الاثنين، 20 أغسطس 2018

روهينغيا فلسطينية

روهينغيا فلسطينية


وائل قنديل
يحتدم الصراع بين المقاومة الفلسطينية القديمة، ممثلة في حركة فتح، والمقاومة الراهنة، ممثلة في حركة حماس، على من الأجدر بقيادة اتفاق هدنة مع العدو المحتل. وفي هذه اللحظة البائسة، يخرج الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بمقترحات لتعزيز حماية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، فترفضها إسرائيل، من دون نقاش.

مقترحات الأمين العام للأمم المتحدة تنظر إلى الشعب الفلسطيني باعتباره أقليةً مضطهدة، تستحق غطاء حماية إنسانية، من خلال مراقبين لحقوق الإنسان، وآخرين للشؤون السياسية لتقييم الأوضاع، ونشر قوة شرطية أو عسكرية، بتفويض أممي تكون مهمتها توفير حماية مادية للمدنيين الفلسطينيين، وتشكيل بعثة مراقبة مدنية، تنتشر في مناطق التفتيش والمعابر وقرب المستوطنات الإسرائيلية، وتكون مهمتها إعداد تقارير عن مسائل الحماية، وأخيراً زيادة المساعدات الإنسانية والتنموية لتأمين رفاهية السكان.
تتعاطى هذه المقترحات مع مأساة الشعب الفلسطيني وكأنهم الروهينغيا في بورما، لا قضية شعب يئن تحت احتلال غاصب للأرض وسارق للجغرافيا والتاريخ، ضارباً بأرشيفٍ هائلٍ من قراراتٍ أمميةٍ تنصّ على الانسحاب وحق المقاومة عرض الحائط.

ولو قارنت بين أدبيات الخطاب الأممي بشأن القضية الفلسطينية، قبل أربعين عاما، ومثيله الآن، ستدرك أن العالم بات ينظر إلى القضية باعتبارها قضيةً إنسانيةً بالمقام الأول، وليست قضية تحرّر وطني ونضال مشروع، على كل الأصعدة، لاسترداد وطن محتل، من مستعمرين ضاقت بهم أوطانهم الأصلية، فألقت بهم في أرض فلسطين.
على أن المأساة الأكبر تبقى الاستجابة الفلسطينية الرسمية لهذه الرؤية للقضية، فينكمش النضال من المطالبة بتحرير كامل الأرض المغتصبة إلى السعي إلى زيادة الأميال البحرية المخصصة للصيادين الفلسطينييين في المياه، أو زيادة المخصّصات المالية القادمة من الجهات الدولية المانحة، أو من سلطة الاحتلال إلى السلطة الفلسطينية التي ترضى عنها سلطة الاحتلال.

في هذه الأجواء"الأوسلوية" الباردة، يتذكّر رئيس السلطة محمود عباس مفردات المقاومة، وليس حباً في المقاومة، أو اعتذاراً لها، إذ أنه الشخص نفسه الذي كان يصنفها "كلاما فارغا" قبل أسابيع، وإنما يفعل ذلك رعباً من نزع "توكيل المهادنة" من يديه، ليستقرّ في يدٍ أخرى، كانت طوال الوقت على زناد البندقية، وجاءت اللحظة التي تجد نفسها فيها أمام تيارٍ هادرٍ مندفعٍ بأقصى قوة، قادماً من ناحية عرب التطبيع والهرولة، محمّلاً بغبار الحصار المادي والأدبي، فتضطر إلى تجرّع سموم الهدنة والتهدئة، والدخول في تفاهماتٍ مع العدو، عبر وسطاء أشرس من العدو، وأكثر استعجالاً لتمويت القضية، وتحويل الصراع إلى مصدر للتكسّب السياسي والارتزاق الأمني.
الآن، يخفتُ الحديث عن حق المقاومة، وسلاح المقاومة، الذي هو القادر على توفير الحماية للشعب الفلسطيني، قبل مراقبي الأمم المتحدة ومندوبي حقوق الإنسان، ومقترحات غوتيريش، وتلك بديهية يعرفها الإنسان الفلسطيني، طفلاً وشيخاً وامرأة.
وعندما يكون المعروض سلاماً إسرائيلياً عبر سماسرة من العرب المتصهينة، فلا بأس من التذكير بصرخة محمود درويش في وجه ملوك الاحتضار:
 إنَّ هذا السلام سَيتْرُكُنا حُفْنَةً منْ غُبار

مَنْ سيدْفنُ أَيامنا بَعْدنَا: أَنْت..... أَمْ هُمْ؟ وَمَنْ سوْفَ يرْفَعُ راياتهمْ فَوْق أَسْوارِنا: أَنْتَ.... أَمْ فارسٌ يائسٌ؟ من يُعلّقُ أجْراسهم فَوْقَ رحْلَتنا
أَنْتَ ..... أَمْ حارسٌ بائسٌ ؟
كُلُّ شيء مُعَدُّ لَنا سلفا
فَلماذا تُطيلُ النهايةَ... يا ملك الإحْتضارْ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق