السبت، 29 أغسطس 2020

تجارب الإسلاميين مع الديمقراطية: الطريق المسدود

تجارب الإسلاميين مع الديمقراطية: الطريق المسدود

الطريق المسدود

دعونا نلقي نظرة على أرشيف الديمقراطيات في بلادنا العربية والإسلامية، وكيف صفّق لها الدعاة لها بحرارة وحماسة جعلتها تبدو في مرتبة النظام الأنجح لريادة الأمة، وما أقصده تحديدا هم الإسلاميون الذين جمعوا بين النقيضين ، الإسلام والديمقراطية ودعوا لتطبيقها كنظام حكم جديد وتأنقوا في بحث أسباب التوطئة لها والتبرير لطاماتها وسقطاتها وفشلها المتكرر. دعونا في هذه الصفحات إذن نسلط الضوء ليس على اضمحلال الديمقراطية في بلادنا العربية والإسلامية بل على فشلها فشلا ذريعا لنخلص في نهاية الأمر لتقييم هذه التجربة بشكل نهائي بلا تزويق ولا ضبابية لا تليق ومستوى الخطر الذي يهدد هذه الأمة الحنيفية المسلمة.

مصطلح إسلاميين

لا شك أن ظهور مصطلح “إسلاميين” قد ارتبط ارتباطا مباشرا مع ظهور الديمقراطية بمسميات إسلامية، كنوع من إزالة الحواجز النفسية بين العلمانية وبين الشريعة الإسلامية، وتمهيدا لخلق ذلك التقبل الفكري لسلخ المسلمين من إسلامهم بغزو العلمانية في وقت لا زالوا مقتنعين أنهم يمثلون عقيدة الإسلام! وهذا ما يفسر توظيف الغرب لشخصيات معدّة لحمل ثقافة الغرب العلمانية وترويجها في الأمة بعباءة إسلامية، وتمكن الغرب بهذه الخطوة من خلق التصنيف الغريب للإسلاميين بجعلهم معتدلين ومتطرفين، فمن آمن بالديمقراطية وبناتها الفكرية من التعددية والمواطنة والتداول على السلطة. فهو في خانة المسلم المعتدل، أما من حمل مبادئ عودة الإسلام الحق والحلم بخلافة إسلامية، فهو مسلم متطرف ولو لم يكن له نشاط عسكري أو حمل سلاحا.

مفهوم الديمقراطية عند الإسلاميين

حسنا دعونا نبدأ بتلخيص مفهوم الديمقراطية عند الإسلاميين الديمقراطيين أو بالأحرى عند “المعتدلين” في نظر الغرب:

الديمقراطية لا تناقض الإسلام

إن ما تم رصده عند الديمقراطيين الإسلاميين على اختلاف أنواعهم هو اعتقادهم بأن الديمقراطية لا تناقض الإسلام. ومنهم من يرى أصلها من الإسلام أساسا فيقول: ” الديمقراطية بضاعتنا ردت إلينا”. ومنهم من يقول: ” الديمقراطية هي الشورى الملزمة”. وآخر يقول عن منهجهم “الشورقراطية”! واعتبر الغنوشي أحد منظري المدرسة الديمقراطية الإسلامية الصناديق حكما بينهم كإسلاميين وبين خصومهم من الأحزاب العلمانية في تونس. فإذا الشعب اختار حكمهم بالإسلام. سمحوا للكفار بأن تكون له أحزابهم وصحفهم وإذا الشعب اختار الأحزاب العلمانية رضوا بحكم الكفر لأن الله تعالى قال:(لا إكراه في الدين ).!

وسنجد هذه الأفكار منتشرة في العديد من البلاد الإسلامية ولا سيما في السودان وشمال أفريقيا وفي أوساط الصحوة الإسلامية في الغرب.

منهج التوفيق والترقيع

ويتصور فريق من الإسلاميين الديمقراطيين أن عليهم أن يأخذوا من الديمقراطية ويمارسوا ما لا يتعارض مع أصول السياسة الشرعية وينهجون لأجل ذلك منهجا توفيقيا ترقيعيا لإنتاج نظريات ديمقراطية – إسلامية في آن واحد رغم التناقض الكبير بين المقامين. ليصلوا في الأخير لما يسمونه فقه برلماني للتحايل على ما تحمله النظرية السياسية والدستورية للديمقراطية الغربية من إلحاد وشرك وكفر أكبر. ولا يرون بأسا من الانتماء للسلطة التشريعية عبر الديمقراطية كمعارضة بحيث لا يوافقون إلا على ما تجيزه الشريعة.

الديمقراطية تناقض الإسلام
وهناك فريق آخر وهم قلة، يصرح بأن الديمقراطية بمفهومها الأساسي تناقض الإسلام وأنه ليس هناك إشكالية شرعية في ممارسة المعارضة في البرلمان . ولا يجيزون لأنفسهم أن ينتقلوا إلى السلطة التنفيذية لأن ذلك سيدخلهم في دائرة الحكم بغير ما أنزل الله بحسب القوانين المعمول بها في عموم بلاد المسلمين ويعتبرون أنفسهم أنهم في البرلمان لإقامة الحجة وإيصال صوت الحق وتحقيق بعض المصالح الشرعية للمسلمين وقد نجد هذا السبب لوحده دافعا عند بعضهم لدخول حقل الديمقراطية دون أي طموح في السلطة.


الديمقراطية كفر بالله

أما الفريق الرابع فيصرح صراحة بأن الديمقراطية كفر بالله وأن مبادئها تقوم على الشرك به والإلحاد في ألوهيته سبحانه. وأنهم يمارسونها في حدود حالات الاستضعاف التي تمر بها الصحوة. وأنهم لا يدخلون البرلمان إلا كأكثرية حيث هدفهم الأول تشكيل حكومة تحكم بالشريعة. وإلغاء العمل بالديمقراطية بمفهومها الغربي. وأبرز نموذج لهذا الفريق نموذج جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر.

ثم إن هذا التمايز والتنوع في فرق الإسلاميين الديمقراطيين يعكس اختلافا بينهم في مفهوم السيادة والحاكمية والمبادئ والمصطلحات الدستورية والمواقف من كفر الحاكم وإسلامه وكذلك الحكم على النظام ومؤسساته وهذا ما يفسر الكثير من الضبابية والتلون والباطنية والتذبذب في المواقف لمن يتابعهم، لكن

في النهاية تتفق هذه الفرق جميعا في الاعتراف بشرعية النظام وشرعية الحاكم وكل ما يدور في فلك القوانين الوضعية وواجب احترامها،
وكذا قوانين النظام الدولي بما فيها من مساواة في الدين أو الجنس أو المعتقد أو أي اعتبار آخر. والاعتقاد بمبدأ الأغلبية بغض النظر عن شرعيتها في ضوء الإسلام. أضف لذلك اعتناقها شروطا أخرى كمنع تشكيل الأحزاب على أساس ديني مثل في مصر. وكالاعتراف بالعلمانية مثل تركيا ومنها من يصل لدرجة قبول الاحتلال المباشر كما في فلسطين والعراق.

ولا يختلف عاقلان في أن الديمقراطية مناقضة صريحة لقيم الإسلام الحنيف وأحكامه، بل إن الإسلام يكفر بالديمقراطية ولا يمكن الجمع بينهما البتّة مهما حاول أصحاب هذا التيار تلميع تبريراتهم وتمييع المبادئ التي يقوم عليها هذا الدين القويم


مظاهر حرمة المشاركة في المؤسسات الديمقراطية
فالديمقراطية تعطي لكل مواطن حرية الاعتقاد والتفكير . حتى إن وصل الأمر إلى تبديل معتقده و قناعاته بحسب هواه وآرائه الشخصية وهذا ما يتنافى مع الإسلام جملة وتفصيلا فنحن قوم نتبع منهجا ربانيا ولا نزيغ عنه بالرأي والهوى.

وتعطي الديمقراطية للإنسان حق التعبير عما شاء بما شاء كيفما شاء ومتى شاء عبر كافة وسائل التعبير من كتابة وخطابة وإشارة وصحافة وغير ذلك.. حتى إن كان في ذلك تجاوزا لحدود الله وهذه حرية ظالمة يرفضها الإسلام.

كما تستند الديمقراطية على مبدأ المساواة المطلقة بين البشر بصرف النظر عن العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو العلم أو غيرها من الفوارق .. فكيف نساوي بينهم وقد أعطى الله كل ذي حق حقه، (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَاالأُنْثَى) ، و(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).

وتعطي الديمقراطية لنواب الأمة في البرلمان حقا زائدا من الحصانة في التعبير والإدلاء بآرائهم وتعفيهم من المتابعة والمقاضاة تبعا لما يصرحون به من آراء ، والإسلام لا يعرف حصانة عند إقامة العدالة.

وتنص مبادئ الديمقراطية والفقه الدستوري المنبثق منها على أن التشريع يأخذ مشروعيته من وجود أغلبية مؤيدة وأقلية معارضة.. وينصون على أن لا دستورية لقانون بغير حق معارضة..وهذا تشريع لا يحكم بما أنزل الله بل بما أبدعه البشر.

ثم تأتي النقطة القاصمة والتي تعتبر من أعظم مظاهر حرمة المشاركة في المؤسسات الديمقراطية وعلى رأسها البرلمان. إذ تنص الديمقراطية على التزام جميع الأعضاء في المؤسسات الديمقراطية وعلى رأسها البرلمان بمبدأ حرية تأييد أو معارضة أي تشريع أو قانون أو قرار مطروح للتصويت. ولكن يقر الجميع سلفا بمبدأ دستورية أو مشروعية أي قرار وأخذه قداسة التشريع حال التصويت عليه بالأغلبية. وإلزام الأمة به بصفته حلالا صوابا واجب تطبيقه على جميع أفراد الأمة .. بمن فيهم من أيده أو عارضه. وهذا ما يتنافى وتعاليم الشريعة الإسلامية جملة وتفصيلا، ويناقض مبدأ الحاكمية، فالتشريع لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.

ودون أن ننسى أن الديمقراطية البرلمانية ومبادئ سيادة الأمة وحكم الشعب والمؤسسة الدستورية التشريعية والتنفيذية والقضائية. تنص على الاحتكام للدستور. لا لشريعة الله.

ومن هنا نبصر الفرق الشاسع بل التناقض الصارخ بين الديمقراطية والإسلام، وبطلان صياغة (ديمقراطية إسلامية) أو (إسلاميين ديمقراطيين). ذلك أن مقتضى الديمقراطية بحسب فحواها هو انتزاع حق السيادة والتشريع من الله سبحانه وتعالى علوا كبيرا ثم إعطائه للبشر المخلوقين أو إشراكهم معه في هذا الحق الإلهي وأن هذا الاعتقاد يجعل صاحبه عبدا لطواغيت البشر طوعا أو كرها.

هنا وصلنا لنهاية الجزء الأول من بحثنا “الديمقراطية .. الطريق المسدود”، فانتظرونا مع الجزء الثاني حيث سنستعرض تجارب ممارسة الديمقراطية خلال الربع قرن الأخير لنخرج بتقييم نهائي لهذه التجارب وبشكل حاسم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق