الديّةّ بدل القصاص..
أي عدل تسعى إليه الرياض بقضية خاشقجي؟
عدنان نصار
أفقيا وعاموديا؛ اتسع نطاق الأسئلة عن جثة جمال أو بقايا الجثة، على المستويين الأوروبي والأمريكي، فيما بقي السؤال في المنظومة العربية الرسمية داخل دائرة مغلقة، مغلفّةّ بالحرج، ويجيء السؤال أحيانا بشكل خجول وبالخفاء، ومن باب رفع العتب خشية غضب، يجيء على شكل "وقف المساعدات".
في تركيا؛ الأمر مختلف فالسؤال ذاته كان وما زال المحور الرئيسي للقضاء التركي وللساسة في أعلى مستوياتها، منذ اللحظة الأولى لاختفاء جمال وبعد التأكد من مقتلة في قنصلية بلاده.. وراحت دائرة السؤال باتجاه التدحرج حتى صارت الشغل الشاغل عالميا، بعد أن نجحت تركيا بامتياز في إدارة الملف وجعلت السؤال يأخذ نطاق العالمية، وعبر كل المنصات الرسمية والشعبية، وتحولت اسطنبول إلى قبلة الصحافة على مدار شهر وأكثر، وأمسى جمال (خبر) بعد أن كان يصنع الخبر.
ثمة إجماع؛ على أن ما حصل تصفية سياسية وجنائية بطريقة وحشية.. هذا الاتساع في الإجماع الأممي؛ جعل من كرة الثلج التي تتدحرج تكبر وتكبر، حتى ضاقت بها مساحة "الربع الخالي" على اتساعها، وثمة من يسعى لإيقافها "دونالد ترامب وصهره" خشية أن تطيح برؤوس ترتبط بمصالح مالية ظنت نفسها فوق القانون. في المجمل، تصبّ الأسئلة كلها في قناة واحدة: "أين جثة جمال"، ثم ما هو مصير العلاقة السعودية الأوروبية (الاتحاد الأوروبي) الذي بصدد وضع عقوبات؟
السعودية اعترفت؛ بعد محاصرة "فريق النمور" بالأدلة الجرمية التي جمعتها تركيا، بسرعة وذكاء في تعقب أثر الجريمة، وكان الاعتراف وفق قاعدة "مكره أخاك لا بطل" |
أمام هذا الواقع؛ لم يعد بإمكان السعودية التنصل من مسؤوليتها التاريخية في تصفية الصحفي جمال خاشقجي، كون أمر القتل جاء من أعلى مستوى وفق وسائل إعلام موثوقة، وتسريبات رسمية ولم تعد المؤسسات السعودية الرسمية قادرة على تسويق رواية إضافية، أو اللعب على عامل المساحة الزمنية والمماطلة بهدف "تذويب" القضية، والسعي لتخفيف الأسئلة الإعلامية وصولا للتجفيف الذي تأمل به السعودية، التي أظهرت حجم القلق الداخلي، ومدى تأزمها عالميا أمام واقعة إعدام وتقطيع، كان الهدف من وراءها التخلص من انتقادات موضوعية وبنّاءة وموقف متزن للصحفي خاشقجي عبر كتاباته منذ التحاقه بصحيفة "واشنطن بوست".
السعودية اعترفت؛ بعد محاصرة "فريق النمور" بالأدلة الجرمية التي جمعتها تركيا، بسرعة وذكاء في تعقب أثر الجريمة، وكان الاعتراف وفق قاعدة "مكره أخاك لا بطل".. وعلى الرغم من الاعتراف غير المكتمل، والكشف عن مكان الجثة أو على الأغلب بقاياها، وبعد أن ظنت السعودية أن الإعلام الأمريكي بدأ ما بعد خطاب أردوغان بتخفيف حدةّ التغطية المتعلق بقضية خاشقجي، لم يسعفها "حسن ظنها" المبني على "افتراض" الطمأنينة من جهات أمريكية وتحديدا شخص الرئيس "ترامب" بإغلاق الملف.
هذا الافتراض لم يرق للعديد من الجمهوريين والديمقراطيين، مما دفع بالسعودية من جديد اختلاق روايات إعلامية جديدة ممتلئة بالزيف، من مثل اتهام جمال خاشقجي بأنه "إسلامي خطير"، وصديق لأسامه بن لادن، وربما لاحقا يوجه له اتهام بأنه من كبار المسؤولين في تنظيم "داعش"! هذه الاتهامات وغيرها لم تلقى أي قبول في الذهنية الأوروبية والأميركية، بل على العكس عزز هذا الكلام عدم مصداقية أي رواية سعودية قادمة، ناهيك عن تحرك سعودي مواز لوقف، أو فلنقل تخفيف حدّة الإعلام الغربي بالإضافة "لقناة الجزيرة" تحديدا، وإبعاد الضوء عن الشهيد ومقصلته، وأيضا محاولات السعودية تقديم "استثمارات" بالمليارات لتركيا، ورفع الحصار عن قطر مقابل "طي ملف القضية"، وهو ما رفضته تركيا واعتبرت ذلك "رشوة" بهدف السكوت.
السعودية اعترفت؛ بعد محاصرة "فريق النمور" بالأدلة الجرمية التي جمعتها تركيا، بسرعة وذكاء في تعقب أثر الجريمة، وكان الاعتراف وفق قاعدة "مكره أخاك لا بطل".. وعلى الرغم من الاعتراف غير المكتمل، والكشف عن مكان الجثة أو على الأغلب بقاياها، وبعد أن ظنت السعودية أن الإعلام الأمريكي بدأ ما بعد خطاب أردوغان بتخفيف حدةّ التغطية المتعلق بقضية خاشقجي، لم يسعفها "حسن ظنها" المبني على "افتراض" الطمأنينة من جهات أمريكية وتحديدا شخص الرئيس "ترامب" بإغلاق الملف.
هذا الافتراض لم يرق للعديد من الجمهوريين والديمقراطيين، مما دفع بالسعودية من جديد اختلاق روايات إعلامية جديدة ممتلئة بالزيف، من مثل اتهام جمال خاشقجي بأنه "إسلامي خطير"، وصديق لأسامه بن لادن، وربما لاحقا يوجه له اتهام بأنه من كبار المسؤولين في تنظيم "داعش"! هذه الاتهامات وغيرها لم تلقى أي قبول في الذهنية الأوروبية والأميركية، بل على العكس عزز هذا الكلام عدم مصداقية أي رواية سعودية قادمة، ناهيك عن تحرك سعودي مواز لوقف، أو فلنقل تخفيف حدّة الإعلام الغربي بالإضافة "لقناة الجزيرة" تحديدا، وإبعاد الضوء عن الشهيد ومقصلته، وأيضا محاولات السعودية تقديم "استثمارات" بالمليارات لتركيا، ورفع الحصار عن قطر مقابل "طي ملف القضية"، وهو ما رفضته تركيا واعتبرت ذلك "رشوة" بهدف السكوت.
ولعل ما ورد عن السلطات العليا في الرياض، والمتعلق بدفع "الديّةّ" يعد خطيئة اخرى تقع فيها الرياض، لأن الأصل في الموضوع ما حصل للصحفي جمال هو جريمة سياسية وجنائية معد لها مسبقا، وهو ما يعني انه لم يكن القتل ناتج عن حالة دهس خاطئ مثلا، أو شجار عابر وقع في الشارع! وعليه فان ما حصل جريمة ارتكبتها "دولة" بشكل استثنائي في الشكل والتنفيذ و"التقطيع"، ولا يتم إنهاء القضية بدفع الدّية، بل "القصاص" من القتلة وفق الشريعة الإسلامية التي تنتهجها السعودية.
الموقف التركي بطبيعة الحال؛ مارس سيادته على نفسه ـ وما زال ـ وفق رؤى واضحة، تجسد الموقف السيادي، لأنه باختصار جريمة بهذا المستوى وعلى الأرض التركية، تعدّ تحديا صارخا واعتداء على سيادة دولة رغم أن الجريمة وقعت في قنصلية السعودية في اسطنبول، ذلك لا يعفي مسائلة السعودية من جريمة ارتكبت بمستوى عال من الفظاعة.. وأظن أن تركيا ستستمر في طلباتها حتى تصل خط النهاية، وكشف ملابسات الجريمة، والإجابة على السؤال الأكثر حضورا: "أين الجثة؟".
هذه "الحكمة" التي تستخدمها واشنطن، ربما تحمل هي الأخرى مضامين "التستر على الجريمة" لحماية (شخص ما) أمر بتنفيذ جريمة بهذا المستوى من الإمكانيات البشرية والتقنية والمالية
حكمة التحقيقات التي تنتهجها واشنطن، تجيء بعد أكثر من شهر على مقتل خاشقجي، وأكثر من تصريح للرئيس ترامب جمع فيها جملة متناقضات في هذه القضية على وجه الخصوص، مما أدى ذلك الى طرح سؤال إضافي: "إلى أين يتجه ترامب في هذه القضية؟" وماذا يدور في خلد الرجل بعد كل هذه التأكيدات من الجانب التركي بمقتل خاشقجي واعتراف السعودية الذي جاء بعد أسبوعين من وقوع الجريمة.. يضاف إلى ذلك "المهلة الطويلة"؛ في إجراء التحقيق السعودي الذي يحمل في مضامينه البحث عن مخرج لإنقاذ شخص ما وفق وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
هذه "الحكمة" التي تستخدمها واشنطن، ربما تحمل هي الأخرى مضامين "التستر على الجريمة" لحماية (شخص ما) أمر بتنفيذ جريمة بهذا المستوى من الإمكانيات البشرية والتقنية والمالية "الطائرات الخاصة" التي أقلّت فريق الإعدام، في رحلة الذهاب والاياب بسرعة قياسية لجريمة استغرقت 22 دقيقة خنقا وتقطيعا وإخفاءا!
هذه "الحكمة" التي تستخدمها واشنطن، ربما تحمل هي الأخرى مضامين "التستر على الجريمة" لحماية (شخص ما) أمر بتنفيذ جريمة بهذا المستوى من الإمكانيات البشرية والتقنية والمالية "الطائرات الخاصة" التي أقلّت فريق الإعدام، في رحلة الذهاب والاياب بسرعة قياسية لجريمة استغرقت 22 دقيقة خنقا وتقطيعا وإخفاءا!
السؤال المقبل: هل تسعى تركيا إلى إحداث مفاجئة من النوع الثقيل في ملف خاشقجي، لم تكن في حسبان السعودية.. وهل "حكمة" واشنطن قادرة على احتواء المفاجئة المفترضة وتتستر على جريمة خارجة على المألوف والقانون وحقوق الإنسان الذي تتشدق أميركا بحمل صولجانه. ثم نعود لطرح السؤال الذي أخذ صفة العالمية: "أين جثة جمال"؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق