الاثنين، 24 أغسطس 2020

اعتذار متأخر... ثماني سنوات!

اعتذار متأخر... ثماني سنوات!

خواطر صعلوك

في إحدى أيام عام 2012، كنت جالساً وحدي في المنزل، وجدت دعوة على مواقع التواصل من داعية «سلفي» يدعو فيها للتظاهر أمام السفارة الأميركية احتجاجاً على الفيلم المسيء للإسلام الذي أنتجه وأخرجه ومثّل فيه مواطنون أميركيون، ولأني أحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولأني كنت شاباًَ يرغب في أن يتحول إلى بطل «أسطوري» أو تاريخي بين أمة نائمة، فقد ارتديت دشداشتي وغترتي، وعطرت لحيتي، ووضعت «مسواكي» في جيبي ونزلت إلى الموقع المحدد والمنشور في «تويتر»، وقتها إذا لم تخني الذاكرة، وهناك وجدت نفسي في تجمع حوالي خمسمئة ملتحٍ، صلينا المغرب في المسجد المقابل للسفارة وخرجنا، اصطف الجميع على الرصيف المقابل للسفارة، واصطفت الشرطة أمامنا، ثم فجأة انطلق أحدهم وهو يقول «الله أكبر»... 
وحدث الاشتباك والتدافع مع قوات الشرطة، ووجدت نفسي في المقدمة من دون أن أعي ذلك، ووجدت نفسي أدفع رجال الشرطة، وأقول لأحد الضباط:
- اتقِ الله في نفسك، تخشى الأميركان والله أحق أن تخشاه!
في هذا الوقت الذي كنت أصرخ فيه على الضابط، لم أكن أعلم أن رايات تنظيم القاعدة، وبعض أعلام «داعش» فوق رأسي تحديداً، وعرفت ذلك في اليوم التالي عندما نشرت صوري في الصفحات الأولى للجرائد، وأنا أصرخ والأعلام فوق رأسي.
تمكنت الشرطة باحترافية عالية من تجميع المتظاهرين في بؤرة واحدة، وبدأ الجميع يهتف «أوباما... أوباما.. كلنا أسامة»، ثم وقعت مشاحنات بين بعض من يحملون رايات داعش وبين بعض من يحملون رايات تنظيم القاعدة، واتهموا بعضهم البعض بالنفاق والكفر... وبقيت فاغراً فاهي على آخره وأنا أراهم يكفر بعضهم بعضاً، بينما السفير الأميركي يتمتع بوجبة العشاء!
وكدت أموت من الخوف وقتها لأني عرفت أني وسط «أصدقاء أسامة»، بينما أنا في الواقع من أصدقاء «ميكي» ومجلة العربي، ولكني شعرت بالارتياح عندما انضم خمسة نواب من مجلس الأمة إلى المتظاهرين للمطالبة بطرد السفير الأميركي.
عدت إلى البيت وأنا أفكر... ما الذي فعلته؟
في اليوم التالي، وجدت صوري تتربع عرش الصفحات الأولى تحت عنوان «تنظيم القاعدة يقتحم السفارة الأميركية»، وظللت ثلاثة أيام أعيش في رعب، وأنا أنتظر... إما كتاب استدعاء من أمن الدولة وإما كتاب شكر وتقدير من تنظيم القاعدة... والحمد لله أنها عدت على خير في «كتاب» حياتي يا عين!
أما الدرس المستفاد من هذه الحادثة، التي وقعت لي، حسب وعيي وفهمي، فإنني أردت أن احتج على فيلم مسيء تناول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجدت نفسي مشاركاً في فيلم أسوأ منه، كذلك أردت أن أعتذر للضابط الذي كان يؤدي عمله وصرخت عليه قائلا «اتقِ الله»، واكتشفت أن الطريق إلى الهاوية أحياناً يكون مُعبداً بالنوايا الحسنة، ولقد أذهلني هذا الاكتشاف وقتها كما لو كنت قد علمت أن الأرض مسطحة للتو... 
وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق