الاثنين، 6 أغسطس 2018

العبر من الحروب الصليبية [1، 2]

 العبر من الحروب الصليبية [1، 2] 

الشيخ : ( سفر الحوالي )
لم يجرؤ حملة الصليب على التطاول وتدنيس أرض المسلمين في حملاتهم الصليبية السابقة إلا بعد أن باتت الأمة تشكو جروح التفرقة في جسدها الداخلي، وخيانة الباطنيين وتعاونهم مع أعدائها لقتل قادة الجهاد وأمرائه، وكان من قدر الله أن هيأ لهذه الأمة نور الدين محمود الذي بدأ أولى مراحل الجهاد والنصر، والتي تكللت في النهاية بتحرير القدس على يد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وبعد: أيها الإخوة المؤمنون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكر الله تبارك وتعالى الذي جمعنا بكم في هذه الليلة التي نسأله عز وجل من فضله وكرمه أن يجعلها طيبة مباركة، كما نشكر الإخوة القائمين على هذه القاعدة البحرية على دعوتهم، ومن كانوا سبباً في هذا الاجتماع الطيب.
لقد تحدثنا في لقاء سابق عن مستقبل العالم الإسلامي في ظل الحرب الصليبية الجديدة المتسترة بما يسمى: الوفاق الدولي، ووعدنا الإخوة الكرام أن نتحدث في هذا اللقاء عن بعض العبر والمواقف من الحروب الصليبية الأولى؛ لأن فيها معالم نحتذي بها إن شاء الله في مقاومتنا لهذه الحملة المعاصرة؛ ولأن فيها من العبر والعظات الشيء الكثير الذي قصرت عنه الأفهام أو العيون فلم يُطلع عليه، ونحن أحوج ما نكون إليه في هذه الأيام.
إن في إمكاننا -كما تعلمون- أن نقرأ أو نستعرض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، أو تاريخ الصحابة الكرام، والفتوحات الإسلامية، وهذا أمر مطلوب وحق، والعبرة فيه عظيمة بلا ريب، فهي أعظم العبر، لكننا عندما نختار أن نأخذ مرحلة الحروب الصليبية بالذات؛ فإن ذلك له دلالته الخاصة من جهة أنها تحكي أو تشابه الواقع الذي نعيشه الآن، والمرحلة التي تحياها هذه الأمة في ظل هذه الهجمة الخبيثة الماكرة التي يستجمع الغرب فيها قواه مرة أخرى.
فما أشبه الليلة بالبارحة! إن المؤرخين يقولون: التاريخ يعيد نفسه، ونحن نقول: سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً، هذه هي سنة الله تعالى في الأمم، وبالذات في الأمة الإسلامية، كل حياتها كرٌ وفر، وكل مواقفها إقبال وإدبار.
قبل ألف سنة بالضبط من الآن اجتمعت أوروبا شرقها وغربها وشمالها وجنوبها في غارة واحدة على العالم الإسلامي، جاءت الجيوش من بولنداوفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وما بقيت -تقريباً- قطعة في أوروبا إلا وتدفقت منها الجيوش استجابة لداعي تلك الحملة الهوجاء التي بدأها أول من بدأها البابا قريقور السابع الطاغية المشهور، ثم خلفه البابا أرذان الثانيومعه المدعو بطرس الناسك .
بطرس الناسك هذا المشهور جداً في تاريخ الحروب الصليبية، ماذا فعل؟ لقد ركب حماراً وطاف به أرجاء أوروبا داعياً الأوروبيين إلى حرب صليبية دينية على المسلمين الذين انتزعوا منهم بيت المقدس، والذين يهينون الحجاج النصارى ويسيئون إليهم.
لقد رفع عقيرته بهذه الدعوة الخبيثة؛ فاستجابت له جموع من الوحوش الضواري، يعترف التاريخ كله شرقيه وغربيه أنهم كانوا مجموعات من الوحوش والرعاع والهمج الذين لا يضبطهم ضابط، ولا يردعهم رادع من خُلق أو دين، وإنما هو تعصب حاقد جمعهم فانسالت هذه الجموع وتدفقت إلى المملكة البيزنطية أو الإمبراطورية الشرقية، ومنها إلى بلاد الشام حيث بدأت تلك الحروب التي تسمى الحروب الصليبية، واحتلوا مواقع كثيرة أهمها -بلا ريب- القدس التي دانت وخضعت لهم قرابة قرن؛ حتى حررها الله سبحانه وتعالى واستنقذها بـصلاح الدين الأيوبي 
لن نطيل عليكم بالتفصيلات التاريخية، لكن لا بد أن نعرج على بعض الأمور التي نأخذ منها العبرة لواقعنا وحاضرنا.
أول ما يتبادر إلى الأذهان هو: كيف استطاعت هذه الجموع الهمجية أن تحتل العالم الإسلامي، وأن تأخذ أطهر وأقدس بقعة بعد الحرمين الشريفين؟! أين كانت الأمة الإسلامية؟!
الواقع أن حال الأمة الإسلامية يرثى له، وأن السبب هو كما قال الله تبارك وتعالى: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].
السبب هو: أن هذه الأمة كانت تستحق أن تؤدب بالصليبيين، وأن تردع وتعاقب بأمثال هؤلاء؛ لكي ترجع إلى رب العالمين.
كيف كان حالها؟
 أولاً: العوامل الداخلية في جسم الأمة
أصبحت دولة السلاجقة ممالك موزعة ممزقة، وأصبح كل أمير يحسد أخاه، والإخوة أبناء السلطان الواحد يتقاتلون على الملك؛ حتى أنه بلغ الحال أن أي مدينة من المدن ولاسيما المدن الكبرى في بلاد الشام أو العراق أصبحت دولة أو سلطنة فـحلب دولة، ودمشقدولة، والموصل دولة، وطرابلس أو غيرها كانت كل واحد منها عبارة عن دولة أو دويلة... وهكذا، كل منطقة أو مدينة أصبحت دولة مع أن بعض السلاطين كانوا أبناء رجل واحد.
وكانت العلاقة بين هؤلاء السلاطين تحاسد وتباغض وشحناء، وانغماس في الشهوات والملذات كانت آثارها واضحة عندما قدم الصليبيون.
قد تستغربون -أيها الإخوة- إذا قلنا: إن الصليبيين الذين وصلوا منهم فعلاً إلى الشرق الإسلامي وإلى بلاد الشام كانت أعدادهم قليلة.. كان المقاتلون فقط بضعة ألوف من الفرسان والمشاة، ومع ذلك فعلوا ما فعلوا، معرة النعمان وحدها قتلوا فيها أكثر من مائة ألف من المسلمين، وغيرها من المدن كذلك.
وما كان ليحصل هذا إلا في ظل هذا التراخي والتحاسد، كثيرٌ من الحكام أول ما وصل الصليبيون إليهم مدوا أيديهم إليهم للتحالف معهم، وسلموا لهم القلاع والمدن بشرط واحد هو: أن يعترفوا بهم حكاماً على تلك المدن، وبعد أن اعترفوا ببعضهم واشتد ساعد الصليبيين أرادوا أن يحتلوها؛ فرضي أن يدفع لهم الجزية.
والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منهم:
صاحب حلب رضوان : هذا مشهور بموالاته للصليبيين، وللباطنيين أيضاً؛ حتى أنه كان في آخر أمره يدفع أكثر من عشرين ألف دينار من الذهب كجزية للصليبيين دون أن يتحد أو يتعاون مع أي إمارة من الإمارات الإسلامية، أو مع إخوانه السلاطين الآخرين لجهاد الصليبيين، وقد كانوا قادرين على ذلك.
وكذلك معين الدين أنر صاحب دمشق : وهذا رجل غريب جداً، كان يوالي الصليبيين ويحالفهم ويراسلهم بل، ويدلهم على عورات المسلمين...، وهكذا أحداث طويلة يكفينا منها هذه الإشارات العابرة عنها.
 ثانياً: الفرق الهدامة.. الرافضة الحشاشون
بعد العوامل الذاتية في جسم الأمة المنتسبة إلى السنة نجد هنالك الفرق الخبيثة الهدامة، وهي تمثل في كل زمان ومكان الحربة التي تطعن من الخلف، والعدو اللدود المقيم الذي لا يأتي العدو الخارجي ويمشي إلا على جسر منه، وهم دول الرافضة .. دول الرفض، ومن ذلك دولة العبيديين الذين يسمون الفاطميين، وقد كانوا يحكمونمصر في تلك المرحلة وأجزاء من بلاد الشام ، وكان التشيع يغلب على كثير من العالم الإسلامي في ذلك الوقت.
ماذا فعلوا؟
فعلوا ما يليق بـالرافضة أن تفعله؛ حالفوا الصليبيين، وأمدوهم وراسلوهم، وكانوا عوناً لهم ضد المسلمين؛ حتى أن القدس المدينة المقدسة عند المسلمين كانت بيد السلاجقة السنة ، الذين كونوا الإمارات في أنطاكيا وفي غيرها من بلاد الشام ؛ وعندما قدمت الحملات الصليبية، جاء جيش العبيديين فاحتل القدس من السلاجقة وأخذها منهم، ولم يستطع أن يدخلها إلا بعد أن دك أسوارها، وحطم قلاعها وما حولها من الحصون، وكان ذلك تهيئة لأخذ الصليبيين لها؛ فعندما جاء الصليبيون لم يجدوا أي مقاومة من قِبل أولئك العبيديين الذين سلموا لهم القدس ، وجاء الأهالي يريدون أن يدافعوا عن المدينة وإذا بها لا أسوار لها ولا حصون، وسلمها أولئك لقمة سائغة لهؤلاء المجرمين.
كذلك كانت العقيدة الرافضية منتشرة، وكان جزءاً منها تلك الفرقة الخبيثة الباطنية الذين كانوا يسمون بالحشاشين، وكان للحشاشين الباطنيين وجود قوي في وقت قدوم الحملة الصليبية، ثم كان لهم دور خبيث في تعطيل حركة الجهاد ضد الصليبيين، وفي الحروب الصليبية.
كان زعيمهم الخبيث المشهور الحسن بن الصباح صاحب قلعة ألمونت في بلاد فارس ، ثم بهرامل الاسترباذي ، ثم راشد الدين سمنانوغيره، كانوا زعماء كما ذكر المؤرخون وأجمعوا على ذلك، ولم يغتالوا شخصية واحدة من شخصيات الصليبيين ولا أميراً واحداً، وإنما كان غرضهم أن يقتلوا أمراء الجهاد المسلمين، وقد قتلوا من قتلوا، ومن أول من قتلوا وفتكوا به الوزير نظام الملك وزير السلاجقة المشهور.
ثم بعد ذلك لما تحركت مشاعر الجهاد عند الأمة الإسلامية، كان من أول من حركها السلطان مودود رحمه الله، كان من أوائل الذين حركوها، وهو يكاد يكون مغموراً -وما أكثر من هو مغمور في تاريخنا من أولئك الرجال- بدأ السلطان مودود ووصل إلى دمشق ، وكان أول من بدأ المعارك وحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأعاد للمسلمين الثقة في النصر، فعندما وصل إلى دمشق اغتاله الباطنيون في رمضان في الجامع الأموي بعد الصلاة.
ولهذا قال الصليبيون كلمة أصبحت مثلاً: أمة تقتل عميدها، في شهر عيدها، في بيت معبودها؛ حق على الله أن يبيدها.
الصليبيون أنفسهم لم يصدقوا أن هذه الأمة تغتال السلطان مودود في داخل المسجد، في رمضان وهو صائم من أجل أنه أراد أن يجاهد الصليبيين.
ثم اغتيلت بعد ذلك شخصيات أخرى، منهم على سبيل المثال: آغ سنقر، وقد كان له أيضاً دور وشأن في الحروب الصليبية، ومنهم:تاج الملك بوري الذي اغتيل (عام 526) عندما قرر وعزم أن يستخلص بانياس ويستردها.
حوادث كثيرة نرى فيها أنه في حالة وجود من يجاهد ويريد أن يرفع هذه الأمة إن لم يهزمه الصليبيون فإن أولئك المجرمين يغتالونه ويطعنونه من الخلف.
وكان الأذان يعلن في حلب وفي غيرها من مدن الشام ومصروالحجاز ، والمغرب وأفريقيا كلها على الطريقة الرافضية، وكانت شعائر هذه الملة الخبيثة ظاهرة، وكان تعاونهم مع اليهود والنصارى ظاهراً، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع كثيرة في منهاج السنة ، كما ذكره ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة ، وغيرهما حيثما جاءت المناسبة لذكر هذه الأفعال القبيحة.
إذاً: عندما نجد واقع الأمة، ودور الرافضة العبيديين، وأيضاً دور الباطنيين وهم جزء من أولئك الروافض وخيانتهم؛ نجد أن الأمة وصلت إلى حالة من التردي لا تكاد تصدق.

في هذه الظروف هيأ الله سبحانه وتعالى من عنده مَن يرفع لواء الجهاد على الصليبيين، هنا نأخذ عبرة وموقفاً: كيف بدأ الجهاد حقيقة؟
الأمر الأول: يذكر المؤرخون -ولا داعي للإطالة في النقول- أن أول ما ابتدأت الغيرة والحمية الإسلامية من الدعاة والأئمة في المساجد حين خطبوا في المساجد وفي كل مكان ومنها في بغداد ؛ حتى إن العامة تظاهروا أمام الخليفة في بغداد ، وأصبحوا يضجون ويقولون: لم لا نجاهد ولا نقاتل؟ ولماذا يفتك الصليبيون بإخواننا ويدمرون مدن الإسلام ونحن قاعدون؟
فقامت الدعوة أولاً من المساجد، وكانت دعوة جهادية قام بها العلماء والدعاة والخطباء.
من المستحيل لأي جيش جهادي أن ينتصر وفيه الخونة، أو وهو موال للخونة، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع عندما أثنى على قادة الجهاد العظام؛ نور الدين وصلاح الدين ، الذين سنستعرض إن شاء الله هذه الليلة سيرة الأول منهما.
ذكر رحمه الله في الجزء الثامن والعشرين من مجموع الفتاوى كيف أن الله سبحانه وتعالى أذل دولة الرافضة العبيديين في مصر ؛ لأن وزراءهم كانوا من اليهود والنصارى من الأرمن وغيرهم؛ ولأنهم والوا الكافرين، فسلط الله تبارك وتعالى عليهم، كما قال الله عز وجل: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً [النساء:144] جعلوا لله عليهم سلطاناً مبيناً بموالاتهم للكافرين؛ فأذلهم الله سبحانه وتعالى.
ثم قال رحمه الله وقد ذكر كيف استنجد المصريون بـنور الدين : (ثم أرسل إليهم القائد المعروف صلاح الدين . قال: وصلاح الدين وأهل بيته ما كانوا يوالون النصارى -يريد أن يبين سبب انتصارهم- ولم يكونوا يستعملون منهم أحداً في شيء من أمور المسلمين أصلاً).
لا يمكن؛ لأن من استشارهم فقد خان الأمة؛ ولأن من ولّاهم فقد أعز من أَمَر الله تبارك وتعالى أن يهان ويذل.
ولهذا يقول رحمه الله: (ولهذا كانوا مؤيدين منصورين على الأعداء مع قلة المال والعدد).
قال في الجزء الرابع صفحة (22): (وكذلك السلطان نور الدين محمودالذي كان في الشام -وهو الذي أرسل صلاح الدين وأسد الدين شيركوه إلى مصر- عز أهل الإسلام والسنة في زمنه، وذل الكفار وأهل البدع ممن كان في الشام ومصر وغيرهما من الرافضة والجهمية ونحوهم).
أول ما بدأت الدعوة وقام الجهاد -كما سنرى- كان على يد عماد الدين زنكي ، ثم من بعده ابنه نور الدين محمود المعروف بالشهيد، وهذا الرجل سيرته من أعجب العجب في قمع البدع، وإظهار السنة والعدل؛ ولهذا نصره الله سبحانه وتعالى بعد أن اجتمعت عليه ملوك أوروبا .

الحملة الصليبية الثانية جمعت أكثر من خمسة ملوك من ملوك أوروبا ، وهم ملوك ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها، كما جمعت كثيراً جداً من الأمراء، ومن كبار رجال الدين، حملة عاتية واجهها نور الدين .. بماذا؟ كم كانت مملكته؟ كانت مملكة نور الدين جزءاً بسيطاً من شمال العراقوبلاد الشام ، هذا كل ما كان يملكه نور الدين ، ومع ذلك لما أن قام على هذه السيرة والسنة الحميدة نصره الله تبارك وتعالى نصراً مؤزراً؛ فما مات رحمه الله إلا وقد صار يملك كل بلاد الشام ومصر والحجازوجزيرة العرب ، وما بقي إلا الإمارات الصليبية، وأهمها إمارة القدسالتي قدر الله أن يكون فتحها على يد قائده صلاح الدين ؛ ولهذا يجب أن نقف عند سيرة هذا الرجل؛ لأنا عندما نتحدث عن نور الدين فنحن نتحدث عن الأمة مجتمعة، إذ كيف تحول من أمير لمقاطعة إلى أن يصبح سلطاناً كبيراً يهزم أوروبا كلها، لا بد من أخذ العبر من حياته ومن سيرته.
 ترجمة نور الدين بقلم الإمام الذهبي
اخترت لكم ما كتبه الإمام الذهبي مؤرخ الإسلام الثقة الثبت رحمه الله تعالى، لنستعرض بعض ما ذكره من حياة هذا الإمام القائد رحمه الله تعالى، يقول: (كان نور الدين حامل رايتي العدل والجهاد -ونِعم الرايتان- قلَّ أن ترى العيون مثله، حاصر دمشق ثم تملكها، وبقي بها عشرين سنة، وافتتح أولاً حصوناً كثيرة -وذكر حصوناً كثيرة جداً- وأظهر السنة بـحلب وقمع الرافضة . فهو الذي ألغى الأذان على طريقة الرافضة في حلب وما جاورها، ولهذا أراد الباطنيون أن يغتالوا بعض قواده، واغتيل بالفعل بعض من كانوا موالين له من الأمراء).
من أعظم أعماله: أسس العلم على العقيدة الصحيحة والعلم الصحيح، فأنشئت دور العلم، ويذكر المؤرخون أنه لما قدمت الحملة الصليبية الأولى كان عدد المدارس في بلاد الشام مدرسة واحدة فقط، وهي التي تسمى دار الحديث أو ما أشبهها، وهي عبارة عن كليات علمية أو مراكز علمية متكاملة، مثل المعاهد أو الكليات المتخصصة، وعند قدوم الحملة الصليبية في أيام صلاح الدين كان عددها أكثر من تسعين مدرسة.
إذاً: الأمة نهضت نهضة علمية ودعوية؛ ولهذا من حقها أن تنتصر بإذن الله سبحانه وتعالى، أنشأ نور الدين المارستان -المستشفى- ودار الحديث، والمدارس والمساجد، ومن العجب في حياته أنه كان يتعرض للشهادة، ويسأل الله سبحانه وتعالى دائماً أن يرزقه الشهادة، مع أنه لم يمت في معركة، كما سنرى إن شاء الله.
يقول كاتب سره أنه كان يسمعه يسأل الله أن يحشره من بطون السباع وحواصل الطير.
يقول الذهبي رحمه الله: (جهز جيشاً لجباً مع نائبه أسد الدين شيركوه؛ فافتتح مصر ، وقهر دولتها الرافضية، وهربت منه الفرنج، وأباد العبيديين واستأصلهم، والحمد لله).
قال سبط ابن الجوزي رحمه الله: (جاهد -أي: نور الدين - وانتزع من الكفار نيفاً وخمسين مدينة وحصناً)، أي: أكثر من خمسين مدينة وحصناً انتزعها نور الدين في وقت يعتبر وجيزاً.
يقول ابن الأثير : (طالعت السير فلم أقرأ فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته، ولا أكثر تحرياً منه للعدل).
 عجائب من أخبار نور الدين
ذكروا أمثلة عجيبة من عدل هذا الرجل قال: (كان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف إلا من ملك له قد اشتراه من سهمه من الغنيمة) أي: أنه جاهد وأخذ سهمه من الغنيمة من جملة المسلمين.. أخذه وأخذ ينميه فكان أحد مصادر دخله، وهو يملك هذه البلاد.
وكان له مصدر آخر عجيب للدخل، يقول سبط ابن الجوزي : (كان له عجائز -كان هناك عجائز يتعامل معهن- وكان يخيط الكوافي، ويعمل السكاكر -هذا السلطان نور الدين الذي يحارب ملوك أوروباجميعاً- فيعطيها العجائز فيبعنها سراً ويفطر على ثمنها؛ لأنه كان كثير الصيام نافلة، فيفطر من القوت الحلال الذي تبيعه له العجائز؛ حتى لا يأخذ من بيت المال أي شيء، ومثل هذا جدير أن ينصره الله سبحانه وتعالى).
ومن عجائب أخباره: أن زوجته طلبت منه مالاً وألحت عليه، فتذكر أن من جملة سهمه من الغنيمة ثلاثة دكاكين له في حلب ؛ فأعطاها إياها فقالت: لا تكفي ثلاثة دكاكين. زوجة السلطان الذي يحكم ما يعادل الآن ست أو ثمان دول، قال: ليس لي إلا هذا، وأنا خازنٌ للمسلمين، لا أملك أي شيء.
قال: وكان يتهجد كثيراً، لم يترك في بلاده على سعتها مكساً.
 من تواضع نور الدين
ومن تواضعه رحمه الله أن أحد القواد أو المقربين إليه قال له في إحدى المعارك: بالله لا تخاطر بنفسك، فإن أصبت في معركة لا يبقى للمسلمين أحد إلا أخذه السيف! فقال: ومن أنا حتى يقال لي هذا؟ حفظ الله البلاد قبلي لا إله إلا هو!
يقول: من أنا حتى إذا مت ضاع المسلمون؛ قد حفظ الله البلاد قبلي وبعدي. انظروا إلى كيفية معرفة عظمة الله سبحانه وتعالى، وهيبة الله وجلاله.
ولهذا نجد شيئاً عجيباً عندما نستعرض شيئاً من موقفه من هذه القضية. قضية التواضع، أعجب المسلمون إعجاباً شديداً بـنور الدين محمود ، وأخذوا يضجون في الدعاء له لما نصره الله، ولما أبطل المكوس والضرائب والعشور التي كانت تؤخذ من المسلمين، ولما رأوا عدله وجهاده وتمسكه بالسنة كانوا يلهجون له بالدعاء في رمضان وغيره.
قال: وكانوا إذا دعوا له يطيلون في الدعاء، فيمدحونه بما ليس فيه؛ فغضب، وقال: إن خطباء المساجد يبالغون في الدعاء لي؛ فجمع المقربين له وقال لهم: لا بد أن تعدلوا هذا، فكتبوا له صيغة، وكلما وضعوا صيغة يخففها؛ حتى اتفقوا على صيغة واحدة فقط يدعى له بها في المساجد وهي: (اللهم أصلح عبدك الفقير إلى رحمتك، الخاضع لهيبتك، المعتصم بقوتك، المجاهد في سبيلك، المرابط لأعداء دينك،أبا القاسم محمود بن زنكي بن آغ سنقر ناصر أمير المؤمنين)؛ لأنه يدافع نيابة عن الخليفة. فقط لا يزاد في الدعاء على هذه الصيغة، ولا داعي للمديح والاستطراد فيما لا خير فيه.
ولما قيل له في ذلك وعوتب قال: مقصودي ألا يكذب على المنبر، فأنا بخلاف كل ما يقال، أفرح بما لا أعمل. يقول: لا أحب أن أحمد بما لم أفعل؛ لأن من قلة العقل أن يقولوا: فتح وجاهد وفعل، وأنا ما فعلت، يقول: تكفي هذه الصيغة. اكتب بها نسخاً حتى نصيرها إلى جميع البلاد.
ثم قال: ثم يبدءون بالدعاء: اللهم أره الحق حقاً، اللهم أسعده، اللهم انصره، اللهم وفقه... يقول: دع الناس يدعون فقط من جنس هذا الدعاء، أما المدح والثناء فأنا لا أريده، ومن قلة العقل أن أدعهم يثنون علي بما ليس فيّ أو بما يغرني ويفتنني.
ولهذا يقول الحافظ الذهبي رحمه الله: (كان ديناً تقياً، لا يرى بذل الأموال إلا في نفع، وما للشعراء عنده نفاق). لا ينفق عنده سوق الشعراء الذين كانوا يمدحون من قبله ومن عاصره من الملوك والسلاطين، فيحشو فم الشاعر باللآلئ والتي يبلغ ثمن اللؤلؤة الواحدة عشرة آلاف دينار. لا سوق لهم كما كان عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه.
ولهذا قال فيه أسامة بن منقذ:

سلطاننا زاهدٌ والناس قد زهدوا     لـه فكل على الخيرات منكمش

أيامه مثل شهر الصوم طاهرة     من المعاصي وفيها الجوع والعطش
يقول: نحن الشعراء نعتبر أيام الخليفة نور الدين مثل أيام رمضان، طاهرة من المعاصي، لكن فيها الجوع والعطش، الشعراء لا يجدون سوقاً، سواء قالوا القصائد أو لم يقولوا؛ فالأموال تذهب للجهاد.
وهنا نقف وقفة: أسامة بن منقذ هذا كان فيه نوع من الموالاة للصليبيين، وكان يحب الدنيا؛ حتى إنه ذهب مع معين الدين أنرالذي كان في دمشق موالٍ للنصارى، وكان سفيراً بينه وبين الصليبيين، وكثير من الشعراء والكتاب في كل زمان ومكان يبيعون دينهم، ويخونون أمتهم مقابل شيء من المال أو الشهرة، نسأل الله العفو والعافية.
هناك موضوع يتعلق بالرياضة نؤخره قليلاً؛ لأنكم قد تستغربون أن السلطان نور الدين محمود كان له اهتمام بالرياضة، فنؤجل هذا الموضوع؛ حتى نتعرض لمسألة العدل الذي اشتهر به هذه السلطان.
 تحكيم نور الدين لشرع الله
كان نور الدين عند ملوك الترك، وتربى على أيديهم، والذي رباهمودود رحمه الله الذي قتل في المسجد، ثم كان ابنه نور الدين ، فهم تربوا على نفس التربية، وكان عند ملوك الترك شيء يسمى الياسق، وهو عبارة عن قوانين وضعية، وأكثرها قوانين عسكرية، وهي تطبق على الرعية دون الرجوع إلى الشرع وإلى القضاة، عرف اتخذ وأصبح شرعاً.
وفي أيام التتار ظهر ذلك وطغى، حتى أن شيخ الإسلام رحمه الله أفتى بوجوب قتال التتار؛ لأنهم لا يتحاكمون إلى دين الله وإنما يتحاكمون إلى الياسق .
يقول المؤرخون: انتشر الفساد، وقطع الطريق؛ فجاء قواد الجيش وقالوا لـنور الدين : لابد أن تطبق الياسق أو تأخذهم بنوع من السياسة -كما تسمى أحياناً- فقد كثر الدعار وأصحاب الفساد، ولا يجيء من هذا شيء -أي: لا يزول هذا- إلا بالقتل والصلب، ثم قالوا لرجل يسمى الشيخ عمر الزاهد وكان من العباد، وكان يحبه -وهذه من المظاهر العجيبة في سيرة نور الدين أنه كان يحب العلماء والزهاد والعباد جداً- اكتب لـنور الدين في ذلك؟
فكتب الشيخ عمر قائلاً: إن الدعار والمفسدين وقطاع الطريق قد كثروا، ومثل هؤلاء لا يجيئوا إلا بقتل وصلب وضرب، وإذا أخذ مال إنسان في البرية من يشهد له.
أحياناً العلماء قد ينافقون أصحاب السلطة، لكن السلطان العادل لا يقبل هذا النفاق.
العالم كتب إلى السلطان يقول: إذا إنسان أُخذ ماله في البر، وذهبنا به إلى المحكمة فإن القاضي يريد شهوداً، ومن أين له شهود على ما يقول؟ فتضيع الحقوق، فلا بد أن يؤخذ الناس بالظنة وبالتهمة، ويطبق عليهم قانون الياسق، فلما قرأ نور الدين الكتاب قلبه، وكتب على ظهره: إن الله تعالى خلق الخلق، وهو أعلم بما يصلحهم، وإن مصلحتهم تحصل فيما شرعه على وجه الكمال فيها, ولو علم أن على الشريعة زيادة في المصلحة لشرعها، فما لنا حاجة إلى زيادة على ما شرعه الله تعالى.
فلما وصل الكتاب إليه في الموصل جمع الشيخ عمر أهل الموصلفقرأ الكتاب عليهم، وقال لهم: انظروا في كتاب الزاهد إلى الملك، وكتاب الملك إلى الزاهد. انظروا كيف أن الزاهد يكتب له يأمره بغير الحق، والملك يكتب فيذكر العالم بضرورة اتباع الحق.
وكان نور الدين يقرب الفقهاء والقضاة والعلماء، وأخباره بذلك مشهورة، ولم يكن لأهل اللهو واللعب واللغط في مجلسه أي مكان، وكان كلما دعي أو طلب إلى قضية يتمثل قول الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51].
ومرة حصلت له واقعة، وجاء رجل وشكاه إلى القاضي؛ فأمر القاضي أن يعامله كما يعامل أحاد الناس، وذهب إلى القاضي متمثلاً بهذه الآيات، وجلس حتى أصدر القاضي حكمه، وحكم له، فقال: أما وقد ظهر أن الحق لي، وقد حكمت وفق الشرع، فأنا قد وهبته لذلك الخصم. سيرة عجيبة!
 نور الدين وموقفه من المكوس والعشور
تكاثر الصليبيون وتكاثرت الأمم الغربية من كل مكان تمول هذا العدوان على العالم الإسلامي، وكان نور الدين محمود يعيش في قلة -كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله- من العدد والمال.
ماذا يصنع نور الدين؟ يحتاج إلى المال، والجهاد لا بد له من المال، ووجد أن من قبله كانوا يأخذون الضرائب.. المكوس.. العشور من الرعية المسلمين، ويجمعونها ليجاهدوا بها الصليبيين، والمعارك تكون خاسرة ولا يوجد نصر، وأحياناً نصر وأحياناً هزيمة، فما رضيت سيرته المتأسية بالخلفاء الراشدين هذا الأمر.
وكان يرى أنه لابد من إبطال هذه المكوس والضرائب، فأمر بإبطالها جميعاً، وكتب إلى جميع البلاد والقرى والأمصار أنه قد ألغاها إلغاءً أبدياً، وأنه يطلب من كل الخطباء في دولته من فوق منابر الجمعة أن يطلبوا من المسلمين جميعاً أن يسامحوه على ما أخذ منهم فيما مضى، وأن يستغفروا الله تعالى له من ذلك.
وكان يقوم الليل ويبكي كلما تذكر ذلك، ويقول: اللهم ارحم العشار المكاس. ويبكي ويقنت؛ لأنه كان يأخذ العشور والمكوس من المسلمين، ولما أمر بذلك قال له قادة جيشه وأركان حربه: إن فعلت ذلك لم يبق لنا شيء نجاهد به الصليبيين.
فقال لهم: إن كان الجهاد لا يأتي إلا من هذا المال الحرام فلا نريد الجهاد.
قالوا: إنك إن لم ترد الجهاد أنت جاهدك أعداؤك.
قال: لا نجاهدهم إلا بالحلال، والله تعالى هو المستعان.
فألغى ذلك كله، فكانت النتيجة أن الله سبحانه وتعالى نصره، وبارك له في القليل الذي أعطاه.
يقول الإمام الذهبي رحمه الله: (أسقط المكوس في بلاده، وقد ذكرته في تاريخنا الكبير مفصلاً، ومبلغه في العام: خمسمائة ألف دينار وستة وثمانون ألف دينار وأربعة وسبعون ديناراً من نقد الشام )، انظروا إلى هذه المبالغ الباهظة التي أسقطها لما علم أنها حرام، ولم يستعن بها في الجهاد، ليس لم يستعن بها على شهواته أو ملذاته؛ بل حتى في الجهاد يقول: لا نصرف في الجهاد إلا ما كان حلالاً.
ويذكر صاحب البرق الشامي أنه كتب أكثر من ألف منشور إلى الرعية من أجل هذه المسألة.
 تأسي نور الدين بالنبي صلى الله عليه وسلم
كان نور الدين رحمه الله يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في أمور كثيرة، يقول المؤرخون: كانت تُقرأ عنده السيرة والعلم، فقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج للحرب متقلداً السيف، أو معلقاً إياه في حمائل تدور حول الرقبة كأنها القلادة.
قال: سبحان الله! ولماذا نحن نحزم السيوف في حزام ونجعلها في الوسط؟ فأمر أفراد جيشه أن يغيروا الأحزمة، وأن يلبسوا السيوف كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يلبسونها؛ لعل الله ينصرنهم، كان يريد أن يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى في هذه الأمور، وذلك بغية أن ينصره الله سبحانه وتعالى، وقد نصره الله سبحانه وتعالى، وجدير بمثله أن ينصر؛ لأنه على هذه الحالة.
يقول المؤرخون: كان قد أقبل يعد للجهاد آلته مما آتاه الله، ونشط في البناء والتعمير؛ حتى أنفق فيهما مئات الألوف، وقد أعانه على ذلك أنه لم تكن له نفقات قصور ولا خدم ولا حشم ولا جوارٍ، ولا مجالس أنس تملأ أفواه الندامى فيها بالدر والدنانير جوائز على أبيات من شعر الملق السخيف، وإنما كان يبني المدارس والمساجد والمستشفيات، ويقيم أسوار المدائن وقلاعها ... إلى آخر ما ذكروه.
 رياضة نور الدين
هذا الرجل العجيب كان لديه رياضة، ولكن ما نوع الرياضة التي كانت عند نور الدين ؟ رياضة للتخدير، أو لتفريق الأمة وتمزيقها، والتشتيت حتى بين الزوجين؟
لا. إنها رياضة من نوع خاص، ومع ذلك انتقد فيها وأجاب عنها رحمه الله، يقول عنه سبط ابن الجوزي : (لم يلبس نور الدين حريراً ولا ذهباً، ومنع بيع الخمر في بلاده، وكان كثير الصوم، وله أورادٌ في الليل والنهار، ويكثر اللعب بالكرة).
كيف يجتمع هذا الوصف؟! لم يلبس الذهب ولا الحرير، ومنع الخمر.. بل ومن العجائب أن ابن نور الدين رحمه الله توفي وعمره أقل من عشرين سنة بسبب مرض أصابه يسمى (القولنج)، فأصر عليه الأطباء أن يشرب الخمر، وقالوا: لا علاج لك إلا أن تشرب الخمر، فقال: والله لا أشربها، وأبى أن يشربها ويعصي الله.
فجاءوا له بفقيهين أحدهما شافعي والآخر مالكي، وقالا له: لا بأس أن تشربها -ضرورة- فأقسم أنه لا يعصي الله سبحانه وتعالى، ولا يموت وفي جوفه شيءٌ مما حرم الله، وتوفي رحمه الله.
هذا ابن نور الدين ، فكذلك كان أبوه، نقول: مع هذه السيرة كان يكثر اللعب بالكرة، كيف يلعب بالكرة؟ وما نوع هذه الكرة؟
كانت نوعاً من أنواع الرياضة تشبه (الجولف)، عبارة عن كرة ترمى ويستقبلها الناس بصولجان وما أشبه ذلك، كانوا يستخدمون فيها الخيول ويلعبون بها، وكان نور الدين محمود رحمه الله يركب الفرس هو وجيشه ويلعبون هذه الكرة، فلما أنكر عليه وقيل له: كيف تفعل ذلك؟
قال: والله ما أقصد اللعب، وإنما نحن في ثغر، فربما وقع الصوت -ربما نادى المنادي للجهاد- فتكون الخيل قد أدمنت الانعطاف والكر والفر، أي: نكون مستعدين للجهاد، هذا هو اللهو وهذا هو الحق كما ذكر صلى الله عليه وسلم: أن كل لهو يلهو به المسلم باطل إلا ثلاثة ومنها: أن يكون الإنسان ملاعباً فرسه ليجاهد في سبيل الله عز وجل.
حتى إن ابن كثير رحمه الله يثني على قوته، يقول نقلاً عن ابن واصل: (كان من أقوى الناس قلباً وبدناً، لم ير على ظهر فرسٍ أحدٌ أشد منه، كأنما خلق عليه لا يتحرك، وكان من أحسن الناس لعباً بالكرة، يجري الفرس ويخطفها من الهواء ويرميها بيده إلى آخر الميدان، ويمسك الجوكان بكمه تهاوناً بأمره، وكان يقول: طالما تعرضت للشهادة فلم أدركها). يتأسف!
قال الذهبي رحمه الله: (قلت: قد أدركها على فراشه، وعلى ألسنة الناس نور الدين الشهيد )، سبحان الله! اسمه نور الدين الشهيد في التاريخ، مع أنه مات على فراشه، فيقول الذهبي رحمه الله تعالى: (فلعل هذا إن شاء الله فألٌ حسن له)، وقد أدركها على فراشه بماذا؟ بتمنيها وبالسعي إليها؛ لأن (من تمنى الشهادة وهو صادق أعطيها وإن مات على فراشه) كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فتمنى الشهادة في سبيل الله فأعطيها.
 العبرة من حياة نور الدين
لا أحب أن أطيل عليكم في سيرة هذا الرجل، فهي سيرة عجيبة، وجدير بنا أن نقرأها ونتأملها، وما ذكرت منها إلا موجزاً، وإنما نريد أن نصل إلى العبرة النهائية، أن هذا الرجل الذي افتتح إمارات الصليبيين، ثم رزقه الله سبحانه وتعالى بقائده صلاح الدين ، فأكمل فتحها بعد حطين ، وقضى على أوروبا التي اجتمعت عليه، هذه كانت صفت، وهذه كانت صفت الأمة التي كان فيها.
وهكذا جمع الله تبارك وتعالى بمثل هذا الرجل الأمة بعد الفرقة والشحناء، جمعها على السنة بعد البدعة، فقمع دولة الرافضةوقهرها كما رأيتم من كلام العلماء رحمهم الله، وأزال البدعة من الأذان ومن غيره، وأعاد تدريس الحديث والسنة في المساجد، وقرب العلماء والفقهاء، ومكن للشرع والقضاة، وقطع دابر الدعارة والفساد، ومنع بيع الخمور والزنا وكل ما يتعلق بهما، وكان شديداً في الإنكار على أهلها قوياً عليهم، فلما كان كذلك، طهر البلاد من الفساد ومن أكل الحرام، ومن المكوس والربا، وأمرها عظيم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لما تكلم في المرأة التي زنت ورجمها الصحابة الكرام قال: (لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبل منه أو لغفر له).
دليل على أن المكس أعظم من الزنا، والربا كذلك، كما روى الإمام أحمد رحمه الله في الحديث الصحيح: (درهم ربا أشد من ست وثلاثين زنية) والعياذ بالله، فالربا والمكوس والضرائب وأكل الحرام عموماً سواء للأمم أو للأفراد يباعد النصر، ويدمر الأمة، ويحول بينها وبين وعد الله تبارك وتعالى لها بأن تغلب أعداءها، وأن تهزمهم.
وقد قضى على ذلك كله، فنصره الله سبحانه وتعالى نصراً مؤزراً، وأبقى ذكره، وإن كنا نحن المسلمون -مع الأسف- في غفلة عن ذكره، لكن أبقى الله تبارك وتعالى ذكره عند المطلعين، وهو عند الغربيين أذكر وأشهر.
والمؤرخون الصليبيون كانوا يعجبون من سيرته؛ حتى إن أحد ملوك الصليبيين قال: ما غلبنا من ملوك المسلمين إلا نور الدين ، وما غلبنا بكثرة جيوشه، ولكنه كان يعبد الله ويقوم في الليل يدعو علينا.
نعم هذا هو. يدعو الله، ويجاهد في سبيل الله، ويطهر البلاد من الفساد، ويجمع الأمة على الحق، وعلى الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، ولم يكن وحده بل كان معه العلماء الذين كانوا ينصحونه، والقضاة الذين أجلسوه وحاكموه مع الرجل كما يحاكم أي إنسان، وكان معه القواد أيضاً الذين كانوا يضحون ويجاهدون كما جاهد، ومنهم: صلاح الدين رحمه الله، فهو ليس رجلاً وحده، وإنما هي -كما قلت- أمة متجسدة في سيرة هذا الرجل، فهزم الله تبارك وتعالى الصليبيين في الحملة الأولى.
ولا نستطيع أن نستعرض سيرة صلاح الدين ولعل الله سبحانه وتعالى أن يتيحها في موعد آخر إن شاء الله، ولكن نقول: حسبنا بهذا الذي بدأ هذه البداية، وأن الله تبارك وتعالى قد هزم الغرب مجتمعين، فأظهر دينه، وهزم الأحزاب وحده سبحانه وتعالى على يد هذا الرجل.
فالعبرة قائمة، وتاريخه موجود، وجدير بنا أن ندرسه بعناية، لا كما هو موجود في مناهجنا، نور الدين ولد عام كذا، وتوفي عام كذا، وفتح الرها ، وحارب الصليبيين، ووصل إلى دمشق ، هذه السيرة، أي واحد يمكن أن يسردها، لا. لا بد أن نعرف لماذا انتصر؟ لماذا قرابة قرن من الزمان والمسلمون في ذل وانحطاط، ولماذا انتصر هذا الرجل؟ وكيف كانت الأمة علمياً ودعوياً وجهادياً، وقبل ذلك كيف كانت عقائدياً، لما تحولت من البدعة إلى السنة، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الشهوات والملذات والجواري والترف والقصور والحشم إلى الجهاد، أكثر حياة صلاح الدين ونور الدين كانت في الخيام، كانوا يجاهدون في سبيل الله عز وجل، لما فعلوا ذلك نصرهم الله سبحانه وتعالى، وإن وعد الله سبحانه وتعالى لا يتخلف وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122].
فكل من استحق نصر الله، وهيأ نفسه له؛ فإن الله تعالى ينصره، بل ويمده بجند من عنده، نسأل الله تبارك وتعالى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، وترفع فيه راية الجهاد في سبيل الله


.
 السبب في اختلاف الحملة الصليبية الحالية عما سبقها
السؤال: نشهد في العصر الحاضر هجمة صليبية علينا ولكنها مختلفة جداً عن الحملات الأولى، فما السبب في ذلك؟
الجواب: نعم. هذا صحيح فإن المعركة تغيرت، وسبب تغير المعركة التي نخوضها الآن المتغيرة في الشكل هو الحروب الصليبية الأولى، في الحقيقة نستطيع أن نقول: إنها ثلاث حملات للصليبيين على بلادنا، بل إن أطول معركة في تاريخ الإنسانية هي معركة المسلمين مع النصارى؛ لأنها تمتد منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وجهاده للروم هو وقواده من الصحابة إلى قيام الساعة.
الحملة الأولى التي كانت كما ذكرنا، فصدها نور الدين وصلاح الدين ، الحملة الثانية التي يسمونها الاستعمار وقد أعادت ذكريات الحملة الأولى، دخل قائد الجيش الفرنسي الجنرال قورو إلى دمشق ، فقال: دلوني على قبر صلاح الدين ، لماذا؟ قال: نريده. فلما ذهب إلى قبر صلاح الدين أخذ يركله بقدمه، ويقول: ها نحن قد عدنا ياصلاح الدين ! بعد حوالي ألف سنة يجددون ذكرى الحروب الصليبية.
الجنرال اللمبي قائد الجيش الإنجليزي الذي دخل القدس ومعه العرب الذين ألبهم، والذين كانوا من أتباع العميل لورانس وأصحابه، دخلوا مع اللمبي القدس واحتلها، ووقف على جبل الزيتون وقال: الآن انتهت الحروب الصليبية، أعاد ما كان قبل ألف سنة أيضاً، كانت هذه النزعة موجودة لديهم بوضوح.
أما الحملة الصليبية الثالثة وهي أخطر الحملات، فهي التي سيشهدها العالم الإسلامي عما قريب؛ لأن النوع فيها مختلف تماماً، وهي تأخذ العبرة من الحملتين.
أما من الحملة الأولى؛ فلأن لويس التاسع الذي أسر في المنصورة فيمصر متأخر عن أيام صلاح الدين رحمه الله كتب وصية للأوروبيين الصليبيين النصارى، وقال: إننا لن ننتصر على المسلمين ما داموا متمسكين بدينهم، وإن أقوى عامل في نصرهم هو دينهم.
فقال: يجب علينا أن نبعدهم عن دينهم، وأن نستعين بالفرق المنشقة، وبنصارى الشرق، المهم ركز على وصية مهمة وهي: إبعاد المسلمين عن دينهم، ومضى على هذه الوصية ثمانمائة سنة تقريباً، وإذا بالمستعمرين -كما يسمون- يعيدونها.
الحرب الصليبية الثالثة القادمة سوف تكون أعتا، وسوف تكون غزواً فكرياً؛ لأنها عن طريق التسلط الثقافي والفكري تريد أن تمسخ هذه الأمة، والحقيقة أن الحرب الصليبية القادمة لن تكون معركة غالب ومغلوب كما كانت الحروب القديمة، وإنما هي معركة وجود أو عدم؛ لأنها ستكون مسخاً كلياً للأمة، شهوات وإباحية، وتفتيت للعقيدة بالمذاهب، وبلبلة بالإلحاد والفساد نتيجة التسلط الاقتصادي والفكري عن طريق البث المباشر والأقمار الصناعية، والتلفزة والتقنية الحديثة، وغسيل المخ الذي سوف يمارس بشكل كبير على الأمة، وليس على أفراد منها.
 حرب صليبية قادمة
السؤال: نرى -أثابكم الله- أن العالم الإسلامي كان في حالة من النوم والغفلة؛ حتى قامت الحروب الصليبية في القرن السادس الهجري، وبعد هذه الحرب نهض المسلمون واهتموا بالعلم والجهاد فنصرهم الله، فهل ترى أن العالم الإسلامي الآن في انتظار حرب عالمية صليبية تعيد إليه عقله؟
الجواب: نعم. الحرب قادمة ولاشك فيها، بعدما يقارب عشرين شهراً فقط أو قريب من ذلك، تكون أوروبا دولة واحدة، وتبدأ الحملة التي لم يسبق لها مثيل، وإن كانت في أساليب وأشكال مختلفة، وستعيد إن شاء الله للمسلمين رشدهم وصوابهم بإذن الله، وما علينا إلا أن نكون من السباقين إلى هذا الجهاد الكبير الذي سوف ينصر الله تعالى فيه دينه، ولا ريب في ذلك، لكن المعركة قد تطول، وقد يلاقي المسلمون من واقعهم السيئ المرير أضعاف ما يلاقونه من الأعداء الخارجيين، مثلما لاقى وعانى مودود الذي قتل وهو صائم في رمضان؛ لأنه جاء يجاهد الصليبيين؛ حتى عرضوا عليه أن يفطر، فقال: والله لا أفطر حتى مات وهو صائم.
فعانى وعانى من بعده عماد الدين والد نور الدين ، أتدرون كيف قتل؟ ما قتله الصليبيون، ولكن أوغروا عليه بعض حرسه وقتلوه، وهكذا نور الدين قيل: إنه قد سم، فالمعاناة من واقع الأمة المرير ستكون أشد، لكن إذا صح هذا الواقع على عقيدة مستقيمة، ودعوة قويمة، واجتماع كلمة المسلمين عليها بإذن الله؛ فإن النصر حق ولا بد، بإذن الله تعالى.
والله أعلم وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم.
 معنى المكوس
السؤال: ما معنى كلمة المكوس التي ذكرتها في المحاضرة؟
الجواب: المكوس: هي الضرائب أو أشبه ما تكون بالجمارك، وكما ورد في الحديث: (إنما المكوس على اليهود والنصارى) أو (إنما العشور على اليهود والنصارى) وإن كان في سنده مقال، لكن تطبيق واقع الصحابة رضي الله عنهم والخلفاء الراشدين حق ثابت في ذلك.
كان عمر رضي الله عنه يسمح ويأذن لأهل الذمة أن يأتوا إلى بلاد المسلمين ويؤخذ عليهم العشور حتى يبيعوا ما عندهم من بضائع، فيستفيد المسلمون منهم بيع البضائع ويأخذون منهم العشور مقابل ما يأخذون هم أيضاً على تجار المسلمين.
أما المسلم لا يحل أن يُأخذ منه عشرٌ ولا مكس ولا ضريبة، وإنما جعل الله تبارك وتعالى الزكاة وفيها الكفاية، وجعل الغنائم والفيء، ومصادر بيت المال المعروفة فيها الكفاية لإصلاح حال المسلمين بإذن الله، ولهذا أبطلها نور الدين رحمه الله.
 مطالبة باشتمال المقررات الدراسية على السير الصحيحة
السؤال: أنتم -كما أعرف- أحد المسئولين عن تطوير مناهج التعليم في المرحلة الثانوية والمتوسطة، لماذا لا تُضمن هذه السير الصحيحة والدروس المستفادة من الحروب الصليبية وغيرها وتدرَّس للطلاب؟
الجواب: أنا لست من المسئولين عن التطوير، أنا كنت عضواً في لجنة التأليف، وشاركنا في بعض المقررات، ولا يخفى عليكم -ليس سراً- أن مادة الفِرق نشرت وقررت ودرست وبعد أن اكتمل الكتاب ألغي المقرر، وبقي مقرر التوحيد الآخر هذا في الثانوية، أما المتوسطة فليس لنا فيها دخل، وهذه المناهج مناهج تاريخ أكثر من كونها مناهج عقيدة وهذا لا يمنع.
أقول: يجب علينا وعليكم أن نكتب إلى لجنة التطوير التربوي بوزارة المعارف بإدارة التطوير التربوي ونحثها على أن يكون التاريخ كذلك، والحقيقة والحق يقال أن المنهج الموجود الآن أفضل بكثير جداً مما كان في الثانويات أيامنا، وأيام بعض الإخوان الذين كانوا قريباً من دفعاتنا، فنحن كنا نقرأ تاريخ أوروبا ، حيث كان المقرر تاريخ أوروباحتى في المعاهد العلمية، أشغلونا بتاريخ أوروبا ، فكان التاريخ موجزاً سهلاً في صف أول ثانوي وبعد ذلك تاريخ أوروبا وباسمرت وحرب السبعين والإنجليز، وسيطرة شركة الهند الشرقية.. كلام فارغ ليس لنا فيه أي دخل.
الحمد لله الآن أفضل، ونسأل الله أن يتحسن.
 حكم محبة وتقليد النصارى
السؤال: قلت: إن أسرة صلاح الدين كانت تكره النصارى كما قالابن تيمية رحمه الله، وفي زماننا هناك من يحب النصارى ويقلدهم في كل شيء، ويعجب بهم أشد الإعجاب، فهل حبهم وولاؤهم من نواقض الإيمان؟
الجواب: لا يجتمع في قلب مسلمٍ محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم مع محبة أعداء الله النصارى ، الذين يسبون الله تبارك وتعالى كل حين بما لم يسبه به أحدٌ من العالمين وهي قولهم: إن لله ولداً (يسبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك) كما في الحديث، يسبون الله كل حين حيث يقولون: إن لله ولداً، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، هؤلاء من يحبهم؟
الذين يقولون: إن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس بنبي، إنما هو عبقري ومصلح سياسي، وداعية من دعاة القومية العربية ... إلخ، هؤلاء لا يواليهم مسلم، ولا يحبهم مؤمن، ولا يقلدهم من يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقومٍ فهو منهم) فهذا الحديث له مدلولان لنا وعلينا، فالأول: تشبهوا بالصحابة والصالحين والمتقين المجاهدين تكونوا منهم وعلى طريقتهم إن شاء الله، والثاني: إن تتشبهوا بـاليهود والنصارى وأعداء الله المجرمين تكونوا منهم عياذاً بالله.
 اضطهاد روسيا للدول الإسلامية
السؤال: دولة روسيا في هذه الأيام تشهد تفككاً في بعض دويلاتها، هل هذا الأمر إشارة إلى نصر الله، أم أن هذا الأمر مدروس ومدبر له؟
الجواب: هذا الأمر له أسباب بلا شك، ولا نريد أن نطيل فيه؛ لأن الوقت ليس مناسباً، لكن يهمنا أن نقول: انظروا لتعرفوا خطر الحملة الصليبية القادمة، تأملوا كيف تعامل الكرملن وغورباتشوف معلتوانيا وكيف يتعامل مع الجمهوريات الإسلامية؟!
فهناك يتعامل بالديمقراطية والانفتاح عن طريق البرلمان والحل السلمي، وأما في المناطق الإسلامية فالدبابات تدك المدن دكاً؛ لأنها حاولت أو أرادت أن تطالب بشيءٍ من الاستقلال، ومعنى ذلك أن الحرب الصليبية لن ترحم المسلمين، بل لهم حساب آخر ومعيار آخر.
أما أنه تقويض لهذه الإمبراطورية العاتية فنعم، ونرجو أن يكون هذا بداية سقوطها إن شاء الله، لكن هم على أية حال مهما اختلفوا فهم متعاونون علينا، متفقون على حربنا، لا شك في ذلك.
 حرب إعلامية والأطراف التي تديرها تستفيد منها
السؤال: ما يدور الآن عبر وسائل الإعلام من تصريحات وردود بين دولة العراق وإسرائيل وأوروبا إشارة إلى بدء رفع راية الحروب الصليبية؟
الجواب: قد تكون تمثيليات مثل تمثيليات العبور، ولا نعني بالتمثيليات أن الجند يقومون بهذه التمثيليات، فالجنود أكثرهم لا يدرون، لكن ما يدور وراء الكواليس لا يُكشف إلا فيما بعد، فعلى كل حال هذه الحرب الإعلامية تستفيد منها الأطراف التي تديرها جميعاً، والفائدة منها حاصلة وواقعة، لكن هل سيترتب عليها عمل؟ الله أعلم.
 حكم القتال تحت رآية عمية
السؤال: هل تتوقع مواجهةً بين دعاة القومية العربية والصهيونيةالعالمية، وما هو دور الشباب المسلم الواعي في مثل هذه الحروب، وما هو دورهم في المواجهة التي سوف يتأثر بها كل فرد سواءً كان مسلماً أو غير مسلم، وإلى أي جنب ينحاز هؤلاء الشباب المسلمون، وما هو صنيعهم؟
الجواب: لا يجوز أن نقاتل إلا تحت رايةٍ إسلامية (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، ومن قاتل تحت رايةٍ عَمية فمات فميتته ميتة جاهلية) أي راية عمية لا يجوز القتال تحتها، رايةالقومية ، راية تحرير الأرض، راية الوطنية، راية الدولة العلمانية،العلمانية كفر، فراية الدولة العلمانية معناها أن الإنسان يقاتل تحت راية الكفر وينصر الكفر والعياذ بالله، وهذا لا يجوز أبداً.
وأنا لا أتوقع على المدى القريب أن يشتبك اليهود وهؤلاء القوميون في معارك، لا أتوقع ذلك، بل الحاصل الآن هو أنه قد تواطأ الشرق والغرب والدول كلها تقريباً على أنه لا حرب ولا عدوان على دولة إسرائيل، وإذا أردتم فخذوا هذا المثال: ذكرنا أن الباطنيين لم يغتالوا زعيماً صليبياً واحداً، وإنما اغتالوا أمراء المسلمين، وأرادوا اغتيالصلاح الدين أكثر من مرة.
وأيضاً الآن.. الباطنيون فيما مضى كانوا عصابات في قلاع، لكن الباطنيين اليوم لهم دولة، هذه الدولة مضى عليها سنوات طويلة لم تقتل جندياً إسرائيلياً واحداً، ولكنها قتلت عشرات الألوف من أبناءالسنة في داخل البلد وفي خارجه، هل يجوز القتال تحت هذه الرايات وإن قالوا نحن نقاتل إسرائيل؟ فالعاقل يفهم ولا تنطلي عليه مثل هذه الأمور.
 واجبنا تجاه التبرج والسفور
السؤال: نعلم أن ما يشاهد في أسواقنا من سفور وتبرج من الغزو الفكري لهذه الأمة عن طريق نسائها، وقد انحل شبابها، ما هو واجبنا تجاه هذه الظاهرة التي انتشرت وعمت وطمت؟
الجواب: هم في الحقيقة كما ذكر الله تعالى عن الشيطان.. الشيطان يزين ويمني وَيَعد، ولكنه لا يرغم أحداً أن يخرج من بيته، لا يرغم امرأةً أن تتبرج ولا شاباً أن يغازل أو يعاكس أبداً، فهم يأتون بالأفلام.. بالمجلات.. بأنواع الفساد، ولكن المصيبة ليست من الغزاة، المصيبة منا نحن، لَمَّا ضعف الإيمان وفقدت التقوى، وقل المحاسب أو المعاتب أو المربي انتشر هذا الفساد، فنحن المسئولون عنه أولاً وآخراً، ولا شك أنه مدمر للأمة، وأن علاجه يكون بإحياء الدعوة إلى تقوى الله، وإلى التحذير من المعاصي ومن آثارها على الأمة، ومنها التبرج الذي هو داعي الزنا، وليس بعد الزنا -عياذاً بالله- في تحطيم الأمة من شيء.
 نصيحة لجنود القوة البحرية
السؤال: نحن في مركز من مراكز الدفاع عن الإسلام، وبجوارنا شباب يُؤمل منهم الدفاع عن الإسلام إن شاء الله، شباب ينتمون إلى القوة البحرية، فما نصيحتكم لهؤلاء الشباب تجاه هذا الغزو الصليبي أياً كانت طرقه؟
الجواب: الحمد لله هناك في البحرية من أخلص وجاهد لتكون كلمة الله هي العليا، فهو أفضل مما لو جاهد في البر أليس كذلك؟ كم له من الأجر؟ أجر شهيد البحر أجر شهيدين من شهداء البر، هذا فضل من الله سبحانه وتعالى عليهم، ولذلك يجب علينا أن نعد العدة براً وبحراً وجواً بالإيمان الصادق والإخلاص لله سبحانه وتعالى والبعد عن المعاصي، ولا تؤاخذوني إن كررت، البعد عن المعاصي والاعتصام بالتقوى، والصبر والاستعانة بالصلاة، في هذه العبارات فقط نحدد كل ما نحتاجه في هذه المعركة وإن طالت، وفي أي معركة وفي أي زمان وفي أي مكان، أما إذا استوينا نحن وهم في المعصية فإن الفضل يكون لهم في القوة، وهذه سنة الله سبحانه وتعالى.
 جهود صلاح الدين
السؤال: سمعناك قلت في درسك أن صلاح الدين الأيوبي منالرافضة ؟
الجواب: أعوذ بالله، بل هو الذي قتل الرافضة وأبادهم، أرجى عملٍ لـصلاح الدين رحمه الله قضاؤه على الرافضة ، هو عندي كذلك، بل عند علماء الإسلام الذين كتبوا عنه، وأرجى من قتله للصليبيين وأفضل قربةً إلى الله تعالى من قتله للصليبيين، قضاؤه على تلك الدولة الرافضية التي كانت تنادي وهي تقول: (من لعن وسب فله كيل وإردب) يعني: من لعن الصديق والفاروق رضي الله عنهما يأخذ، ومن لم يلعنهما لا يأخذ.
هذه دولة قضى عليها صلاح الدين أفيكون من الرافضة ؟! حاشاه من ذلك والحمد لله.
- وما هي عقيدة صلاح الدين؟
في هذه المناسبة أقول: أولاً يا إخوان! لا نفترض في كل قائد أو مجدد أن يكون كاملاً أو معصوماً، المعصوم من عصمه الله، وهذا خاص بالرسل الكرام، ولكن نقول: هل كان صلاح الدين أشعرياً كما يقال؟
بعض العلماء كـالمقريزي وبعض المؤرخين المتأخرين قالوا: إنه كان أشعرياً، أظهر العقيدة الأشعرية، في الحقيقة لا صحة لهذا الكلام على الإطلاق، لماذا؟ لأن بعضهم يسمي الأشاعرة أهل السنة ، فيقول: أظهر العقيدة الأشعرية، ويقصدون أنه أظهر عقيدة أهل السنة ،صلاح الدين رحمه الله ونور الدين منعوا كتب المنطق والفلسفة، وفي أيام دولة صلاح الدين وأبنائه كانت كتب الفلسفة محرمة وممنوعة، وتحرق إن وجدت، ولذلك كان اتجاههم إلى السنة، لكن قد تخفى بعض المسائل، حتى على علماء عصرهم، نعم لا ندعي لهم الكمال والعصمة على أية حال، لكن السؤال: هل كانوا دعاة إلى البدعة؟ لا. هل كانوا يحبون السنة؟ نعم. هل كانوا ينصرونها؟ نعم. فأنا وأنت قد نجتهد في أن ننصر السنة وندعو إليها، ثم نخطئ فنقع في بعض البدع، وبعض المعاصي، ولا عصمة لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن المؤكد والثابت أن صلاح الدين والعادل وغيره من ملوك الأيوبيين كانوا ضد البدع حتى أن الكوثري المعروف بتعصبه الشديد على أهل السنة وميله إلى الأشعرية والماتريدية يسب صلاح الدينوذواته ويذمهم بذلك، أنهم كانوا يمكنون للحشوية ولـأهل الحديثويتركون أهل العلم، أو أهل العقيدة الصحيحة لا يمكنون لهم، والكلام في هذا يطول..
  التاريخ يعيد نفسه
السؤال: بعض الإخوة يقول: ذكرت أن الحل هو التقوى والصبر؟
الشيخ: نعم كما ذكر الله تعالى ذلك في القرآن.
السائل: وما كان يفعله ذلك القائد الفذ صورةٌ حية، ولكن يختلف الوضع في العالم الإسلامي الآن، فهناك قادةٌ وحكام يحاربون السنة في دولهم، وهم من مصدر قوة، فكيف يكون الجهاد؟ وقد يقومون لقمع كل نهضة، كما هو حاصل الآن؟
الشيخ: الوضع هو هو، يعني: نور الدين لم يظهر فجأة، نور الدينظهر بعد أمد، بعد أن طهر الذين باعوا الأرض، الرافضة العبيديون -كما ذكرنا- وغيرهم، الذين سلموا البلاد والعباد للصليبيين ولغيرهم، لكن عندما قامت الدعوة، وتحركت الأمة وقام العلماء والخطباء والدعاة في المساجد وفي كل مكان وُجد الجيل التالي الذي كان منه عماد الدين ونور الدين ، فإذا قامت الدعوة فلا بد أن تتحمل كل ما ستلقاه، نعم سيوجد من يقاومها لكن يهيئ الله لها أيضاً من ينصرها، وهو على ذلك قدير، وتبدأ المعركة في أول الأمر صعبة وشاقة، وقد تهزم، ولكن في النهاية سيكون هذا الجيل بإذن الله الذي يألف التضحية ويألف الجهاد، ويرفع راية السنة وهو واثق بنصر الله سبحانه وتعالى ستكون العاقبة له، أما الواقع الآن مثله مثل أي واقع، سيذهب، وكل أعداء الله سيضمحلون، وكل ما كان لله يبقى، ومن كان على تقوى الله فسيبقى، قاعدة وسنة لله تعالى في جميع الأوقات والعصور.
في زمن عبد الناصر كنا نقرأ ونسمع كيف كانت أوضاع المسلمين في السجون، وكانت توزع كتيبات كثيرة تتحدث عما يُفعل بالدعاة في مصر ، كنا نقول: متى يأتي اليوم الذي تتخلص فيه الأمة من جمال عبد الناصر ، ونترقب هلاكه؟ حتى إنه لما مات أذكر أن بعض الطلاب سجد وظل ساجداً لله شكراً حتى إنه لما رفع رأسه كان وجهه كله أحمر، كأنه غير مصدق أن عبد الناصر سيموت، وبعد أن أهلكه الله بفترة، إذا به يذم ويلعن في المنابر التي كان ينفق عليها ويؤسسها.
أقول: نحن لا ننظر للتاريخ ولا نعتبر، مسألة سنتين.. ثلاث.. عشر.. عشرين سنة ليست شيئاً في حساب الدعوة والأمم، بعد عشر سنوات إن شاء الله من الآن كثير من هؤلاء المجرمين سيكونون قد ذهبوا وقضى الله تعالى عليهم بأي شكلٍ من الأشكال، كما قضى على أتاتورك وعبد الناصر وتيوتو واستالين وهتلر وغيرهم، .. ولكن دينه سيبقى بإذن الله.
  السبيل إلى القيادة والريادة
السؤال: كما ترون أن العالم الغربي والشرقي قد اكتشفوا وابتكروا واخترعوا أشياء كثيرة فكيف يربط المسلم بين كلٍ من تعلم التكنولوجيا الحديثة وتعلم العلم الشرعي وحفظ كتاب الله والدعوة إلى الله بشرط أن لا تؤثر على استقامته ودينه، حيث أنه ولا بد أن يحتك بهؤلاء الغربيين والشرقيين غير المسلمين... إلخ؟
الجواب: طلبة العلم الشرعي ليس مطلوب منهم أن يذهبوا ليتدربوا على التكنولوجيا، لكن من فرَّغته الأمة لهذه التكنولوجيا يجب عليه أن يتقنها، بشرط أنه إن ذهب إليهم أو خالطهم أن يذهب وهو مؤمن ويرجع وهو مؤمن، ليست المشكلة في نقل التكنولوجيا، القضية قضية إرادة، إذا توجهت إرادتك لأن تحقق أمراً فسوف تحققه. هذه فطرة.. هذه سنة، وقد تحدثنا عنها في محاضرة سابقة في عطلة الربيع، فالإرادة الإنسانية والحافز الموجود أو الدافع له أثر في تحقيق أي شيء، كل التجارب النفسية الفردية تثبت ذلك فكيف بإرادة الأمم؟
مثلاً: يذكرون أنه في سباق المرثون -وهو شعيرة جاهلية يونانية- يجري اللاعب عشرين كيلو مثلاً ويسقط، وعندما يفحص الأطباء هذا الذي سقط يجدون أنه كان بإمكانه أن يواصل عشرة أميال أو خمسة مثلاً، لماذا سقط؟ لأنه سقط نفسياً.
تجارب أخرى: وجدوا أن الإنسان إذا كان ضعيفاً منهكاً مجهداً تقول له: خذ هذه الحبة ابلعها، يقول: لا أستطيع أن أمد يدي حتى آخذها، لكن لو سلطت عليه وحشاً أو ثعباناً في الغرفة ستجده يقفز عشرة أمتار، وقد ذكروا أن رجلاً قفز عشرة أمتار، وقد كان مقعداً، لماذا؟ إنه الحافز.
ولذا المسألة هذه ليست مسألة كيف نأخذ التكنولوجيا، نبدأ نتعلم من ( أ.. ب ) وأما متى نصل إلى الكمبيوتر والمفاعل الذري، فهذا طريق غير صحيح، لا تنظر إلى الناحية المادية، اشحذ العزيمة والهمة تجد العجب العجاب.
إمبراطور اليابان أرسل أول دفعة إلى أوروبا فرجعوا بالبنطلونات وبالسجائر ويتكلمون بالإنجليزي والألماني، عجيب!! هذا الذي أُرسلتم من أجله؟ فقيل: إنه جمعهم في ميدان وحكم عليهم بالإعدام، وأرسل دفعة ثانية، وقال: اذهبوا فذهبوا باللباس الياباني، ويطبخون على الطريقة اليابانية، ويأكلون بالطريقة اليابانية، ويتكلمون باليابانية، فرجعوا بالتكنولوجيا الأوروبية، والآن اليابان تنافس أوروباحتى أنها اقتحمت أوروبا الشرقية قبل أن تخطط ألمانيا الغربية وغيرها من الدول اقتحامها، والسبب أنهم أوجدوا عند الناس الإرادة.
فيتنام كيف استطاعت أن تهزم أمريكا ؟ نفس الشيء، وجدت إرادة مع أن الجميع كفار، هذه الإرادة إذا وجدت فلا يوجد حافز ولا إرادة أقوى من الإيمان بالله، ولا أقوى من جهاد أعداء الله، ولا أقوى من طلب الجنة.. الجنة يا إخوان!
لم أر كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها، هذه الجنة أقوى حافز، فالهارب يضاعف الهرب إذا علم أنه يهرب من النار، والطالب يضاعف الطلب إذا علم أنه يطلب الجنة، سلعة الله الغالية، التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها، إذا كنا نريدها فعلينا أن نشحذ الإرادة وننتصر، وإن كنا نريد فقط أن تكتب الصحافة الغربية عنا أننا تطورنا وعندنا شوارع... إلخ، وعندنا كذا، وتأتي بصور لبعض مناطق، فسنظل على هذا الوضع قروناً ولن نصل إلى شيء، فالمرء حيث يضع نفسه، والأمة حيث تضع نفسها، ضعها في القيادة تجد أنك قائد.
مثلاً: -شيء واقعي جداً نذكره من واقع الحياة- لو اجتمع عشرون لاعباً وذهبوا يلعبون كرة، فقام أحدهم وأمسك الكرة. وقال: أنا الكابتن وصرخ عليهم اسكتوا وجعلوه الكابتن، فعلاً؛ لأنه أثبت شيئاً، لكن لو جعل نفسه لاعباً كأي لاعب وضعوه حارساً أو وضعوه حكماً، المهم أنت حيث تضع نفسك، لهذا يقول الله تعالى: وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] لكن قلنا بألسنتنا نحن قادة العالم نحن..، ونريد أن نلتحق بركب الحضارة.. سنظل في الذيل؛ لأننا ما فكرنا إلا بالالتحاق، ولم نفكر في السباق والقيادة.
  مراجع المحاضرة
السؤال: المراجع لهذه المحاضرة؟
الجواب: المراجع لهذه المحاضرة: كتاب سير أعلام النبلاء ، فيها سيرةنور الدين محمود للذهبي رحمه الله، كذلك كتاب نور الدين محمودللدكتور/ عماد الدين خليل ، وكذلك كتاب نور الدين محمودللدكتور/ حسين مؤنس ، كذلك كتاب البرق الشامي ، أخبار الروضتين في أخبار الدولتين ، الكامل لـابن الأثير وغيرها.
  لا دور للشيعة في الحروب الصليبية
السؤال: هل للشيعة دور في الحروب الصليبية؟
الجواب: لا. ليس للشيعة دور مضاد في الحروب الصليبية، ويقولشيخ الإسلام رحمه الله: لم يُعرف عنهم أنهم جاهدوا أو قاتلوا الصليبيين، بل هناك وقائع كثيرة جداً تثبت أنهم عندما يأتي الصليبيون إلى بعض الإمارات التي كانت بشمال لبنان وفي شمالبلاد الشام من الدويلات الشيعية يسلِّمون لهم هذه البلاد مقابل أن يتحالفوا معهم على أهل السنة ، فلم يوجد لهم أي دور، وإنما حدثت بعض المناوشات والخلافات بين العبيديين والصليبيين عندما اختلفوا كما يختلف الناس عادةً اختلافاً سياسياً، لم يكن العبيديون يحاربونهم من منطلق أنهم كفار أو صليبيون، والأساس في العلاقة بين العبيديين الذين يدَّعون أنهم فاطميون وبين الصليبيين هي علاقة المسالمة والسفارات المتبادلة والهدايا والصلح الدائم، وهذا طوال الحروب الصليبية التي امتدت قروناً كان هذا هو السائد الغالب.
أما غلاة الشيعة الذين منهم الحشاشون ، فهؤلاء ذكرنا لكم أفعالهم وفتكهم بالمسلمين، ولم يتعرضوا بأي أذىً للصليبيين إلا أحياناً، إذا حاول الصليبيون أن يستولوا على قلاعهم ليأخذوا منها ما فيها من خيرات وما فيها من كنوز، فهي عبارة عن معارك لصوص مع بعض، ليست مسائل عقدية.
  آثار الحرب العالمية الأولى على العالم الإسلامي
السؤال: ذكرت لنا الحروب الصليبية فنود منك ذكر الحروب العالمية وأسباب هزيمة المسلمين إلى يومنا هذا لتكون صورة حية؟
الجواب: الحرب العالمية الثانية ليس لنا فيها دور إلا أنهم دكوا بلادنا، أي: الذين دخلوها حاربوا فيها، حاربوا في أرضنا، وليس لنا دور فيها أبداً.
الحرب العالمية الأولى التي تستحق أن تذكر؛ لأنه بناءً عليها مزقت دولة الخلافة العثمانية، ووضعت البلاد الإسلامية تحت الانتداب بناءً على نقاط الرئيس يلسن الأربع عشر، وهذه فعلاً تستحق إذا قدّر الله لي أو للإخوة الذين هم أقدر مني ومتخصصون في التاريخ أن يحدثونا عنها فهذا شيء طيب.
  سبب هجرة اليهود إلى فلسطين
السؤال: سمعنا بهجرة اليهود إلى فلسطين ، فلماذا يهاجرون إلى هناك، أم أنه -كما سمعنا- إعداد للحرب التي ستكون بين المسلمين واليهود؟
الجواب: نحن دائماً نتفاءل تفاؤلاً طيباً، نحن نحب الفأل ونكره الطيرة كما كان صلى الله عليه وسلم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم هديه غير ما نظن، أي نحن لا نتفاءل على حقٍ وحقيقة، أنا أسميه تخدير، ونحن نتخدر بسرعة؛ مثلاً: هناك أناس يشربون القهوة، هذا لو يعطى أقوى إبرة لا يتخدر كما يقول الأطباء، لكن هناك ناس أول ما توضع فيه الإبرة يغمى عليه، نحن من النوع الذي يتخدر بأدنى مخدر، فلما جاءت الأحداث في أوروبا الشرقية خدرونا قالوا هذه سقطت؛ لأنها قائمة على الظلم وعلى الفساد والاشتراكية والشيوعية ، وهي مخالفة للإسلام، أما نحن فالحمد لله طيبون مسلمون، انتهت الشيوعيةوارتحنا، وهو بخلاف الواقع تماماً.
ولما جاءت الهجرة ظهرت أيضاً بعض الأصوات المخدرة، قالوا: دعهم يتجمعون، لماذا؟ قالوا: كيف نقاتلهم في آخر الزمان إلا إذا تجمعوا؟ من قال لك أننا سنقاتلهم الآن، نحن نأخذ بالأسباب كما شرع الله، فإذا أمر الله وقدر بشيء فأمر الله واقع، وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق وحق، لكن هل يعني ذلك أني أترك اليهود يفعلون كما يشاءون ويتجمعون؟ لا.
فنحن نقول: سبب هذه الهجرة أن اليهود يريدون تقوية دولتهم بالعنصر البشري، وهو أهم عنصر في الحياة، اليهود والروافضوغيرهم أهم شيء عندهم هو العنصر البشري، والأقباط في مصروغيرهم الزيادة السكانية مهمة جداً، أما تحديد النسل فهو خاص بـالسنة ، والدعايات خاصة بـأهل السنة ، والكلام عن العدد وأن الثلاثة كفاية والخمسة مشكلة، وأن الزوجتين حرام أو ممنوع، هذا خاص بـأهل السنة ، العنصر البشري أهم عنصر في أي دولة في العالم، في أي وجود عالمي في هذه الحرب المستعرة والصراع بين الأمم، فاليهود يريدون تقويته بهذه الهجرة، ولا غرابة في ذلك، لكن نحن ماذا عملنا؟ أخبرناكم في المرة السابقة لا تعيدوا هذا السؤال، نحن عندنا هجرة الخدَّامات مستمرة إلى أرض المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
  أساسيات الين واضحة ولا تحتاج إلى مؤتمرات
السؤال: لماذا لا تكون هناك مؤتمرات بين علماء المسلمين من أهل السنة وعلماء الشيعة لتصحيح مفاهيمهم في العقيدة؟
الجواب: هذا الأمر واضح لا يحتاج إلى مؤتمرات، أنا أذكر لكم مثالاً واقعياً: لما ثارت فتنة بعض المبتدعة من سنوات، وجاءني أحد طلاب صاحبهم وقال: لماذا الجدل هذا؟ والخلاف وارد، قلت: ماذا تريد؟ قال: لماذا لا يكون هناك مقابلة في التلفزيون أو في الجامعة، أو في أي مكان، وتجتمعون ويصير هناك نقاش؟ قلت: هذا غير معقول، قال: لماذا؟ قلت: ما هي النقاط التي تتوقع أن نتناقش فيها؟ قال: واضحة، قلت: نأخذ النقاط واحدة واحدة.
أولاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، هذه نقطة؟ قال: نعم.
ثانياً: أن الأولياء يتصرفون وأن الأموات المقبورين يؤثرون ولهم من التأثيرات كذا وكذا، قال: نعم، وذكرت له بعض العبارات الموجودة في كتبهم، مثل: وانتشلني من أوحال التوحيد إلى الوحدة وغيرها، وقلت له: هذه وهذه تريدها أن تكون موضوع نقاش؟ قال: نعم. قلت: هل تتوقع أن أحداً من أهل السنة ينزل إلى مستوى أنه يناظر على هذه المسائل؟! هل نأتي لك بأصغر طالب من أهل السنة يحفظ القرآن ويقرأ عليك الآيات التي تكذب ما تعتقده من الخرافات: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام:59].. إلخ، وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام:50] الآيات يقرؤها عليك أي واحد هل هناك حجة أخرى؟ كل ما تقولون يرد عليه أصغر مسلم يحفظ آيات من كتاب الله، أو أي عجوز تعرف شيئاً من كتاب الله، أما نحن فلسنا لذلك.
وهذه سنة قديمة، لما قال أحد أهل البدع لـأيوب رحمه الله قال: اجلس نتناظر، قال: لا. ابحث عن شاكٍ مثلك، أما أنا فعلى ثقةٍ من ديني، وأما أنت فابحث عن شاكٍ مثلك، إذا كان المقصود أن نتناظر لنعرف من هو على الحق فهذا أمر محمود، أما إذا كان المقصود أن نتناظر مع بعض أهل البدع في أمور واضحة ولا يجهلها أحد، فهذا أمر مذموم، إن الحق واضح مثل الشمس في رابعة النهار، ولولا علمنا جزماً ويقيناً أنهم يعلمون هذا الحق لتحرجنا وأثمنا أمام الله أننا ما بيناه لهم، ولكن الحق كالشمس في رابعة النهار، بالله عليكم أي عاقل يقرأ تاريخ الإسلام ولو كان يهودياً أو نصرانياً هل يصدق أن عمر بن الخطاب وأبا بكر الصديق أكبر منافقين في الدنيا، سبحان الله! من يصدق هذا الكلام؟! إن أعداء الدين وأعداء القرآن، لا يصدقون مثل هذا الهراء، إن حقائق التاريخ كلها واضحة، فعندما نناقش شخصاً ونقول له: تعال نبين لك أن هؤلاء الصحابة لهم حرمتهم ولهم قدرهم تجد أنه لا يسلم للحق أبداً.
فلعلمنا بأن المسألة تعصب ومكابرة، وعناد وتضليل من الزعماء الذين يستخفون الرعاع، لذلك أقول لا يحتاج الأمر إلى مؤتمرات، وما يسمى من التقريب أو أشباهه إنما تكون عادةً من مصلحة أهل البدع، أو بمواطأة معهم.
  أسباب اجتماع المسلمين في عهد عماد الدين زنكي
السؤال: هل لنا أن نعرف كيف تم لـعماد الدين زنكي توحيد صفوف المسلمين بعد أن كانوا مفككين؟
الجواب: لقد تعب عماد الدين والد نور الدين رحمه الله تعباً شديداً لكي يجمع أنصاره، لكن كان اجتماع المسلمين أسهل من واقعنا، والسبب لأن القلوب كان فيها خير أكثر، بمعنى لم يكن عند المسلمين إبان الحروب الصليبية الأولى شيء من الولاء للنصارى، ونقصد بالمسلمين أهل السنة ، الذين ليس عندهم ولاء لليهود ولا للنصارى، ويعلمون أنهم كفار، ويعلمون أن قتلهم شهادة وهكذا، فالحقائق التي ذكرناها وعقيدة الولاء والبراء كانت معلومةً عندهم، وكانت ظاهرةً جلية، أما الآن فأكثر المسلمين مع الأسف مبهور بما عند الكفار ويائس من النصر، ولا يتصور المسألة حلقة من حلقات صراع طويل وإنما يتخيل أن الغرب حاكم ومسيطرٌ إلى الأبد، فلا أمل ولا حتى مجرد تفكير بأن نقاومه أو نحاربه، أما الأمة التي عندها استعداد ولو ضعيف وتنظر إلى عدوها نظرة معقولة يمكن أن تُوقى.
فلقي عماد الدين رحمه الله العنت، حتى دبر بعض أعدائه من المسلمين في الإمارات الإسلامية وبعض قواده مؤامرةً لقتله فاغتاله غلمانه وحرسه، لقد تعب حين جمع أنصاره، وهو في الإمكان إن شاء الله في كل زمان ومكان.
  كيفية التعامل مع أهل الكتاب الذين هم في ديار الإسلام
السؤال: إن من أسباب النصر على الكفار عدم موالاة النصارى وغيرهم من الكفار، فكيف نتعامل مع النصارى الموجودين في بلاد الإسلام؟
الجواب: النصارى في بلاد الإسلام نوعان: النوع الأول: البلاد التي يحرم عليهم أن يدخلوها، وهذا النوع ليس هناك داع أن نتحدث عن تفاصيل الأحكام فيه وهي: جزيرة العرب ، واقرءوا فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله في مجموع الفتاوى الجديد، فتوى طويلة وموضحة فيها الأدلة، جزيرة العرب جميعاً لا يجوز لليهود والنصارى أن يبقوا فيها، وجزيرة العرب من البصرة -كما يقول بعض العلماء- إلى أطراف الشام إلى الأردن إلى عدن ، كل الجزيرةالمعروفة لا يجوز للنصارى أن يدخلوها أصلاً، وإن اضطر المسلمون إلى إدخال أحدٍ منهم لضرورة فكما كان يفعل عمر رضي الله عنه يعطيهم ثلاثة أيام فقط للبيع والشراء، فهذه تكون ضرورة مقيدة ومقدرة بقدر.
وأما خارج جزيرة العرب فهم أنواع، منهم: الحربي، ومنهم المستأمن، ومنهم الذمي -لا نريد أن نطيل في أحكام فقهية، فالحربي: هو الذي نحن وإياه في قتال، كما كان الحال بين المسلمين وبين الصليبيين، فالصليبيون كانوا حربيين، وأما المستأمن: فهو الذي يقدم من الروم البيزنطيين مثلاً الذين هم في حالة سلم وصلح فمن يقدم منهم إلى بلاد المسلمين يعطى أماناً بأن يقيم في بلاد الإسلام زمناً محدداً ليبيع أو يشتري.
والذمي: وهو الذي أصلاً مسكنه الشام أو مصر ورضي أن يدخل في عقد الإسلام ويخضع لأحكامه مع بقائه على دينه، وأعطاه المسلمون العهد بذلك ويدفع الجزية عن يدٍ وهو صاغر، وفي بلاد الإسلام التي يجوز لهم أن يدخلوها لهم معاملة خاصة منها: ألا يتسموا بأسماء المسلمين، ولا يتكنوا بكناهم، وألا يرفعوا بناءهم فوق بيوت المسلمين حتى لو كان جار مسلم عنده دور ونصراني يستطيع أن يبني دورين لا يجوز له أن يبني مسكنه دورين إلا إذا بنى المسلم بيته دور آخر، وفي الطريق لا يبدءون بالسلام، وإذا لقيتموهم فاضطروهم إلى أضيقه، لأن الأفضلية في المرور للمسلم، ويجب عليهم أن يلبسوا ما يدل على أنهم من أهل الذمة ليلزموا بالصغار، حتى إن الطفل المسلم حتى يُلزمهم الصغار والذلة، ولا أن يعرف أنهم من أهل الذمة بشكل يميزهم، ولهذا وضعت الزنانير، ووضعت أنواع معينة للباس والطيالس الخاصة بهم ليُعرفوا فلا يكرمون كما يكرم المسلم أو يبدءون بالسلام.
هذه الأحكام مقررة في شريعتنا، أما الواقع فغير ذلك.
  نصيحة لمن ابتلي بالسحر
السؤال: هذا سؤال خارج عن الموضوع، لكن أرجو أن تجيبني، أنا شخص مصاب بمرض السحر -عافاني الله وإياكم والمسلمين أجمعين- وقد ذهبت لعدة مشايخ ولكنها -أي الجنية- رفضت الخروج مني، حيث أنها تتكلم عندما يقرأ عليها قارئ القرآن وتقول: إنها يهودية -إذاً هناك علاقة في الموضوع!- ولا يمكن أن تخرج مني حتى يلقى القبض على من أتى بها، وهو معروف، وقد اشتكيت ولكن لم أجد تجاوب، وقد قال لي بعض الناس أن هناك مشعوذين يستطيعون أن يخرجوها ولكني أتردد من هذا خوفاً من الله، دلوني جزاكم الله خيراً حيث إني معذب، وقد كرهت بيتي وأهلي وأنا في شقاءٍ شديد؟
الجواب: ما أنزل الله تعالى من داءٍ إلا وجعل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، هذا شيء، والشيء الآخر أن من الأدواء ما جعلها الله تبارك وتعالى مستديمة فربما قتلت صاحبها أو مات، فما على المسلم إلا الصبر، فوطن نفسك يا أخي! وأقول هذا لنفسي ولكل أخ، وطن نفسك دائماً على أسوأ الأمرين، حتى إذا كان الأخف فرحت، افرض أنك مت، هناك أناس مصابون بمرض السرطان والأطباء يقولون: حالته ميئوس منها، وأنت أفضل حالاً منه، أنت إن شاء الله حالة غير ميئوس منها، فانظر إلى من هو فوقك إذا تعلق الأمر بعبادتك وبمعاملتك مع ربك لتجتهد فيها، أما في أمور الصحة والدنيا فانظر إلى من هو دونك لئلا تزدري نعمة الله تعالى، انظر إلى من جُن وفقد عقله بالكلية وأنت في نعمة والحمد لله، وهكذا تستطيع أن تأمل ذلك.
ثم الأدوية الشرعية، القراءة المشروعة لا تتجاوزها، والله تعالى يشفيك وندعو لك ويدعو لك الإخوان جميعاً بالشفاء بإذن الله، وإياك والمشعوذين! إياك وإياهم! لن يضرك أحد ولن ينفعك أحد إلا بما كتب الله تعالى لك أو عليك، لكن ذهابك إلى الدجال أو الكاهن أو المشعوذ يترتب عليه: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) ونعوذ بالله، ونعيذك يا أخي! بالله تعالى أن ترجو الشفاء بالكفر، نسأل الله العفو والعافية.
  سبب تأييد مجلس كنائس الشرق الأوسط لقيام دولة فلسطين
السؤال: لأول مرة منذ خمسة عشر قرناً -والله المستعان- مجلس كنائس الشرق الأوسط أيد دولة فلسطينية مستقلة؟
الجواب: لا نحتاج أن نقرأ كلاماً طويلاً، ولكن لعلكم فهمتم اللعبة!! قيام دولة فلسطينية على قطعة شريط صغير بـالضفة الغربية وتحت حماية سلطة إسرائيل، هذا الشيء الذي يجعله العرب مطلباً عظيماً، وإذا تحقق فقد انتهت جميع مشاكلنا في الدنيا يؤيده مجلس كنائس الشرق الأوسط ، يعني إذا قامت الدولة سيكون ممن أيدها ويحتفظ له بالجميل والشكر والعرفان ولا ينسى معروفه مجلس الكنائس -أي: النصارى-، كل لعبة يدخلها النصارى تجد أن طرفاً يهاجم فيمد العدو بالقوة والآخر يقول: أنا معك، حتى في الأمم المتحدة تجد أن هناك من يؤيد العرب، ومع الدولة الفلسطينية، ويشجب، ويستنكر العدوان الإسرائيلي، والسبب أن الأدوار موزعة، ونحن كالكرة يقذفنا هذا إلى هذا، ثم يقذفنا هذا إلى هذا، وأدوارهم موزعة فيما بينهم، الشرق الأوسط كما يسمى بالتسمية الاستعمارية هذا هو العالم الإسلامي، العالم الإسلامي لا نعترف فيه بمجلس كنائس أبداً؛ الموجود منهم هم أهل ذمة، ويجب أن يخضعوا لأحكام الإسلام كما ذكرنا، لا يوجد شيء اسمه مجلس كنائس، ولكن الله المستعان، إذا كان كما ترون البابا يشارك في أحداث لبنان والبطريك صفيروجماعته يشاركون، وعلماء المسلمين بعيدون عن المعركة فإذاً نحن نستحق، فهم الذين جعلوا علماءهم وأحبارهم ورهبانهم كذلك، ونحن علماؤنا أقصيناهم، المهم أنهم لا وجود لهم في المعركة، لذلك هم لا يلامون وهم يلعبون ويخططون وهم يمكرون ويكيدون، ولكن يجب علينا نحن أن نخطط وأن نعمل وأن نجتهد، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، وهي الخطوة التي لا يمكن تجاوزها أبداً، وهي التي نبدأ فيها ونعيد ونقول: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120].
هذا والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق