الخميس، 27 أغسطس 2020

هلَّا مع صاحب الحق كنتم!

هلَّا مع صاحب الحق كنتم!


أدهم شرقاوي
جاء أعرابي إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتقاضاه ديناً عليه، فأغلظَ القول، حتى أنه قال: أُحرِّجُ عليكَ إلا قضيتني!
فانتهره الصحابة وقالوا: ويحكَ أتدري من تُكلِّم؟!
فقال: إني أطلبُ حقي!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهم: هلَّا مع صاحب الحقِّ كُنتم!
ثم أرسلَ إلى خولة بنت قيس، فقال لها: إن كان عندكِ تمرٌ فأقرضينا حتى يأتينا تمركِ فنقضيكِ!
فقالت: نعم، بأبي أنتَ وأمي!
فأقرضته، فأعطى للأعرابي، وزاده عن حقه!
فقال الأعرابيُّ: أوفيتَ أوفى اللهُ لكَ.
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أولئك خيار الناس، إنه لا قُدِّسَتْ أُمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع/من غير أن يُصيبه أذى!

الدُّنيا لا تلبثُ على حال، وقلما تستقيمُ لأحد، يوم عُسر ويوم يُسر، يوم صحة ويوم مرض، يوم سعادة ويوم كدر، وهي بأمر الله لا تكفُّ عن مفاجأتنا، يحسبُ الإنسان حساباً ثم يشاء الله آخر! وقد ينزلُ بالإنسان أمر يضطره أن يستدين، والناس لبعضها، ومن فرَّج عن مسلمٍ كربةً من كُرَبِ الدنيا فرَّج الله عنه كُربةً من كُرَبِ الآخرة، على أن المدين يجب أن يُقابل الدائن بالإحسان، يكفي أنه مدَّ له يد العون، فلا يُماطل إذا جاء وقت السداد، وإذا لم تتيسر أموره فمن النُبل أن لا يُطنش بل أن يُخبره بتعسُّرِ أمره ويطلب مهلة أخرى!

لا يُحتملُ من النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُخلف وعده، والأعرابي جاء يطلبُ دينه لحاجةٍ وقعتْ به قبل أن يحين وقتُ السَّداد، فأغلظَ القول، وقال كلاماً بأسلوبٍ فظٍّ ما كان ينبغي أن يُقال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم رفضَ تعنيف الصحابة للأعرابي على سوء أسلوبه، لأن سوء الأسلوب لا يُلغي أنه صاحب الحق، وأخبرهم أنهم كان يجب أن يقفوا مع صاحب الحق!

علينا أن نفهم أن صاحب الحق قد يطلبه بأسلوبٍ فظٍّ، ربما صاحب الدين قال كلاماً قاسياً، والزوجة المظلومة زادتْ في شكواها، والعامل الذي أُكِل حقه لجأ إلى التشهير، هذه الأساليب لا تُلغي أن لهم حقاً وعلى من يستطيع إعانتهم في نيل حقوقهم أن يُعينهم، ثم بعد ذلك نُصح وإرشاد عن أدب استيفاء الحقوق، أما أن نُعطي صاحب الحق درساً في التربية المدنية، وأدب التخاطب دون مساعدته لنيل حقه، أو إخباره أنه صاحب حق على الأقل فمثالية زائدة!

أما أن نأكل حق إنسان لسوء أسلوبه، فنجعل هذه مقابل تلك، فهذا ليس من الإسلام في شيء، فأنتَ مطالب أن تدفع ما عليكَ ولستَ مطالباً أن تربي الناس!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق