الخميس، 9 أغسطس 2018

هل المياه راكدة حقاً؟


هل المياه راكدة حقاً؟

 وائل قنديل
باختصار شديد، يقول الضابط والسفير المصري السابق، معصوم مرزوق، صاحب المبادرة أو النداء، إنه اذا رفض النظام النداء، سندعو الجماهير إلى الذهاب إلى ميدان التحرير، وإذا امتنعت الجماهير سنسكت.

الرجل واضح، ويستحق الاحترام على وضوحه، وتبقى المأساة، أو الملهاة، في الذين أدمنوا مضغ المبادرات، وبصقها على الأرض، أو في وجوه من يرفض أو يتحفّظ، أو يعترض.
يفصل السفير أكثر بالقول إنه إذا لم تحدث استجابة واسعة للنداء، وتخرج كتلة جماهيرية ضخمة، في الموعد المضروب للتجمع في ميدان التحرير، فإن خروج أعداد قليلة سيكون أمراً غير مطلوب، لأن في ذلك خطراً على المستجيبين للدعوة.

يعرف أي شخصٍ مهتم بالعمل العام أن الجماهير لا تستجيب، إلا إذا رأت شيئاً من الجسارة والاستعداد للتضحية ومواجهة أسوأ الاحتمالات من قبل ما تعرف بالطليعة، أو النخبة الثورية، فإن أحسّت منها توجسّاً وتردّداً، فإنها تبقى في مقاعد الفرجة.

أتمنى بالطبع أن تخالف الجماهير كل التوقعات، وتنسف كل الحسابات والمعادلات النظرية، وتذهب في الموعد المضروب لها، غير أن هذا يبقى مرهوناً بحالة الحد الأدنى من الإجماع على المطروح عليها، والذي هو بحسب منطوق الدعوة يتجاهل، أو لا يلبي مطالب قطاع واسع، بل هو القطاع الأكبر الذي بقي متمسّكاً بالمواجهة الجذرية مع سلطةٍ، بدا منذ اليوم الأول أنها تقود الجميع إلى الجحيم، وأدركت مبكّراً أن المطلوب ليس معارضة سياسات النظام، وإنما السعي إلى استرداد مصر منه.
يقولون إنها محاولة لتحريك المياه الراكدة، والسؤال: هل المياه راكدة في مصر أصلاً؟

واقع الحال يقول إن مصر تبدو مثل بحيرة صاخبة، على الرغم من تكدّس الجثث في القاع وعلى الشاطئ، إذ لا يمر يوم من دون أن يُقدم النظام على خطوة هائلة، وهادرة، ولا رد فعل حقيقياً من الجهة المقابلة، وخصوصاً في الخارج الذي بات مستقبلاً ومستهلكاً ما يأتي من شطحات، وليس منتجاً لها، مكتفياً باجترار ما سبق اجتراره في مناسباتٍ ومحطاتٍ مشابهة.

ومجدّداً، فإن مبادرة مرزوق نموذجية، إذا تناولناها من منظور أنها تعبّر عن معارضة من داخل النظام، بمعنى أنها تقرّ بمشروعية استيلائه على السلطة، ولا ترى غضاضةً في انقلابه على الديمقراطية، وما يشغلها هو طلب تحسيناتٍ في أداء السلطة ومسلكها تجاه معارضيها، الذين كانوا، حتى وقت ليس بعيدا، من أشرس مؤيديها.

والحاصل أن هذه المبادرة، أو النداء، يذهب إلى أبعد مما وصلت إليه مبادرات سابقة، ذهبت مع الريح، فيما يخصّ جذر الأزمة وجوهر المشكلة، ففي حين كانت المبادرات السابقة تهرب من الموضوع الأساس: الانقلاب على سلطةٍ منتخبة، بالسكوت عن ذكر مصير الرئيس المختطف، وتتركه للمستقبل، فإن مبادرة مرزوق واضحة وصريحة في شطب الرئيس محمد مرسي من معادلات المستقبل، بالنص صراحةً على حرمانه وعزله سياسياً، عشر سنوات بعد زوال سلطة عبد الفتاح السيسي.

إن تغليف أي مبادرة، أو نداء، بكلام منمق عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي لا يكفي لمنح هذه المبادرة جدارةً أخلاقيةً أو سياسية، إلا إذا كان المقصود سجناء الرأي الموافق لرأي أصحاب المبادرة ومروّجيها ومسوقيها، والسارحين بها على نواصي السفسطة السياسية،
فالحاصل أن جل سجناء الرأي يقبعون في الزنازين، دفاعاً عن قيم ومبادئ محترمة، في مقدمتها أن مصر لن تعيش لها ديمقراطية مستقبلية، ما لم يُرَد الاعتبار للديمقراطية المخطوفة.
أخيراً، فإن الحق يُطلَب لذاته، لا لأرباحه ومنافعه. 
وعلى ذلك، تبقى رائحة عرق ملابس سجن الرئيس الأسير والصامدين معه، أصدق وأنقى من عطور السماسرة الذين يسرحون بالمبادرات مثل مندوبات التايم شير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق