واغدراه.. واغدراه..
محمد علي يوسف
ما إن سمع الناس ذلك الأعرابي يصيح بتلك الكلمات في وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى كادوا أن يفتكوا به
أقبل الجمع إليه يزجرونه بشدة قائلين : قاتلك الله أيغدر رسول الله صلى الله عليه و سلم!
أما تسمع تلك الكلمات التي يقولها رسول الله
ها هو يحادثك بسكينة وروية قائلا : يا عبدَ اللَّهِ ، إنَّا قد ابتَعنا منكَ جزورًا بوَسقٍ من تمرِ الذَّخرةِ ، فالتَمسناهُ ، فلَم نَجِدْهُ
كلمات هادئة مقنعة قالها الحبيب صلى الله عليه و سلم لذلك الأعرابي الذي كان قد باعه جزورا بذلك الوزن من التمر
المشكلة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد لديه ما يكمل ذلك الوزن فأراد أن يعوض الأعرابي بشىء آخر يملكه
لكن الأعرابي لم يمهله
بل صاح فورا و بغلظة الأعراب: واغدراه .... واغدراه!!
الرجل لا يكاد يسمع و القوم يحتدون عليه يحاولون إسكاته عن التلفظ بتلك الكلمات القاسية
والأعرابي يزداد إصررا مرددا : واغدراه واغدراه
"دعوهُ ، فإنَّ لِصاحبِ الحقِّ مقالًا"
هكذا وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه الغاضبين مبينا لهم تلك القاعدة العظيمة
إن لصاحب الحق مقالا
ثم أعاد النبي صلى الله عليه و سلم توجيه الخطاب مرة أخرى للأعرابي قائلا : يا عبدَ اللَّهِ إنَّا ابتَعنا منكَ جزورَكَ ونحنُ نظنُّ أنَّ عندَنا ما سمَّينا لَكَ ، فالتَمسناهُ ، فلم نَجِدْه
تأمل حلمه و صبره و هو يفسر للأعرابي ما حدث و كيف يبين له أن الأمر ليس غدرا و لكنه ظن أن لديه التمر ثم فوجىء بعدم وجوده
لكن لا فائدة
الأعرابي لا يفقه ولا ينفك عن ترداد كلماته القاسية و رسول الله يكرر نهيه لأصحابه عن زجره قائلا :دعوهُ ، فإنَّ لِصاحبِ الحقِّ مقالًا
فلمَّا رآهُ لا يفقَهُ عنهُ ، قالَ لرجلٍ مِن أصحابِهِ: اذهب إلى خُوَيْلةَ بنتِ حَكيمِ بنِ أميَّةَ ، فقل لَها: رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ يقولُ لَكِ: إن كانَ عندَكِ وَسقٌ من تمرِ الذَّخرةِ ، فأسلِفيناهُ حتَّى نؤدِّيَهُ إليكِ إن شاءَ اللَّهُ. فذَهَبَ إليها الرَّجلُ ، ثمَّ رجعَ ، فقالَ: قالت: نعَم ، هوَ عِندي يا رسولَ اللَّهِ ، فابعَث من يقبضُهُ ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ للرَّجلِ: اذهب بِهِ ، فأوفِهِ الَّذي لَهُ قالَ: فذَهَبَ بِهِ ، فأوفاهُ الَّذي له
و بالفعل تقاضى الرجل وسق التمر ثم مر برسول الله في طريق عودته فما إن رآه حتى صاح قائلا: جزاك الله خيرا قد أوفيت و أطيبت
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أولئِكَ خيارُ عبادِ اللَّهِ عندَ اللَّهِ يومَ القيامةِ الموفونَ المطيِّبونَ
تأمل كيف تعامل رسول الله مع الأعرابي بمقتضى حاله و باعتبار مستوى إدراكه والأهم أن تتأمل كيف قدر مشاعر صاحب الحق و كيف علم الصحابة تلك القيمة العظيمة
إن صاحب الحق ينبغي أن يقدر و أن يُعتبر شعوره ويُعنى بإحساسه
و رغم أن النبي صلى الله عليه و سلم معذور فهو لم يكن يعلم أن التمر لا يكفي إلا أنه لم يصر على أن يعطيه شيئا بديلا بل آثر أن يؤدي ما أراده الأعرابي و ما رآه حقا له فكسب بذلك قلبه و علم الأمة درسا في الوفاء وحسن التعامل مع الخلق اقتداء بسيدهم سيد الخلق ﷺ
الفصل الخامس من كتاب مع حبيبي ﷺ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق