الجمعة، 16 نوفمبر 2018

الصهيوني والأكثر صهيونية

الصهيوني والأكثر صهيونية



وائل قنديل
في مصر جهاز، يعمل في مساحة بين الخارجية والمخابرات، اسمه الهيئة العامة للاستعلامات، يجلس على رأسه الآن شخصٌ اسمه ضياء رشوان، كان نقيبًا للصحافيين المصريين وباحثًا في شؤون الحركات الإسلامية. لا يترك هذا الشخص كلمة أو عبارة تمر عبر الفضاء التلفزيوني والإلكتروني إلا ويصدر بشأنها بيان، يفترس صاحب العبارة، ويتهمه بالإساءة إلى الحكومة المصرية.

يدافع طوال الوقت عن سياسات الإخفاء القسري، ويكون هصورًا على كل من ينتقد الحالة المشينة التي باتت عليها حالة حقوق الإنسان في مصر، لكنه يصمت صمت الحملان، حين تخرج الميديا الإسرائيلية بتصريحاتٍ تقول فيها إن الجنرال عبد الفتاح السيسي هو حارس المصلحة الإسرائيلية، والخادم الوفي للسياسات الصهيونية.

عقب العدوان أخيرا على غزة، خرج باحث صهيوني على قناة فرنسية، وأعلن، بلسانٍ عربيٍّ، أن عبد الفتاح السيسي أكثر منه صهيونيةً، وذلك بحضور ضيف مصري آخر، من أتباع نظام السيسي لم يستطع أن يرد.

هكذا، من دون مواربة، يقول الصهيوني القح، إيدي كوهين، لشريكه المصري في الحوار إن حاكم مصر أكثر صهيونيةً من غلاة الصهاينة، وكان المنتظر أن تنتفض الخارجية المصرية، وتغضب هيئة الاستعلامات، ويستل ضياء رشوان سيفه، ويلقن هذا الصهيوني درسًا، غير أن شيئا من ذلك لم يحدث، حتى الآن، وأظنه لن يحدث، كما في مراتٍ كثيرةٍ سابقة، فضحت فيها وسائل الإعلام الصهيونية عمق العلاقة ودفئها بين السيسي والكيان الصهيوني المحتل، ولم نسمع أن جهةً مصرية، رسمية أو غير رسمية، غضبت أو استنكرت أو رفضت هذه الادعاءات.

هم فقط متفرّغون للحرب على المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، والتصدّي لتقارير العفو الدولية والفيدرالية الدولية، الخاصة بالحريات وحقوق الإنسان في مصر، وبالطبع الإعلاميْن، القطري والتركي، و"بي بي سي" و"واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، إلى آخر هذه المنابر (الإخوانية)، بحسب توصيف إعلام مصر استقر في قاع المهنية والأخلاقية.

غير أنهم، من زاوية أخرى، يصمتون على ما ينشر تأكيدًا لتبعية النظام للكيان الصهيوني، باعتبار ذلك يرفع رصيده في بنك الرضا الصهيوني، ويضاعف المكاسب من الأداء المساير لما تتمناه إسرائيل من حاكم عربي، يدين بالفضل في وصوله إلى السلطة للدعم الصهيوني.

قديمًا، كان الصهاينة أكثر تحفظًا في الكلام عن الخدمات التي يتلقونها من حكامٍ عرب، يرعون مصالح إسرائيل، طلبًا للرضا والقبول، فيلمحون أكثر مما يصرحون، كما فعلت تسيبي ليفني، تعليقًا على الموقف العربي الرسمي من الحرب على غزة في العام 2009 فقالت، في حوار مع "نيوزويك" و"واشنطن بوست" "لا أريد أن أحرج أيا كان، ولكني أعلم أنني أمثل مصالحهم أيضا. لم يعد الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، أو الصراع اليهودي - العربي، ولكنه صراع بين المعتدلين والمتطرفين. هذه هي الطريقة التي تنقسم بها المنطقة حاليا".

الآن، لم يعد أحدٌ يستشعر الحرج، أو يخشى الانكشاف، فالكل يتسابق في طلب الرضا الصهيوني، زحفًا وهرولًة، وبات البوح بالتصهين من ضرورات المصلحة، حتى بات نتنياهو نفسه في حرجٍ من الهرولة، في فترةٍ وصفها السفير الصهيوني في القاهرة، لوكالة أسوشيتد برس الأميركية، بالقول "هذا من أفضل أوقات التعاون بين مصر وإسرائيل.. هناك تعاونٌ جيد بين الجيشين، ولدينا تفاهمات حول سيناء".  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق