الخميس، 20 أغسطس 2020

هل تنتصر في محيط لا يسمح بالانتصار؟!

هل تنتصر في محيط لا يسمح بالانتصار؟!

ومنذ سنوات نقول إن ما يحدث يوميا في مصر كفيل بمئات الثورات والألاف من الانتفاضات والموجات الثورية ولكنك تصاب بالصدمة حينما ترى الأحداث تمر عادية فماذا حدث وماذا يحدث؟
علي أبو هميلة
عندما تنظر إلى الحالة العامة في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه يأتيك احساس عام بالإحباط؛ فهذه البقعة من جغرافية العالم قد أصابها على مدى أعوام طويلة ما يشبه الشلل عن الفعل إذ تفتتت بقدر لم يستطع عقل ان يستوعبه، فمعاركها ضد اعدائها صارت معارك بين اجزاء منها وبعضها بعضا، هكذا حال أمة كانت في يوم ما تقود العالم كتلة واحدة!
خطط لها الاعداء فصار واقعها ما نراه الأن إذ وضعت الحدود ثم وضعت المصالح عبر حكام لم يمثلوا شعوبهم على الحقيقة، فصار صراع نفوذ بينهم وفي هذا نجحت الصهيونية وما وراءها عبر أعوام واعوام.
 نجحت خطتهم وفشلنا، هكذا الحال في أمة صار الكذب عنوانا لحكامها وإعلامها، وعندما تترك اللقطة المكبرة التي تأخذ منها النظر وتنتقل الى لقطة اقل حجما لترى القلب في الخريطة فلا شك أنك سترى مصر..
مصر كانت القلب دوما فماذا حدث، وماذا يحدث في مصر؟
 مصائب قد لا تستطيع رصدها من كثرتها يوميا قد تهبط على راسك كارثة..
 ومنذ سنوات نقول إن ما يحدث يوميا في مصر كفيل بمئات الثورات والألاف من الانتفاضات والموجات الثورية ولكنك تصاب بالصدمة حينما ترى الأحداث تمر عادية فماذا حدث وماذا يحدث؟
كنت لفترات طويلة أظن هذا يعود إلى المصري وسماته فهو صابر صبره على زرعته التي هي مهنته الأولى تاريخيا منذ عرف النهر، يحمل المصري تراثا يجعل هذه الأبيات الشعرية العامية مناسبة تماما لحاله:
عم بطاطا يزك الزكة
يعبر سينا ويفتح عكا
وبيصبر على الجار السوا
خمسين سنة ويقول دول فكة
الصبر على مبارك:
هكذا صبره والا لما صبر على مبارك ٣٠ سنة من عمره فكة كما يراها.. لكن صرت احاول أن أفكر في طريق جديد واسأل عقلي السؤال المحير: هل أحوال المصريين وظروفهم تسمح بالثورة او تسمح بالانتصار على كل المكائد التي  يتعرضون لها؟  كيف والحال هكذا؟
 بمحاولة بسيطة قد تستطيع أن ترصد حالة من الاحباط العام: فقدان للعمل الجماعي، تفشي حالة من الانتهازية، انتشار الكذب على كل المستويات من جانب النظام ومن جانب الاعلام، وتفشي حالة التصديق الكاذب من الشعب.. محاولات الالتصاق بالجدار والهروب من الواقع سواء بالسخرية او الاكتفاء بالبكاء، حالة من الصراخ عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا يصاحبها أي فعل حتى محاولات التفكير والبحث عن صيغة للخروج من المأزق تقابل بهجمات من الذين يضارون أكثر من الذين تتوجه اليهم  المحاولة.. هكذا حال عام أو ظرف عام لا يسمح بالتفكير في عمل جماعي ينقذنا مما نعانيه!
حاولت أن أجد طريقا ربما يعطيني أملا ثم يعطيكم املا قلت لنأخذ من التاريخ عبرة وسألت السؤال ذاته: متى كانت الظروف سانحة لتحقيق نصرة اصحاب الحق بشكل عقلي؟ نعم متى هل كانت الحالة العامة مواتية لنصر في غزوة بدر مثلا؟
هل تلك الظروف كانت أفضل في غزوة الخندق؟ والإجابة لا لم تكن كفة العقل ترجح انتصارا، ولكنني عدت لأقول كان هناك الرسول صلى الله عليه وسلم.. كان هناك وحي يتنزل.. كان هناك الصحابة المخلصون الذين يحبون أن تُكتب  لهم الشهادة دفاعا عن الدين والرسول فلا مجال هنا للمقارنة.
بلطاي لم يمت:
حاولت البحث عن ظرف مناسب لحال الأمة وبالتالى يمكن مقارنته بالوضع الحالى وقد ساعدنا ما تم بين دولة الإمارات والكيان الصهيوني من تحول التطبيع السري بينهم الى معاهدة علنية، واعلان الكيان الصهيوني عن توقع دول أخرى تطبع سريا سيحول إلى تطبيع علني مثل الإمارات.. كل هذا ذكرني بمقولة شهيرة جاءت في فيلم (وا إسلاماه) المأخوذ عن رواية على احمد باكثير بنفس الاسم. الجملة كانت شهيرة جدا وتقول: بلطاي لم يمت!
من بلطاي؟ بلطاي هو واحد من جواسيس التتار وماذا فعل؟  هيئ بلطاي كل الظروف في مصر لدخول التتار الىها بالاستسلام حتى في لحظة دخول رسل التتار مصر لم يكن هناك حاكم على كرسي الحكم، وبالتالى فكل الظروف مهيأة لدخول ناعم للتتار مصر بعد أن اقتحموا العراق وتم هدمها ثم بلاد الشام حيث ارتكبوا أبشع الجرائم..
اذن اجتاح التتار العراق وبلاد الشام وكان دور بلطاي الجاسوس التتري في مصر هو تجهيز المسرح المصري لدخول التتار اليها استسلاما بلا حرب وكانت كل الظروف تدعم ذلك بعد وفاة الصالح نجم الدين أيوب سلطان مصر، وبدأ الصراع حول خلافته ما بين قيادات المماليك خاصة عزالدين أيبك المملوكي واقطاي أحد قواد المماليك ، وكانت الغلبة لعزالدين أيبك، وتم التخلص من اقطاي.
ثم تخلصت شجرة الدر من أيبك بمساعدة بلطاي الجاسوس التتري وتوالت عمليات القتل بمقتل شجرة الدر على يد زوجة أيبك لتصل رسالة الجاسوس: حان وقت الهجوم فمصر بلا سلطان، المماليك منهكة من الصراعات الداخلية.. الجو العام مسمم من الحوادث المتتالىة العامة.. يعانون من الفقر ويعلمون من الصراعات بين القيادات التي اختفت واحدة تلو الأخر.
 يصل رسول التتار وهو متأكد من أن مصر سترفع الراية البيضاء فقد انهزم العراق والشام وكانوا في حال أفضل كثيرا من حال مصر، وعلى المصريين الاستسلام او الموت تحت نيران التتار فلا قبل لهم في هذه الحالة التي وصلت لها لمواجهة جيوش التتار..
كل الوقائع وكل الأحوال هنا لا تبشر بنصر، فكيف لبلد بلا سلطان أو ملك، وبجنود منهكة في صراع داخلي وبشعب في حالة فقر أن يتصدى التتار الذين أكلوا كل بلاد العرب والاسلام؟
ما أشبه الليلة بالبارحة، لكن جواسيس التتار صاروا ملوكا للعرب ورؤساء فماذا ننتظر؟ يعلمنا درس التاريخ أن العبرة هنا للشعب ففي لحظة دخول رسول التتار الى قصر السلطنة لم يكن هناك قائد يواجه، ومع خروجه كان لمصر قائد عظيم هو السلطان المظفر قطز ،وبجواره محارب شجاع وفارس هو السلطان الظاهر بيبرس، وهكذا في لحظة قمة الضعف ولد من يقود الشعب المصري ويعيد ترتيب جيشه لينتصر على التتار ويجليهم عن كل الأرض العربية ويعيد بهاء الدولة الإسلامية
هل هناك مؤشر إلى حدوث ذلك الان؟ قد نرى جميعا أنه لا يوجد هذا المؤشر كما كان الحال حين دخل التتار ورسولهم الى أرض مصر؛ لكن في قلب هذا الشعب وهذه الأمة دائما ما يجعلها تنهض من كبوتها وتعيد بهاء الثورة وتعيد بهاء مصر والأمة رغم كل ما نعانيه فالصورة الظاهرة دائما وابدا قد تختلف عن جوهرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق