الخميس، 16 أغسطس 2018

أمير عربي يترك منصبه الأممي لأن الصمت لا يمنح الاحترام

 أمير عربي يترك منصبه الأممي لأن الصمت لا يمنح الاحترام



تنظر إليه بعض الحكومات العربية على أنه خائن تنكر لعروبته، بسبب انتقاده لحقوق الإنسان في تلك الدول. لا يمر تصريح له دون أن يثير غضب الدولة التي ينتقدها واستياءها، من مينامار (بورما)  وروسيا و"إسرائيل" إلى دول الشرق الأوسط.

يعتقد بأنه قام بعمله "بشكل صحيح"، وأنه اعتمد منصبه على اعتباره "منبرا لتوجيه خطابه للقادة الذين يأبون أن يفوا بتعهداتهم الخاصة"، وحيال حدة تصريحاته، يقول: "لا يوجد مجال كبير للمناورة، والصمت لا يمنحك الاحترام".

كان من الواضح أن الدول الكبرى داخل الأمم المتحدة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين، "سئمت" من تصريحاته. 

وبدلا من التراجع قليلا والتخفيف من حدة انتقاداته لممارسات هذه الدول، ارتأى أن يترك منصبه نهاية الشهر الحالي.

كان أول عربي ومسلم يتولى منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. 

الأمير زيد بن رعد بن زيد بن الحسين المولود في عام 1964 بعمان، من أبناء عمومة الملك عبد الله الثاني ومن الهاشميين. 

تلقى تعليمه ما بين الأردن وبريطانيا والولايات المتحدة، نال شهادة البكالوريوس من جامعة "جونز هوبكنز"، وماجستير بالفلسفة وشهادة الدكتوراه من جامعة "كامبريدج" عام 1993.
  
شغل مناصب عدة في الأردن والأمم المتحدة، من بينها، مسؤول الشؤون السياسية في قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بيوغسلافيا السابقة خلال الصراع في البلقان بين عامي 1994 و1996، كما شغل منصب مندوب الأردن لدى الأمم المتحدة ما بين عامي 2000 و2007.

انتخب في عام 2002 أول رئيس لـ"جمعية الدول الأطراف" المشرفة على المحكمة الجنائية الدولية. وشغل أيضا منصب المستشار الخاص لقضايا الاستغلال الجنسي بين قوات حفظ السلام.

وفي عام 2004، اختير رئيسا لفريق خبراء الأمم المتحدة "للصندوق الإنمائي" الذي أنشئ لمساعدة الدول على تسوية المنازعات عن طريق "محكمة العدل الدولية" في مسألة النزاع الحدودي بين بنين والنيجر.

عينته الحكومة الأردنية في عام 2004 ممثلا لها ورئيسا لوفدها أمام "محكمة العدل الدولية" في مسألة "الجدار الفاصل" الذي بنته "إسرائيل" في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وعمل سفيرا للأردن لدى الولايات المتحدة بين عامي 2007 و2010، وفي الوقت ذاته سفيرا غير مقيم لدى المكسيك، كما أنه شغل عضوية اللجنة الاستشارية لـ"معهد العدالة والمصالحة التاريخية".

ولعب دورا مركزيا في إنشاء "المحكمة الجنائية الدولية"، حيث ترأس المفاوضات المعقدة لتحديد أركان كل جريمة من الجرائم التي تبلغ حد الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وأصبحت المحاكم في شتى أنحاء العالم تستشهد الآن بتعريف "الجرائم ضد الإنسانية"، بعد أن فصلت "أركانها"، باعتباره تعريفا ذا مصداقية.

أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2014 ترشحه لمنصب المفوض السامي لحقوق الإنسان لمدة أربع سنوات خلفا لنافي بيلاي.

انتقاد ترامب 

وأظهر مواقف سياسية استفزت معظم الحكومات في العالم، كان موقفه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء ترشحه حادا ومباشرا، معتبرا أن ما يقوله ترامب يدل على أنه سيكون شخصا "خطيرا" في حال انتخابه للرئاسة الأميركية، وبأن تصريحاته "مزعجة" و"مقلقة".

واتهم ترامب، في عام 2015، بنشر "تعصب عرقي وديني مهين". وحذر من "تصاعد نبرة شعبوية يمكن أن تتحول إلى عنف".

وكان زيد بن رعد هاجم السياسيين الشعبويين مثل ترامب والزعيم اليميني الهولندي غيرت فيلدرز، ودعا إلى التحرك "لوقف مثل هؤلاء الديماغوجيين".

وقال إن فيلدرز يشبه إلى حد كبير ترامب ورئيس وزراء المجر (هنغاريا) فيكتور أوربان.

واتهم أوربان، وكذلك رئيسة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني الفرنسي مارين لوبان، بالشعبوية، قائلا إن "مواقفهما المتطرفة المقلقة" تشبه تلك التي يتبعها تنظيم الدولة.

وكان الأمير بن رعد، قد وجه انتقادا لاذعا إلى الرئيس الأمريكي، ونظيره الفلبيني، رودريغو دوتيرتي؛ حين قال: "الرجلان كسرا محرمات لم يقترب منها أحد منذ زمن بعيد؛ بدعمهما للتعذيب والقتل دون محاكمات، ما تسبب في جعل المخاطر التي تهدد منظومة القانون الدولي كلها حقيقة واقعة".

هذا الانتقاد لم تسلم منه أيضا رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بعد تصريحات أطلقتها خلال حملتها الانتخابية، وأشارت فيها إلى "إمكانية إلغاء قوانين إذا عرقلت الحرب على الإرهاب".

وعلق الأمير زيد على تصريحات ماي بقوله: "إنها مؤسفة بشدة، وهدية من زعيمة دولة غربية كبرى لكل مستبدّ في العالم ينتهك بلا حياء حقوق الإنسان بذريعة مكافحة الإرهاب".

انتقاد الأسد


وأكد في تصريحات سابقة أن "العدالة ستلاحق زعماء آخرين سحقوا حقوق الإنسان"، وذلك بعد إدانة القائد العسكري السابق لصرب البوسنة، راتكو ملاديتش، بالإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، والذي اعتبرها تحذيرا إلى زعماء آخرين، مثل بشار الأسد.

الأمير زيد أثار أيضا غضب موسكو فقام سفيرها لدى الأمم المتحدة بإبلاغ  الأمين العام خلال جلسة خاصة بأن الأمير رعد تجاوز صلاحياته، وإن "عليه أن يكتفي بالاهتمام بقضايا حقوق الإنسان".

وأضاف: "عليه أن لا ينتقد قادة الدول والحكومات وسياساتهم. هذا ليس من شأنه".

واتخذ بن رعد مواقف صارمة تندد بحملة الجيش البورمي ضد أقلية الروهينغا المسلمة، ووصفها بالإبادة الجماعية ضدهم.

الدول العربية لم تسلم من تصريحات الأمير زيد الصريحة والمباشرة، فقد أكد أمام مجلس حقوق الإنسان حول سوريا أن "البلاد أصبحت كلها غرفة تعذيب ومكانا للرعب الوحشي والظلم المطلق". 

وأضاف: "لا بد من ضمان المحاسبة والتوصل إلى الحقيقة وتقديم التعويضات إذا كان للشعب السوري أن يتوصل للمصالحة والسلام. لا مجال أمامهم للتفاوض".

وقال إن الحرب في سوريا هي "الكارثة الإنسانية الأسوأ، التي صنعها البشر منذ الحرب العالمية الثانية".

وتنوّعت مواقف الرجل الصارمة ما بين الشرق والغرب، وكان أبرزها خلال الأزمة الخليجية التي حلت بين الأشقاء، بعدما قطعت السعودية والبحرين والإمارات علاقاتها مع قطر، وحاصرتها جوا وبرا، ما أثر سلبا في العائلات المتصاهرة بين الدول الأربع.

وأعرب ابن رعد حينها عن "قلقه واستنكاره" إزاء "الإجراءات والتدابير القسرية" التي اتخذتها الدول الخليجية ضد قطر، كما اعتبر أن مطالبة دول عربية لقطر بإغلاق قناة الجزيرة "هجوم غير مقبول" على الحق في حرية التعبير والرأي.

وانتقد الإجراءات الأمنية في مصر التي تزيد من احتمالية "نشر العنف والتطرف"، وشدد على أن الحفاظ على الأمن يجب ألا يكون على حساب حقوق الإنسان.

وفي اليمن، دعا إلى فتح تحقيق دولي في "الجرائم المرتكبة" ضد المدنيين، وكانت له العديد من المطالبات بحقوق الإنسان في العراق.

وفاجأ الأمير زيد الجميع، بإعلانه عدم نيته الترشح لولاية ثانية العام المقبل، وقال إن قراره يأتي بسبب الظروف الجيوسياسية الحالية.

وكتب في بريد إلكتروني أرسله إلى فريق عمله، أواخر عام 2017، قائلا: "قررت عدم الترشح لولاية ثانية مدتها أربع سنوات، إذ أن الإقدام على ذلك في الظروف الجيوسياسية الحالية قد يتطلب الركوع والتوسل، وتقليص استقلالية صوتي، الذي هو صوتكم، ونزاهته".


ترامب وإسرائيل

ويرى مراقبون أن إعلانه عدم الترشح لولاية أخرى يرتبط بشدة بمعارضته لقرار ترامب.

وآخر هذه الضغوط، كشفت عنها تقارير عبرية وأمريكية، بينت أن إدارة ترامب، وبتحريض إسرائيلي، حاولت ثني بن رعد عن نشر قائمة سوداء بأسماء شركات تعمل في مستوطنات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.

وبحسب المصادر العبرية، فإن الضغوط الإسرائيلية على الأمم المتحدة تسببت بتأجيل نشر القائمة لغاية 2018، لكن هذا التأجيل لم يغير موقف بن رعد من ضرورة نشرها.

وأمر مجلس حقوق الإنسان في عام 2016، بإنشاء قاعدة بيانات بالشركات العاملة بمستوطنات الضفة الغربية المحتلة، داعيا المفوض السامي لحقوق الإنسان "للتحقيق من تبعات المستوطنات الإسرائيلية على الفلسطينيين".

وكان قد عارض بشدة قرار ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة "عاصمة لإسرائيل"، وإصداره أوامر لوزارة الخارجية ببدء إجراءات نقل السفارة من تل أبيب إليها.

وقال الأمير زيد: "إن إسرائيل تحرم الفلسطينيين بشكل منهجي من حقوقهم الإنسانية".

وأضاف في أيار/ مايو الماضي، أن "1.9 مليون في غزة محبوسون في عشوائيات سامة من المولد وحتى الموت".

ومن المبادرات التي أعلن تأييده لها، المبادرة الفرنسية من أجل إصلاح مجلس الأمن الدولي، التي تريد حظر استخدام الفيتو لاعتراض التصويت في حالات الفظائع واسعة النطاق.

وكان واضحا التضارب بين مواقفه ومواقف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس.

ورفض فغوتيريس في أكثر من مناسبة إطلاق أي تصريحات قد تغضب الدول الكبرى أو ذات التأثير القوي في الأمم المتحدة بسبب موقعها الدولي أو أموالها.

أما المفوض السامي، فكان أكثر وضوحا مما أحرج في أكثر من مرة الأمين العام، الذي يحاول أن يمسك العصا من الوسط دون فائدة.

الأمير العربي سيترك منصبه، لأن حقوق الإنسان في تراجع كبير في جميع دول العالم. ولم تبق دولة لم تغضب منه، لأنه يرفض المجاملة أو الصمت أو التجمل أمام الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية في شتى بقاع الأرض.

وبحسب ما قاله حقوقيون، فإن العالم سيخسر رجلا مباشرا وصريحا، ومستفزا لبعض العواصم، حاول أن يكشف ما حاولت الحكومات بقوتها العسكرية والسياسية والمالية أن تغطي عليه وتمسح أثاره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق