السبت، 25 أغسطس 2018

صناعة نجم وتصنيع كاتب

بسم الله الرحمن الرحيم

 الدكتور علاء الأسواني
صناعة نجم وتصنيع كاتب
 بقلم د. محمد عباس
 شبكة النهى*


كانت السلسلة الأولى التي أوقفتها الحوادث سلسلة مقالات عن الدكتور علاء الأسواني بعنوان: صناعة نجم وتصنيع كاتب. موضوع المقالات لم يكن لها علاقة بعلاء الأسواني. إنما كنت أريد تناول طريقة صناعة نجم سواء كانت موهبته تستحق أم لا، وذلك لاستغلاله أو استعماله بعد ذلك، لترويج فكرة أو لدحض اتجاه. وعلى سبيل المثال فإن تناول شخص ما بالرعاية والتفخيم والجوائز وتسليط أجهزة الإعلام عليه لكي تصنع منه نجما.. يجعل من هذا الشخص بوعيه أو بدون وعيه أسيرا لمن صنعه.. فإذا أوعز الصانع  لهذا النجم بعد عشرين عاما ليزور إسرائيل مثلا أو يدعو لها أو أن يهاجم الإسلام أو أن يدافع عن البهائية فإنه سيفعل على الفور.. ليس بالضرورة لكونه مرتزقا أو خائنا أو عميلا.. بل في أغلب الأحوال لا يكون كذلك.. لكنه يكون أسيرا لأمرين: ضعف النفس أمام الغواية خاصة عندما تكون هناك مصلحة شخصية محققة في مواجهة ضرر غير محدد للوطن.. الأمر الثاني هو أن الجهات التي ترعاه وتجعل منه نجما تحرص طول الوقت على إجراء غسيل مخ له.. على تغيير اقتناعاته وأفكاره.. واضعة في الاعتبار أنها كلما نجحت في إقناعه كلما قل الثمن الذي يجب أن تدفعه له.. والتغيير هنا يكون خطيرا جدا.. لأنه يزلزل قواعد البيت بينما تبقى الواجهة كما هي فتكون في الخداع أفعل. 
كانت الفكرة في إطار اهتمامي الشديد كل الوقت حتى بدأت بنشر المقال الأول فيها منذ شهور، حيث تحدثت عن طرفة موحية، حين أرادت المخابرات الأمريكية أن تمتحن ولاء المتقدمين لها، فاختطفت أشقاء المتسابقين على المركز الأول وطالبت من المتسابقين الدخول لقتل أشقائهم.. اختلفت ردود الفعل.. لم يكن المتسابقون يدركون أن المسدسات محشوة بالبارود فقط لكي تصدر صوتا دون رصاص.. لكن المتسابق الذي فاز.. هو الذي خنق أخاه بيديه ولاء للجهاز عندما لم يسعفه المسدس المحشو بالبارود فقط!.
 
ثم توالت الأحداث الجسام فتوقفت هذه السلسلة بعد المقال الأول.. ولما آن الأوان لكي أخلع كل هذا لأكتب "في ظلال السيرة" كان من حق القارئ أن أختم بعض الملفات المفتوحة ومنها ملف د علاء الأسواني.  وهنا تذكرت بيت الشعر الذي جعلته عنوانا لهذا المقال وهو بيت صعب شرحه العلامة محمود شكر في أكثر من عشرين صفحة من كتابه الرهيب" نمط صعب نمط مخيف"..حيث لجأ إلى منهج موسوعي جدير بعبقريته وعبقرية اللغة العربية من أجل الدفاع عن الأمة ودينها ولغتها ضد النخبة القائدة السائدة الفاسدة.
 
 يقول العلامة  محمود شاكر: "إن الإحساس القديم المبهم المتصاعد بفساد الحياة الأدبية. قد أفضى بي إلى إعادة قراءة الشعر العربي كله أولا.ثم قراءة ما يقع تحت يدي من هذا الإرث العظيم الضخم المتنوع من تفسير وحديث وفقه، وأصول فقه، وأصول دين «هو علم الكلام» وملل ونحل «إلى بحر زاخر من الأدب والنقد والبلاغة والنحو واللغة، حتى قرأت الفلسفة القديمة والحساب القديم والجغرافية القديمة، وكتب النجوم، وصور الكواكب، والطب القديم، ومفردات الأدوية، وحتى قرأت البيزرة والبيطرة والفراسة. بل كل ما استطعت أن أقف عليه بحمد الله سبحانه، قرأت ما تيسر لي منه، لا للتمكن من هذه العلوم المختلفة، بل لكي ألاحظ وأتبين وأزيح الثرى عن الخبء المدفون" ..  
 
كان محمود شاكر يفضح فساد النخبة وانحراف المثقفين  الذين جُنّدوا ضد أمتهم.
يقول بيت الشعر:
أَمْـرٌ مَا نَابَنَا مُصْمَئِلٌّ... جَلّ حَتّى دَقَّ فِيهِ الأَجَلُّ
 
والبيت من  قصيدة كتبها ابن أخت تأبط شرا . و"المصمئل" هو المنتفخ من الغضب وهو الشديد، فلو اقتصرنا على نص اللغة هنا في تفسير هذا اللفظ، لفقد الشعر معناه وإنما فحوى مراد الشاعر أن يدلك على أنه كلما زاد الأمر تأملاً، زاد تفاقماً وتعاظماً، وأطبق عليه إطباقاً، وأحاط به إحاطة لا تدع له من إطباقه عليه مخرجا، فأولى أن يقال إنه من قولهم «اصمأل النبات» إذا «التف وعزم وأطبق بعضه على بعض من كثافته»، وأصل هذه المادة في اللغة، صمل يصمل، صمولاً» إذا صلب واشتد واكتنز،، يوصف بذلك الجمل، والجبل، والرجل وما أشبه ذلك، «فأنت في مثل هذا الموضوع محتاج في البيان أن تزيد على نص اللغة مستدلاً بأصل مادة اللغة.
 
 ولتبسيط شرح العلامة لبيت الشعر نقول أن معناه: قد أصابنا أمر هائل  أو مصيبة فادحة أحاطت بنا كما تحيط الأغصان المتشابكة الكثيفة في الغابة بمكان لتمنع أي شيء أو نجدة من الوصول إليه حتى ولو كان ضوء الشمس.. وأن هذا الأمر أو المصيبة الهائلة عظيمة جدا وضخمة جدا وجليلة جدا للدرجة التي تبدو فيها المصائب الهائلة الأخرى شيئا دقيقا جليلا لا يكاد يذكر إزاءها. إن حاملة الطائرات شيء هائل وعظيم وجليل لكنها عندما تغرق في البحر المحيط تكون شيئا ضئيلا لا يكاد يذكر.. وكذلك فإن مصائبنا السابقة هي كحاملات الطائرات أما مصيبتنا الحالية فهي كالبحر الأجل الذي تكون فيه حاملة الطائرات الجليلة شيئا دقيقا لا يكاد يذكر( جل حتى دق فيه الأجلّ) - الفهم من العلامة والشرح من عندي. 
إذن كانت مقالاتي أو أفكاري عن قضية " صناعة نجم وتصنيع كاتب"  كحاملات طائرات غرقت في بحر الأحزان المتلاطم الهائج..فأصبحت حاملة الطائرات الضخمة إزاء البحر الهائل شيئا دقيقا لا يرى. أما علاقة علاء الأسواني بالأمر فكونه حالة نموذجية عصرية لا تستعمل إلا كدليل توضيحي دون أي رغبة في الإساءة.
 
لقد ظل علاء الأسواني سنوات طويلة كاتبا مغمورا ومرفوضا لا يقر بأهميته أحد ( قارن ذلك مع ما في المقارنة من ظلم بنجيب محفوظ الذي اكتشفه النقاد من أعماله الأولى.. وعلى رأسهم الشهيد سيد قطب).. وفجأة انفجرت الإشادة به بعد حملة هستيرية من الترويج والإشادة بروايته "عمارة يعقوبيان" والتي يرى معظم النقاد المتخصصين أنها رواية متوسطة القيمة. بل إنني أرى أنها دون ذلك. فالرواية ليست سوي تقرير صحافي ركيك يخطئ في التفاصيل أخطاء فادحة مثل جهله بكيفية صلاة الجمعة.
 
هذه الحملة الهائلة من الترويج أثارت ريبتي على الفور.. إنها من نوع الحملة الهستيرية على خلية غزة.. قنابل دخان تخفي أمرا يدبر وولادة سفاح!. ثم أنها حملة تنبني على عمل واحد وهذا أمر نادر جدا في عالم الأدب ويدل على نفاد صبر القائمين على عمليات تصنيع النجوم وصناعة الكتاب، فلو أننا نظرنا إلى منتجاتهم السابقة مع الكتاب العالميين لوجدنا الشهرة لا تحيط بالكاتب إلا بعد عشرات السنين والأعمال.
 
كنت أستطيع أن أفهم ذلك..
 
فلقد انكشفت النخبة القديمة كلها.. بدت سوأتها  وأصبحت عارية نتنة مقززة.. ومن ثم اشتدت الحاجة إلى وجه أو وجوه جديدة تنتج على عجل .. تماما كما يفعلون بطلاب الكلية الحربية وقت الحروب حيث ينتهون من تخريجهم بعد دراسة بضعة شهور بدلا من أربع سنوات.
 
لذلك أستطيع أن أفهم اختيار علاء الأسواني وإخضاعه لعملية صناعة نجم وتصنيع كاتب.
لكن ما فات المصنعين أن العمل الذي اعتمدوا عليه عمل رديء يكشفهم أكثر مما ينفعهم..
نعم.. من الناحية الأدبية فإن  "عمارة يعقوبيان" عمل رديء.. شكلا ومضمونا..
 
لا أريد أن أغوص في بحور النقد وإن كنت سألمسها-عبر النقاد- لمسا سريعا.. لكنني أتناول بعض الأخطاء الفادحة في تفاصيل الرواية كانت كفيلة بالقضاء عليها لولا الحاجة الشديدة إلى كاتب جديد نجم.
 
من هذه الأخطاء الفادحة الفاضحة أن الكاتب لا يعرف كيفية أداء صلاة الجمعة ولا خطبتها.. ولو أن الروائي كان نصرانيا أو يهوديا أو حتى بهائيا لكان عليه أن يدقق في تفاصيل روايته حتى لا يقع في أخطاء فادحة..
 
هل يمكن تصور وجود مسلم  - دعنا الآن من كونه مثقفا أو كاتبا مسلما أو غير مسلم- لا يعرف تفاصيل صلاة الجمعة وخطبتها؟!.. 
بعيدا عن الآراء الفقهية فإن لصلاة الجمعة وضعا خاصا في الوعي الجمعي للمسلمين.. حتى أننا نرى في أحيان كثيرة من لا يقربون من الصلوات إلا صلاة الجمعة.. كما أننا نرى هذه الصفة القبيحة في ملوك ورؤساء يتقربون إلى شعوبهم ويخدعونها بأداء صلاة الجمعة دون بقية الصلوات.
 
الذي يجهل هذه الصلاة إذن إما غير مسلم وإما بلغ من الجهل بالإسلام  هاوية سحيقة لا تبيح له ولا تتيح أن يتكلم عن الإسلام ولو في رواية.
لذلك ذهلت وأنا أقرأ رواية علاء الأسواني:"عمارة يعقوبيان" خاصة في الصفحات 134-137.. 
 ولقد  انتظرت طويلا أن يستعرض أحد النقاد أو حتى الصحافيين هذا  الخطأ الفاضح والفادح والمضحك في الرواية.. إذ يبدو أن الراوي لم يصل الجمعة أبدا..!!
 
دعك من أخطاء فادحة كقوله على لسان خطيب الجمعة في المسجد  في ص135:
إن شريعة الحق جل وعلا لا تناقش ولا ينظر فيها  بل تطاع وتنفذ فورا بالقوة ولو كره الكارهون.
.."تعالت الهتافات والتكبيرات ترج أركان المكان"
 
(فهل سمع أحد منكم خطيب الجمعة يتفوه بمثل هذا؟.. وها حضر واحد منكم صلاة جمعة تتعالى فيها الهتافات التي ترج المكان.. فإن قال متنطع أن هذا كان يحدث في الأزهر لكانت الإجابة أنه كان يحدث بعد انتهاء الصلاة تماما ولا علاقة له بالصلاة.. ثم أنه لم يحدث إلا بعد طبع الرواية بأعوام)..
 
"دعكم الآن من أن الشيخ السلفي الوهابي الإرهابي يمتدح حزب الله الشيعي وحماس السنية!!"
 
( وتذكروا أن المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة  ماكين كان عرضة للسخرية والتهكم الشديد لأنه اتهم إيران بمساعدة طالبان .. إذ يجهل-لأنه بروستانتي متعصب- ما بين السنة والشيعة خاصة إيران وأفغانستان ).. لم يغفر الشعب الأمريكي لماكين خطأه وجهله لكن نقادنا العلمانيين كانوا على استعداد للصفح دون حدود عن علاء الأسواني مادام يتناول الإسلام بطريقة المستشرقين..
 
ولم يكن الأمر خطأ مطبعيا أو زلة قلم.. لأن  المسخرة تصل بالكاتب إلى حد لا يمكن تصوره.. وتذكروا أن يتحدث هما يحدث أثناء خطبة صلاة الجمعة فيقول في ص 136:
 
اشتد انفعال الطلاب ونهض أحدهم من الصف الأمامي واستدار نحو الحشد وهتف بصوت متقطع من فرط الحماس "إسلامية إسلامية ..لا شرقية ولا غربية.. ورددت الهتاف خلفه مئات الحناجر..ثم أخذ الطلاب جميعا ينشدون نشيد الجهاد.. بصوت واحد قوي هادر كالرعد.. ثم يواصل في ص 137:
 
ولعلعت عشرات الزغاريد من مقصورة الطالبات..
( هل سمع أي مسلم في أي بقعة من الأرض المصليات يقاطعن الخطيب بالزغاريد؟!)
من أين جاء لعلاء الأسواني أن الرجال يهتفون والنساء يزغردن أثناء خطبة الجمعة..؟!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق