الخميس، 9 أغسطس 2018

عودة الفرس والروم إلى باب المندب

عودة الفرس والروم إلى باب المندب



عامر عبد المنعم
التطورات التي تجري في باب المندب تؤكد زوال ملك العرب من البحر الأحمر الذي ظل لقرون منطقة نفوذ للمسلمين، والعودة إلى ما قبل الإسلام عندما كان هذا المضيق الحيوي يتصارع عليه الفرس والروم للسيطرة على التجارة الدولية.
يأتي إعلان السعودية عن التوقف عن استخدام باب المندب عقب الهجوم الذي تعرضت له فرقاطة (أو سفن تحمل النفط) بصواريخ جماعة الحوثي الموالية لإيران ليؤكد أن المضيق الذي كان عربيا أصبح ساحة صراع بين الإيرانيين وأمريكا.
قبل ظهور الإسلام كان الأحباش يحكمون اليمن، بعد أن تغلبوا على المملكة الحميرية التي كان يتزعمها ذو نواس اليهودي الديانة الذي قتل نصارى نجران الموحدين التي كانت ملتقى طرق التجارة البرية، وشق لهم الأخدود وأحرقهم بالنار، وكان دخول الحبشة إلى اليمن انتقاما من الحميريين، بدعم من الرومان الذين وفروا لهم السفن التي نقلت الجنود إلى الساحل اليمني.
لقد حكى لنا القرآن الكريم قصة إبرهة الأشرم في سورة الفيل وهو الحاكم الحبشي للأراضي اليمنية التي كانت تتبع في ذلك الوقت مملكة أكسوم المتحالفة دينيا مع الروم، وكانت هزيمته عندما فكر في غزو مكة لهدم الكعبة فسلط الله عليه الطير الأبابيل.
دام حكم الأحباش نحو 7 عقود حتى جاء دخول الفرس على يد سيف بن ذي يزن الحميري واحتلوا اليمن، وعندما نزلت الرسالة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانت الأراضي اليمنية خاضعة لملك فارس، أي كانت الضفة الغربية لمضيق باب المندب تابعة لمملكة أكسوم التابعة لقيصر الروم بينما الضفة الشرقية للمضيق تابعة لكسرى.
جاء الإسلام فهدم الإمبراطوريتين فارس والروم واتسعت رقعة الأراضي والبحار والمحيطات الخاضعة للحكم الإسلامي، وأصبح البحر الأحمر كله بحرا عربيا، ولا وجود لأي قوة غير مسلمة في حوضه وكذلك المحيط الهندي.
لم يحدث اختراق للبحر الأحمر في فترة العلو الاسلامي إلا في فترة الحروب الصليبية في واقعة شهيرة قام بها أرناط قائد حصن الكرك التابع لمملكة القدس الصليبية في 578 هـ / 1182 م عندما أنزل السفن في خليج العقبة وهاجم ميناء عيذاب (ميناء مندثر يقع في مثلث حلايب) الذي كان أشهر موانيء الدنيا في عهد الفاطميين والأيوبيين وبداية عهد المماليك، وقتل الصليبيون الحجاج في السفن المتوجهة إلى جدة، وعلى البر في طريق عيذاب/ قوص، والذي رد عليه صلاح الدين في 583 هـ 1187 م في معركة حطين والقضاء على المملكة الصليبية.
ظلت أوربا الصليبية متربصة بالبحر الأحمر حتى جاء الغزو البرتغالي في بداية القرن السادس عشر بالهجوم على عدن وضرب السفن المصرية الخارجة من باب المندب وقطع طريق الملاحة في بحر عمان والمحيط الهندي مستغلين ضعف المماليك.
 كان البرتغاليون يخططون للسيطرة على البحر الأحمر باحتلال مصر وهذا ما جعل العثمانيين يقطعون عليهم الطريق، ويدخلون الأراضي المصرية ومنها التوسع على ضفتي البحر الأحمر للتصدي للخطر الصليبي.
وواصل محمد على وأولاده التوسع على الضفة الغربية للبحر الأحمر حتى وصل الحكم المصري إلى القرن الافريقي، ولكن الاختراق الأجنبي للحكم في مصر كان هو الباب الذي أسقط مصر في قبضة الاحتلال البريطاني ووضع نهاية السيطرة على البحر الأحمر حتى الآن.
ما نراه من عودة صراعات ما قبل الإسلام يعيدنا إلى النقطة صفر، وهذا طبيعي، فالإسلام هو الذي أخرج هذه الأمة من الظلمات إلى النور، وجعل العرب سادة الأمم بعد أن كانوا لا قيمة لهم، وطالما أن حكام العرب يعادون دينهم سيعودون كما كانوا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق