أردوغان إذ يلتقي بن سلمان
وائل قنديل
ليس معلومًا على وجه اليقين ما إذا كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سيلتقي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على هامش اجتماعات قمة العشرين في الأرجنتين، بعد أيام، أم لا .. ولكن طرح هذا الأمر عبر وكالة أنباء الأناضول التركية، الرسمية، على لسان متحدث الرئاسة التركية، يعني أن ثمة تحضيرًا لذهنية المتلقي لاستقبال هذا الحدث، حال وقوعه.
صحيحٌ أن قناة تلفزيونية تركية أعلنت أن أردوغان لن يلتقي بن سلمان، لكن هذا قوبل بتصريح من مصدر رسمي من الرئاسة التركية يقول إن الرئاسة لا علم لها بما أعلنته القناة، وهذا يعني أن الموضوع، إعلانًا ثم نفيًا، مسألة تركية خالصة، بما يشابه تصريح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المثير للسخرية "بن سلمان ربما كان يعلم، وربما لم يكن يعلم".
وهذا كله في إطار دراما سياسية مثيرة، بدأت عقب لقاءات باريس بين أردوغان وترامب، وزعماء أوروبيين، على هامش احتفالات مئوية الحرب العالمية الأولى.
تلك الحرب التي انتهت بوعد بلفور الشهير الذي منح الكيان الصهيوني رخصة احتلال فلسطين، والبقاء والتوسع، تحت رعاية القوى الغربية، ليرفع الستار عن وعد جديد، صامت، بانتشال ولي العهد السعودي من ورطة الضلوع في الجريمة السياسية الأبشع، اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي، وتعذيبه وتقطيع جثته، بعد عمليةٍ، تمت بأوامر من أعلى مستويات السلطة السعودية (بتعبير أردوغان)، وصارت حديث العالم على مدار شهرين تقريبًا.
ويبدو أنه في باريس صدر "وعد ترامب" بالحفاظ على بن سلمان، والذي هو حفاظًا على المصلحة الأميركية والإسرائيلية، بتعبير ترامب الصريح والمباشر.
وغني عن القول إن القبول بوجود بن سلمان في قمة العشرين، إن حدث، هو من أوجه الإقرار بمنطق التاجر الشاطر دونالد ترامب، وإسباغًا لشرعية أخلاقية على ولي العهد السعودي، الذي لا يزال متهمًا رئيسًا، بنظر الضمير العالمي، في جريمة خاشقجي. وبذلك تتم التضحية بالقيم الإنسانية والأخلاقية، وبالعدالة، ثمنًا للمصلحة المادية المباشرة، الأمر الذي يعد اعترافًا صريحًا بالداعشية الرسمية، فيما يزعم زعماء العالم الحر أنهم يحاربون "داعش"، حماية للقيم الإنسانية.
من هنا، يصبح لقاء أردوغان بن سلمان، إن وقع، بمثابة انتحار سياسي وأخلاقي مضاعف، لرجل يتخذ موقفًا سياسيًا وإنسانيًا محترمًا، حتى الآن، في مأساة خاشقجي. ولا تصلح في هذه الحالة أية تبريرات من نوعية المواجهة بالأدلة على رؤوس الأشهاد، لأن ما سيبقى أن زعماء العشرين قبلوا بوجود متهم بجريمة ضد الإنسانية بينهم، ولا أدري كيف ستمتد الأيدي للمصافحة، وكيف تلتقي الأعين بالأعين، بينما الرأي العام العالمي كله لا يزال مصدومًا بوحشية ما جرى وفداحته.
لقد قسمت مأساة خاشقجي العالم إلى محورين، أحدهما يشمل ترامب وبن سلمان، وشركاءه من الطغاة الصغار، الذين يمر بهم ولي العهد السعودي، قبل التوجه إلى قمة العشرين. وفي المحور الآخر أغلبية مطلقة لا تزال ترفض "وعد ترامب"، وعلى رأسها الرئيس التركي الذي يبدو متمسكًا بالعدالة الكاملة في قضية خاشقجي، ومن ثم تصبح احتمالية لقائه بن سلمان أشبه بلغم يوشك أن ينفجر، فيطيح الصورة الرائعة التي منحت أردوغان جدارةً سياسيةً وأخلاقية، لاعبًا أساسيًا، على خريطة السياسة الدولية، وأظن أن دهاء الرجل من المفترض أن يعفيه من تلك اللحظة التي سيظهر فيها كأنه مقر بمنطق دونالد ترامب، وفي ذلك الخسارة الفادحة، ليس بالقياس الأخلاقي فقط، وإنما أيضا بالمعايير السياسية البراغماتية، وهذا ما لا نتمناه للثعلب التركي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق