الجمعة، 21 أغسطس 2020

إنهم يرونه بعيداً ونراه قريب


إنهم يرونه بعيداً ونراه قريبا
د/ علي فريد
نُشر  في يوم 21/ ديسمبر/ 2013م

لم يَدُر بِخَلَدِ الطالب الصربي (غافريلو برينسيب) أن رصاصاته التي أطلقها على ولي عهد النمسا عام 1914م ستقتل ما يقرب من عشرة ملايين إنسان، وتُغير خارطة أوروبا السياسية، وتُنشئ نظاماً عالمياً جديداً، وتُسقط سُلالات حاكمة صمدت أمام رياح التغيير العاتية منذ الحروب الصليبية الأولى وحتى الحرب العالمية الأولى؛ لتتداعى- كجبلٍ مدكوك- أمام رصاصات ذلك المراهق الصربي!!

ومن طلاقة قدرة الخالق جل وعلا أنه إذا أراد إمضاء أقداره هَيَّأ لها أسباباً يراها الناسُ تافهة.. فلا رصاصات الطالب الصربي، ولا عربة الخضار الخاصة بالبوعزيزي رحمه الله، تُعتبران في عُرف الناس شيئاً مذكوراً مقارنة بالنتائج المترتبة عليهما!!

والواقفون على شواطئ نهر التاريخ يدركون أن نهر التاريخ- غالباً- ما ينقلب رأساً على عقب كل مائة سنة.. وربما أقل!!

ويقيني- الذي قد أحتمل بسببه استهبال المستهبلين- أن عَربة خضار البوعزيزي ستكون السبب (التافه!!) لإسقاط عصر لورنس العرب بأضلاعه الثلاثة:
_ المركزية الأوربية
_ سايكس بيكو
_ النظام العالمي

إن مائة عامٍ من (الدروشة) العربية والإسلامية كافية جداً..
لقد مات ذلك الجيل الذي آمن بوعود (كتشنر) و(مكماهون) عن خلافة عربية في شبه جزيرة العرب، مصدقاً- بسذاجة منقطعة النظير- أن (الحِدَّاية قد ترمي كتاكيت)!!

كما أن الجيل الذي صنعه (مايلز كوبلاند) و(روزفلت) في (لعبة الأمم) و(سباق المسافات الطويلة) يلفظ الآن أنفاسه الأخيرة مُخلفاً وراءَه أطلال قومية عربية بغيضة جعلت العربَ ظاهرةً صوتية في الإذاعات وأشلاءَ كرامة في ساحات كل المعارك التي خاضتها!!

تذكروا جيداً: أنه قبل مائة سنة لم يكن هناك شيء اسمه: السعودية، الإمارات، الكويت، مصر، سوريا، العراق، لبنان، الأردن، السودان، فلسطين، تركيا، باكستان، المغرب، موريتانيا، بنجلاديش.. إلخ إلخ!!
وتذكروا أيضاً: أن مجموعة من الموظفين الأوربيين الصليبيين جلسوا يشربون شاي الساعة الخامسة ومعهم أقلام وخرائط، ثم (شخبطوا) على خرائطهم بأقلامهم؛ فاستنبتوا هذه (الأكشاك) للعرب والمسلمين؛ لأنهم لم يجدوا قنبلةً نوويةً يضربوننا بها أسوأ وأقسى من (الدولة القومية والوطنية)!!
لقد كانوا رحماء مع هيروشيما ونجازاكي !!
نحن مقبلون على تغيرات شديدة وجذرية في العالم كله، وليس في المنطقة العربية فقط.. ومن يظن أنَّ الأمرَ مستبعدٌ أو مبالغٌ فيه فليتذكر أن العالم استيقظ ذات صباح فلم يجد الاتحاد السوفيتي!!
المركزية الأوربية ستسقط..
سايكس بيكو ستسقط..
النظام العالمي سيسقط..
لا شيء بقي على حاله بعد عُود الكبريت الذي التهمت نيرانُه جسدَ البوعزيزي!!
وعلى العرب الآن أن يتيقنوا أن منطقتهم العربية أصبحت في قلب العاصفة، وأن التاريخ يُعيد ترتيب أوراقه، وأن (المركزية) بدأت تتزحزح شيئاً فشيئاً عن بلاد الثلج اشتياقاً لدفء الشمس في الشرق الأوسط!!
هل ترون الأمر بعيداً؟!
لا بأس..
تذكروا فقط: أن رضيعاً اسمه موسى (عليه السلام) لم يكن بينه وبين إسقاط فرعون والفرعونية سوى الخروج- خائفاً يترقب- من قصر فرعون ذاته!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق