الخميس، 27 أغسطس 2020

رسالة ترامب لمستقبل الحكم السعودي

رسالة ترامب لمستقبل الحكم السعودي

   قطر لا يهمها هذا الانسحاب من إدارة ترامب، بل تراه في مصلحتها، فالخناق يضيق على الحكم السعودي الجديد، ويتعزز موقفها، وخاصة المسار القضائي الدولي.   

   

مهنا الحبيل

  هل كانت هناك زاوية غائبة وتضليل سياسي عالي المستوى في الخبر المسرب من البيت الأبيض بعناية لرفض الرئيس ترامب طلب العاهل السعودي، في السادس من يونيو 2017، الإذن لغزو قطر عسكرياً؟
نقول نعم بكل تأكيد، فأين أصل الخبر ومصداقيته إذن؟ وأين مهمة التضليل؟ لقد تحدثنا عند اندلاع الأزمة عن شواهد لعزيمة وقرار متخذ مسبقاً لغزو قطر عسكرياً، فصّلنا في ذلك الحين عن المعطيات التي يُراهن عليها محور أبوظبي عند أول تدشين تحالفه العسكري والسياسي الموجه لدول الخليج العربية التي ترفض الانصياع له.
ولم يكن هذا العزم مطروحاً للمفاوضات مطلقاً مع الدوحة، وإنما مقدمات إعلامية وتأهيلية وسياسية للمجتمع المحلي والخليجي والدولي لكي تُستوعب الأيام الأولى للغزو، والتي كانت تراهن على مدة قصيرة للغاية لتحقيق هذا المشروع، ووثقنا أيضاً معنى ضم حقل غاز قطر إلى حقل العثمانية في الأحساء، ضمن رهان ذلك المحور، وعلاقته في الصفقة العالمية مع ترامب.
ولكن إدراك المؤسسات الأمريكية في ثلاثية البنتاغون والخارجية والمخابرات لخطورة المغامرة على مصالح واشنطن، بغض النظر عن التكلفة العسكرية والسياسية والدموية لشعوب الخليج العربي والمشرق، دَفَعهم للضغط على ترامب، وهو ما عُرض تفصيله في تصريحات وزير الخارجية السابق، ريكس تليرسون، وشخصيات أمريكية أخرى.
كان هناك حقائب مصالح مشتركة مع الرئيس ترامب بناء على موقفه الأوّلي، وقناعته بمشروع أبوظبي لرسم خرائط المنطقة عبر تصورها الجديد المشترك مع "تل أبيب"، ومن ثم فقد أعطى الإذن مبكراً للغزو العسكري لقطر، وكانت هناك شراكة لصهره جاريد كوشنير، ضمن الترويكة المشتركة مع محور أبوظبي.
لا حاجة لنا بالإطالة في تفاصيل باتت معروفة، وخاصة عن حسابات الحرب التي اختلفت بعد تفعيل الاتفاق الدفاعي مع تركيا، وقبل ذلك التوازن الوطني الشعبي الاجتماعي في قطر، الذي اتحد أميراً ومجتمعاً ضد عزيمة الاجتياح، ولذلك كانت هناك فوضى واسعة في طرف محور أبوظبي في إعادة تشكل موقفه، فالمطالب الـ13 صيغت في ظل أول فشل واجهه المحور.
كان هناك تغير لدى الرئيس الأمريكي، لكنه تغير لاحق، وعليه فالإفصاح عن هذه المكالمة وإعادة تصويرها لا يعني أبداً أنه لم يعطِ الإذن ولم ينخرط صهره في القضية، غير أن فريق البيت الأبيض الذي سرّب الخبر كان هدفه إعادة تجسيد موقف ترامب سياسياً في الانتخابات القادمة، وحماية موقف كوشنير.
فعلى من قلبت الطاولة إذن؟
هذا الخبر يُثبّت إدانة إعلامية سياسية لنظام الحكم السعودي، ويُعلن أن العزم على الغزو كان عسكرياً تنفيذياً، وأن واشنطن وإدارة ترامب (المتورطة) رفضت الاجتياح، فالهدف هنا يصنع مساراً مهماً لخطة ترامب لفك الحصار الإعلامي السياسي لانتخابات نوفمبر القادمة، ولكنه يُلقي بكل نفايات القرار على المحور.
ماذا عن الدوحة التي كانت تعلم بهذه الشراكة؟ قطر لا يهمها هذا الانسحاب من إدارة ترامب، بل تراه في مصلحتها، فالخناق يضيق على الحكم السعودي الجديد، ويتعزز موقفها، وخاصة المسار القضائي الدولي، لكن أخطر درس هو أن حالة التعامل مع الحكم السعودي تاريخياً لم تصل لهذا المستوى من قبل، فالفكر الاستراتيجي الأمريكي قد يعلن تغيراً نوعياً في قواعد اللعبة لمسرح سعودي مختلف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق