسلام ابن تيمية، وقائدها السياسي السلطان الناصر محمد بن قلاوون -بعد قيادتهما الأمة والدولة لمواجهة الحملات المغولية والصليبية والباطنية- حيث تعرض الأول للاعتقال، وتعرض الثاني في الفترة نفسها للاغتيال، ثم العزل والانقلاب!
ومع ذكر المؤرخين جميعا لتلك الحوادث الجزئية، لم يحاول أحد منهم الربط بينها؛ لمعرفة حقيقة ما جرى؟!
ولم يتوقف أحد من المؤرخين عند هذه العبارات الخطيرة -الواردة في مرافعة ابن تيمية في قاعة المحكمة- التي حذر فيها ابن تيمية -وكررها أثناء التحقيق معه- من الانشغال بالأحداث الجزئية عن الأحداث الكلية والمؤامرات التي كانت تحاك ضد الأمة وضد الدولة وهي تواجه الأخطار الخارجية!
لقد انشغل الجميع آنذاك -كما هو حال الجميع اليوم- بتفسير الأحداث تفسيرا سطحيا جزئيا؛ بدعوى الواقعية والموضوعية، وتحررا من نظرية المؤامرة زعموا! وتجاهلوا الأحداث الرئيسية الكلية التي جاءت الحوادث الجزئية في سياقها وتعبيرا عنها، ودور العدو الخارجي في صناعتها ونسجها!
لقد اتخذ العدو ابن تيمية ستارا لتحقيق هدف أكبر! وهو ما ظل سرا مدة سبعة قرون، حتى جاءت اليوم "براءة ابن تيمية" وكشفت عنه، وتحقق ما تنبأ به ابن تيمية بأنه سيأتي اليوم الذي تظهر فيه تلك الحقيقة الغائبة، وتنكشف بعده أسرار تلك المؤامرة!
وكأنما ابن تيمية كان يرى بنور الله!
من كان وراء تلك المؤامرة التي نبّه ابن تيمية نفسه -وهو في الحبس- إلى قرب حدوثها، وإلى خطورتها على الدولة والأمة، وإلى تورط بعض الأطراف فيها؟!
لقد كانت محاكمة ابن تيمية وحبسه آنذاك -وبشهادة قضاة عصره العدول- محاكمة سياسية بثوب ديني، إلا أن أخطر ما فيها هو الدور الخارجي، الذي تجاهله المؤرخون مع وضوحه وضوح الشمس في رائعة النهار، لمن جمع أطراف القضية، وتحرى عن أسبابها الحقيقية!
وشاء الله أن تظل هذه القضية مع شهرتها سرا من الأسرار، ولغزا من الألغاز، حتى أراد الله كشف الأستار عن هذه المؤامرة، حين تكرر المشهد نفسه وبكل تفاصيله مرة أخرى ما بين سنة 1434 - 1437 هـ / 2013 - 2016 م، وبعد سبعة قرون؛ في ظل مواجهة الأمة وشعوبها للحملات العسكرية الأمريكية والروسية الصليبية، والإيرانية الباطنية الصفوية، وحدوث موجة الاعتقالات والمحاكمات في كل بلد للمصلحين والمجاهدين الذين حرضوا الأمة على جهاد العدو ومقاومته؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق