لم يقوضه ترامب وإنما كشف حقيقته: أسطورة النظام الليبرالي الأمريكي
2018-8-30 | خدمة العصر
كتب الباحث "غراهام أليسون"، أستاذ بكلية كينيدي جامعة هارفارد، في مقال نشره موقع دورية "فورين آفيرز"، أن أفكارا قليلة اكتسبت رواجا أكثر انتشارًا داخل مجتمع السياسة الخارجية الأمريكي في السنوات القليلة الماضية مقارنةً بالنظام الدولي الليبرالي. في مقالي الأخير، "أسطورة النظام الليبرالي"، حددت ثلاثة ادعاءات جوهرية قدمها المدافعون عن هذا النظام: "أولاً ، كان النظام الليبرالي هو السبب الرئيس لما يسمى بالسلام الطويل بين القوى على مدى العقود السبعة الماضية.
ثانيًا، كان بناء هذا النظام هو المحرك الرئيس لانخراط الولايات المتحدة في العالم في تلك الفترة. وثالثاً، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو التهديد الرئيس للنظام الليبرالي، وبالتالي للسلام العالمي. ورأى الكاتب أن كل ادعاء يحتوي على قدر من الحقيقة، لكن كل منها خطأه أكثر من صوابه.
الحقيقة الأكثر إزعاجاً بالنسبة لأولئك الذين يزعمون أن النظام الليبرالي لعب دورا رئيسا في السلام الطويل منذ الحرب العالمية الثانية، هو أن أكثر من 40 سنة من السنوات السبعين السلمية قد تمت أثناء الحرب الباردة. إن عدم وجود نزاع كبير بين القوى "لم يكن نتيجة للنظام الليبرالي، بل هو نتيجة ثانوية لتوازن القوى الخطر بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة". في هذه النقطة، يقول الكاتب، اقتبست من المؤرخ جون لويس جاديس.
لا يحاول "ليسنر وراك-هوبر" ولا "مازار" الدفاع عن الاقتراح القائل بأن النظام الليبرالي أدى إلى السلام الطويل. ولكن الكاتب في مقالته الأخيرة، المثيرة للجدل، اقتبس من الباحث في العلاقات الدولية، جوزيف ناي، تمسكه بهذا الادعاء، عندما أشار إلى أن "النجاح الواضح للنظام (الليبرالي) في المساعدة على تأمين واستقرار العالم على مدى العقود السبعة الماضية".
في الواقع، في السنوات الأخيرة، دافع العديد من المؤلفين عن نسخ من هذه الرؤية في الشؤون الخارجية. لننظر إلى اقتراح "جون إكنبيري"، الذي صدر في العام الماضي، القائل بأن المدافعين عن النظام اللبرالي "يجب أن يبدأوا باسترداد السرد الرئيس للسنوات السبعين الماضية. . . . لقد نجا العالم من حرب القوى العظمى".
في الشهر الماضي، اشترى 43 باحثًا دوليًا بارزًا حيزا في صحيفة "نيويورك تايمز" لنشر بيان بعنوان: "لماذا يجب علينا الحفاظ على المؤسسات والنظام الدولي". أقوى ادعاء يقدمونه هو أن "النظام الدولي الذي تم تشكيله بعد الحرب العالمية الثانية. . . ساهم في . . . أطول فترة في التاريخ الحديث دون حرب بين القوى الكبرى"، إن مفردة "ساهم" تثير السؤال التالي: "لكن بكم"؟
إن تحديد الأهمية النسبية للعوامل التي حالت دون حروب القوة العظمى على مدى السنوات السبعين الماضية ليس مجرد تمرين أكاديمي. فإذا لم يكن السلام الطويل مصادفة، وهو أمر يتفق عليه كل من ليسنر وراب-هوبر ومازار، فإن تحديد أي العوامل الأكثر أهمية هو أمر حاسم لإبقائها مستمرة. يزعم "مازار" أن الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومؤسسات أخرى كانت "مكملاً للعوامل الأخرى التي تكفل السلام والازدهار". بالنسبة لكل منها، يجب أن نسأل: هل كان ذلك ضروريًا؟ لو لم تكن موجودة، فهل ستذهب القوى العظمى إلى الحرب؟ ثم ينبغي أن نسأل: هل يكفي هذا لضمان السلام؟
كان العامل الوحيد في نظام ما بعد الحرب الذي كان كافيا، في حد ذاته، للحفاظ على السلام هو الجمع بين القوة العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة مع تصميم القادة الأميركيين على استخدام تلك القوة لاحتواء الاتحاد السوفييتي وفي النهاية إلحاق الهزيمة به.
أوافق على أنه في إنشاء الأمم المتحدة وإنشاء مؤسسات بريتون وودز وإعادة إعمار ديمقراطيات ألمانيا واليابان وتعزيز حقوق الإنسان، كانت الولايات المتحدة تعمل بشكل جيد، وأن تقويض هذه الجوانب من النظام العالمي يضر بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة، لكنَ أياً من الردود لا يقدم حجة مقنعة بأن أيًا منها كان كافياً أو ضروريا لسلام طويل. ومن الجدير بالذكر أن العديد من التحالفات والاصطفافات غير الليبرالية، من التحالف الغربي مع الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية إلى توافق الولايات المتحدة مع الصين الشيوعية ضد الاتحاد السوفيتي منذ السبعينيات، أسهمت أيضًا في الانتصار في الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة.
* التهديد السوفيتي:
الادعاء الثاني، أن الحاجة إلى بناء النظام الليبرالي دفعت الولايات المتحدة إلى التخلي عن عزلتها التقليدية، كما أعرب عن هذا أستاذ العلوم السياسية، ناي. وقد كتب: "النجاح الواضح للنظام الدولي الليبرالي. . . أدى إلى إجماع قوي على أن الدفاع عن هذا النظام وتعميقه وتوسيعه كان ولا يزال يشكل المهمة المركزية للسياسة الخارجية الأمريكية".
أزعم أنه على العكس من ذلك، فإن المحرك المركزي لانخراط الولايات المتحدة في العالم في هذه العقود لم يكن الرغبة في دفع الليبرالية خارج الحدود ولا بالحاجة إلى بناء نظام دولي ليبرالي. لقد كان تصميم القادة على القيام بكل ما يرونه ضروريا للحفاظ على الديمقراطية الليبرالية في دولة واحدة فقط، الولايات المتحدة، مما يعتبرونه تهديدًا وجوديًا للشيوعية السوفيتية.
يستشهد "مازار" بالمؤرخ "مارك مازورز" لدعم موقفه بأن هدف واشنطن الأصلي ذهب أبعد من الاحتواء. ولكن كما يشير "مازور" بنفسه بحق: "كان أنموذج منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) هو معاهدة البلدان الأمريكية لعام 1947 للمساعدة المتبادلة التي افتتحت من خلال الحديث عن الأمم المتحدة والحاجة لتجنب الحرب بين الموقعين، ولكن كان في الواقع تحالفاً عسكرياً ضد التهديد من خارج نصف الكرة الأرضية".
أتفق مع كل من الردود بأن النظام الليبرالي يشكل جزءًا من تفسير المشاركة الأمريكية في الأحداث الخارجيو. وكما قلت، لم تهدف الولايات المتحدة أبداً إلى الحفاظ على الديمقراطية الليبرالية في الوطن، وفقط، فعندما أعادت بناء خصومها المهزومين بعد الحرب العالمية الثانية ودعمت حلفاءها في أوروبا الغربية، سعت أمريكا لبناء ديمقراطيات ليبرالية. لكن هذه الجهود كانت، كما أقترح، لبنات بناء في نظام مصمم أولاً وقبل كل شيء لهزيمة الاتحاد السوفيتي. لو لم يكن هناك تهديد سوفيتي، لما كانت هناك خطة مارشال ولا حلف شمال الأطلسي. وكما كتبت: "لم تروج الولايات المتحدة أبدًا لليبرالية في الخارج عندما اعتقدت أن ذلك سيشكل تهديدًا كبيرًا لمصالحها الحيوية في الداخل".
* أبعد من ترامب:
أما ما يتعلق الأمر بالادعاء الثالث الذي قدمه العديد من أنصار النظام الليبرالي، فإن ترامب يمثل التهديد الرئيس للنظام العالمي، فإني أتفق معهم على أن سوء فهم ترامب للقوة التي تأتي من الوحدة مع الحلفاء وسحب الولايات المتحدة من المبادرات التي دافعت عنها الإدارات السابقة، والتي تهدف إلى تعزيز التجارة العادلة وتقييد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، من شأن كل هذا أن يقوض النظام الدولي الليبرالي. لكنني أزعم أن تراجع القوة العالمية للولايات المتحدة، والصعود الفضائي للصين، وعودة روسيا، والأهم من كل ذلك، الفشل الطويل الأمد للديمقراطية الأمريكية، أهم من ترامب.
في الفصل الأخير من كتابي الأخير حول التحدي الصيني، تساءلت: "ما الذي يشكل أكبر تهديد منفرد لمكانة أمريكا في العالم؟"، والإجابة كما خلصت إليها: "إخفاقات النظام السياسي الأمريكي". فالتحدي الذي يواجه الأميركيين اليوم ليس أقل من إعادة بناء ديمقراطية ناجحة داخل حدود بلدهم. للأسف، فقد الكثير من الأمريكيين، خاصةً في مجتمع السياسة الخارجية، إحساس الآباء المؤسسين الحريصين على كيفية إنجاح التجربة الأمريكية الجريئة والخطرة في الحكم الذاتي.
بينما يحاول الأمريكيون لتفعيل الليبرالية في الوطن، يجب ألا تتشبث السياسة الخارجية للولايات المتحدة بالوضع الراهن أو تحاول العودة إلى ماضٍ متخيل عندما صاغت الولايات المتحدة العالم على صورتها. وكما كتبت، فإن الأميركيين يحتاجون إلى "طفرة من الخيال الإستراتيجي إلى أبعد من الحكمة التقليدية الحالية...". هذا سهل قوله، ولكن من الصعب القيام به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق