أمة بلا قادة
11 نوفمبر، 2018
إحسان الفقيه“الأمة الإسلامية إلى خير، ولكن المشكلة في القيادة”، ذلك هو شعار مجلة الفتح التي كان يصدرها الإصلاحي السوري محب الدين الخطيب، يُعبّر بها عن فقر الأمة في وجود القيادة الحقيقية التي تلتفُّ حولها الجماهير لسلوك طريق النهضة.
غياب القيادة الواعية الراشدة في أمتنا ليس بسبب الافتقار إلى الأدوات والإمكانات التي تؤهلهم لقيادة الأمة، خاصة في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية التي أفرزت ُطرقًا جديدة للإدارة الحديثة تعتمد على فريق العمل.
وليس غياب القيادة المنشودة مَردُّهُ إلى افتقار النخب إلى الكاريزما، فكثير من حكام الدول العربية كانوا يتمتعون بكاريزما عالية أمثال جمال عبد الناصر وصدام حسين وغيرهما، ومع ذلك لم نجد إلى الآن ذلك القائد الذي تلتف حوله الجماهير بقناعة وصدق من أجل رفعة البلاد.
لم يكن نبوغ الزعيم النازي هتلر والتفاف الشعب الألماني حوله بسبب الكاريزما التي كان يتمتع بها، وليس بسبب الخطب النارية التي كان بارعًا في إلقائها، السر في هذا الالتفاف هو قناعتهم به بسبب تفانيه في السعي إلى سيطرة الجنس الآري الذي جعله يصطدم بالقومية اليهودية المنافسة، ذلك هو ما ينشده كل شعب، أن ينطلق زعيمه وقائده من مصالح الأمة وحاجتها، الشعور بأن هذا القائد يبذل نفسه ووقته وحياته من أجل شعبه، بعيدا عن الأطماع الشخصية والرغبة المفضوحة في الاستئثار بالعرش أطول فترة ممكنة مهما كلّفه الأمر.
المفكر الإسلامي الدكتور محمد العبدة يقول في بعض رسائل دروب النهضة :”ليس من الضروري أن تكون هذه الصفوة متميزة بذكاء يفوق ذكاء الآخرين، ولكنها من النوع المرهف الإحساس، القلِق على أوضاع الأمة”.
الأمة تحتاج إلى مثل هذا القائد الذي لا هم له سوى مصالح الجماهير، حينئذ سوف تتبعه طواعية وعن قناعة لا بالسوط والعصا والعسف والإرهاب.
القائد الذي يستطيع تجسير الفجوة بينه وبين شعبه، لا يشعرهم بأنهم عبيده أو هو مالكهم، فليس هناك كوكب للحكام وآخر للمحكومين.
القائد الذي يستقوي بشعبه على كل قُوى الأرض لا الذي يستقوي بالقوى الخارجية على شعبه لإطفاء غضبهم.
القائد الذي يرى نفسه موظفًا لدى شعبه لا مالكًا لثرواتهم ومقدراتهم يرْتع فيه ثم يُلقي لهم بالفتات، ومع الأسف لا نجد صورًا تعبر عن ذلك إلا في الدول الغربية التي يستقلّ فيها الزعماء والنخب الدراجات ووسائل المواصلات العامة، ويمشون في الأسواق كبقية الناس يشترون بخالص أموالهم، وكأنهم قد استفادوا من سير الخلفاء الراشدين التي تنكّرنا لها.
القائد الذي يُصارح شعبه وينتهج معه أسلوب عرض الحقائق لا إخفاءها وتدليسها، لقد كان سبب نجاح رئيس الوزراء البريطاني تشرشل في قيادة الرأي العام البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية أنه صارح الشعب بالحقائق فكانت حماية له من الحرب النفسية.
القائد الذي ينطلق من الهوية الثقافية لشعبه، ويعتز بها، ويُربي الناشئة عليها، لا الذي يتنكر لها وينسلخ منها ويسعى لتغريب وجه الحياة العامة في دولته والزجّ فيها في شلال العولمة.
ولله در المفكر محمد الغزالي إذ يصرخ في كتاب الحق المر قائلًا: أسمع القائد الزنجى “جارانج ” يصرح بأنه إذا دخل السودان فيجب أن يخرج الإسلام، تتبعه العروبة مقهورة مدحورة!
وأسمع الرئيس اليهودى ” شامير ” يقول للعالمين: ليست للعرب ذرة من حق في فلسطين! لا مكان لهم على شبر من الأرض! هذا ميراثنا كما سجلته التوراة لنا وحدنا!! أما الرؤساء العرب، فلا تجري على ألسنتهم كلمة القرآن”.
متى نعي أن القائد المسلم صاحب المنطلقات الإسلامية ليس ملازمًا لوصف العنصري الطائفي الذي يلغى حق المواطنة، الهوية الثقافية للوطن العربي هي الإسلام الذي يُمثل للمسلمين عقيدة وشريعة، ويمثل لغير المسلمين حضارة كانوا من مكوناتها الأساسية عبر العصور، وهي الفلسفة الجامعة التي كان يعيش بها الجميع في سلام.
القائد هو الذي لا يدعي العصمة وديمومة الرأي السديد، لكنه يؤمن بالتجربة ويرحب بالنقد البناء، ويستفيد من الأخطاء التي كشفت عنها التجربة، ويؤمن بالقيادة الجماعية لا حكم الفرد المطلق.
القائد هو الذي يتعامل على أساس أن زعامته مستمدة من إرادة الشعب، ويرى أن القيادة الحقيقية هي الاستجابة لمطالب ذلك الشعب والتعبير عنها وإيجاد الوسائل لتحقيقها.
القائد لابد له من غايات كبرى ورسالة يعبر عنها بوضوح ويُوصلها إلى كل فرد وكل مؤسسة وكل مكون مجتمعي، لقد كان حلم السياسي بسمارت الملقب بالمستشار الحديدي توحيد الولايات الألمانية وإنشاء إمبراطورية ألمانية في مواجهة التجمع السلافي والتجمع اللاتيني، فكانت تلك رسالته التي أسكبها في عروق الجميع، حتى تحقق حلمه.
كأني أسمع القارئ يسميني بالكاتبة الحالمة، لكن الحقيقة أن ما عرضته من سمات القيادة الحقيقية ليس صورة مثالية غير قابلة للتطبيق.
ولا أبالغ إن قلت بأنها ضمانات تشد مُلك القادة والحكام، المراهنة على الشعوب هي الحقيقة، والمراهنة على البيت الأبيض والأحمر هي السراب.
يا حكام أمتنا والله ليس لكم إلا شعوبكم، هي التي ستحميكم وترفعكم، فقط كونوا لها كما أنكم منها، كفاكم شقاقًا مع الشعوب، إلى متى ستظلون بعيدين عن أحلامها وتطلعاتها؟ حافظوا على شعوبكم تحفظ لكم عروشكم، وإن ضيعتموها فمُلْكُكم إلى زوال. وتذكروا يوم أن سقطت غرناطة وقف ملِكها المستسلم يلقي النظرة الأخيرة على مُلك قد بدّده، وحينها قالت له أمه “ابكِ كالنساء على مُلك لم تحافظ عليه كالرجال”، وبالإشارة يفهم اللبيب، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق