لماذا لم يصحب الإيطالي محسوب إلى القاهرة؟
كان من الممكن أن يكون السياسي المعارض، الوزير السابق محمد محسوب، صحبة وزير الخارجية الإيطالي، إينزو ميلانيزي، الذي حطّ الرحال في القاهرة أمس، في زيارة تستهدف، كما نشرت الصحف المصرية، تعزيز علاقات التعاون بين القاهرة وروما.
كان من الممكن أن يكون رأس محمد محسوب على مائدة التفاوض بين الحكومتين، الإيطالية والمصرية، ضمن حزمة صفقاتٍ شملت الملف الليبي وإنشاء المستشفى الإيطالي في بورسعيد، وبالطبع قضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي قتل في أقبية التعذيب المصرية.
كان من الممكن أن تكون الاحتفالات منصوبةً في أقفاص الضباع بالإعلام الرسمي المصري بوليمة محمد محسوب، بوصفه صيداً ثميناً، يشبع نهمهم المجنون إلى دماء المعارضين، لولا أن الله سلم، ونجحت جماعات الضغط والتأثير في إبقاء ملف توقيف محسوب وترحيله عهدة القضاء الإيطالي الذي اتخذ قراره بمعايير النزاهة القانونية، وعدم الخضوع لرغبات السياسة وصفقاتها وألاعيبها.
النهاية السعيدة لأزمة محمد محسوب يمكن أن تتكرّر في موضوع الشاب المصري أحمد المقدّم، المعتقل في المطار في كوريا الجنوبية، مهدّداً بالترحيل إلى الإمارات، لتسليمه إلى السلطات المصرية، ليكون مصيره التصفية، كما جرى مع حالاتٍ مماثلةٍ لمعارضين للانقلاب، فرّوا من أنياب سلطةٍ شبقةٍ لمص دماء رافضي جرائمها. لكن، بقدر الفرح والارتياح بنجاة معارضي الانقلاب من الجحيم، سواء المعروفون منهم أو المجهولون، فإن الستار يرفع عن بؤس الحال بالنسبة لمعارضة الانقلاب في الخارج، وأي بؤسٍ أكثر من أن ينخفض سقف الأحلام والطموحات إلى مستوى الأمل في منفىً آمن، من دون منغصاتٍ أو تهديداتٍ، فلا يصبح هناك وقت للتفكير في وسائل وآليات للتأثير في الوضع المتهور داخل مصر، وأعني إنجاز مشروع وطني قادر على مواجهة المأساة، وباعث للأمل في الأنفس المنهكة التي تنسحق يومياً، تحت أقدام النظام، بممارسات التعذيب والإذلال، وسياسات الإفقار الاقتصادي المتعّمد، وإجراءات التدمير المقصود للمجتمع بمختلف فئاته وطبقاته.
مصر المهانة بالتبعية المطلقة للكيان الصهيوني، وبالانبطاح بالأمر لنزوات كفيل الانقلاب، من السياسة حتى كرة القدم، تمنّي النفس بمشروع وطني جامع، يواجه كل هذا الانهيار، إذ لا يزال المقهورون في الداخل يعلقون آمالاً على المعارضين في الخارج، لفتح طاقة أمل بالخلاص من الكابوس الذي يخنق الجميع، غير أن واقع الحال يشي بأن المعارك البينية بين مجموعات المعارضة في الخارج، الحقيقية منها، والمنتشرة مثل نبت شيطاني، أشد وطأة واحتداماً بينها وبين منظومة الطغيان الحاكمة في مصر، بل هناك من لو دققت فيما يقوم به في الخارج يبدو محققاً لأهداف نظام الانقلاب، من غير قصدٍ أحياناً، وبقصدٍ في أحيان أخرى.
وبما أن المناخ الحالي ليس مهيّأً على أي نحو للذهاب إلى بلورة المشروع السياسي الجامع، فإن واجب الوقت، في ظني، هو محاولة إيجاد مظلة قانونية وحقوقية، موحدة، في الخارج، تأخذ على عاتقها مهمة التعاطي مع حالات الاحتجاز والتوقيف والتهديد بالترحيل، والتواصل مع الهيئات الدولية والمنظمات ذات الصلة بحقوق الإنسان، لمخاطبة حكومات الدول المعنية، بحيث لا تبقى المسألة مرهونةً بالمبادرات الشخصية، أو الفئوية، التي تتحرّك بحسب الأوزان النسبية لمن يواجهون مشكلات في المنفى، من الشخصيات المعروفة، والأسماء المجهولة، على السواء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق