من قس ابن ساعدة إلى أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب
بســـــــــــم اللــــــــــه الرحمــــــــــن الرحيــــــــــم
من عبدِ اللهِ قِس بن سَاعدة إلى أميرِ المُؤمنينَ عُمرَ بن الخَطابِ ،
سلام الله عليك ورحمته وبركاته وبعد :
بلغنِي يا مولايَ أنَّ رجُلاً جاءَكَ وقالَ لكَ : " يا أميرَ المُؤمنينَ لوْ أوصيتَ لابنكَ عبدِ اللهِ بالخلافَةِ من بعدِكَ فإنَّه أهلٌ لهَا "
فقلتَ : " قاتلكَ الله ، أُشهدُ اللهَ على مقتكَ ، كيف أوصي له بالخلافة وفي المسلمينَ من هو خيرٌ منه ! "
هكذا كانت الإمارةُ في عهدِكَ لا يتوَلاها خيِّرٌ وفي المُسلمينَ أخيرَ منه ، وإن الخِيَارَ عندكَ ليُعرفونَ بقربهم من اللهِ ..
أمَّا اليومَ ..!
فحكامُنا أراذِلنَا يَحجُّونَ للبيتِ الأبيضِ ، ويُقبّلونَ يدَ الرَّئيسِ الأسودِ ، ويَسعَونَ بينَ صَفا مَجلسِ الأمنِ ومروةَ هيئةِ الأمَمِ المُتَّحدةِ .!
أمَّا كيفَ يتبَادلُونَ السُّلطةَ فإننا وللهِ الحمدُ كالنَّملِ ، البعضُ منَّا يُولدُونَ أمراءَ ويمُوتُونَ مُلوكاً ، والبَعضُ الآخَرُ يُولدُونَ ويَموتُونَ رعيّةً .!
كمَا أننا وللهِ الحمدُ لم نكتفِ بتقليدِ حيَاةِ النَّملِ في شُؤونِنَا السَّياسيَّةِ فقط ، بلْ إننا نصطفُّ جيداً في طَوابير .!
طَابورٌ على بَابِ الدَّيوانِ يمسَحُ بلاطَ الوَالِي بمَاءِ وجهِهِ ، وطَابُورٌ يدفَعُ فَاتُورةَ المَاءِ والكَهربَاءِ ..
وطَابُورٌ على بَابِ المُستَشفى الحُكوميّ لا يجِدُ له سَريراً ، وحدَه الصَّفُ الأولُ في صَلاةِ الفَجرِ لا يكتمل .!
ويُؤسفني يا مَولايَ أن أُخبركَ أنَّه يُصادِفُ في هذه الأيام ذِكرَى النَّكسةِ ..
والنَّكسةُ هي هَزيمةُ ستَّة جُيوشٍ عَربيَّةٍ مُجتمعَةٍ أمَامَ " إسرائيل " ، ومَا كَانَ لكَثرةٍ أنْ تَنتَصِرَ تَحتَ رايَةٍ جَاهليَّةٍ مَهمَا كَانَ عدُوُّهَا حَقيراً .!
ورَغَم هَذا لم نتعلم مِن الدَّرسِ شيئاً ، ومَا زِلنَا نَحنُ نحن .!
نَبحثُ عن رايةٍ ، جَرَّبنَا الشُّيوعيَّةَ مرَّةً ، وجَرَّبنَا القَوميَّةَ مرَّةً ، واعتَصمنَا بالنِّيتُو مرَّةً ، وبأمرِيكَا مَرَّةً ، فَما زَادُونا إلا ذُلاً .!
فَماذَا تَقولُ لأمَّةٍ تَرَكَ فِيها نَبِيُّهَا رايَتَه السَّودَاءَ فَأبتْ إلا أنْ تَرفَع رايَةً بيْضَاءَ وتستسلم وتركع .!
وإنّي لأبَشِّركَ يَا مَولايَ أنَّ الخِرافَ فِي زَريبَةِ مَجلسِ الشَّعبِ السُّوريّ اكتمَلَ نِصَابُهم في الجَلسَةِ الأخِيرةِ ..
وقَدْ وقَفَ فِيهم مُسيلمَةُ الشَّامِ خطيباً يُخبرهُم أنَّ النَبِيّ صلى الله عليه وسلم لمْ يَقُمْ بِحرُوبِهِ لأجلِ الدَّمِ ولكن لحفظِ الرِّسَالة ، وأنَّه يُقاتِل الناس لذاتِ السَّببِ.!
وكَانَ ابنُ حَافِظِ النَّعجةِ قَابَ قَوسينِ أو أدنَى أن يُخبرهُم أنَّ جِبريلَ قدْ نَزلَ عليه ولو قَالهَا لصَفقُّوا له فالغِلمانُ في السِّيركِ يشتَدُّ تَصفيقُهُم كلَّما كانَ المُهرِّجُ أبلهاَ .!
وَسكتَ أحمدُ حسُّون كبيرُ كَهنةِ مسيلمة وحَاخَامه الأكبَر ، أمَّا البُوطِيّ الذي أضَلَّه اللهُ على عِلمٍ فمَا رأى في الشَّعبِ إلا حُثالةً ..
ولمَّا كانت الأمَّةُ في مَخَاضٍ أرادَ اللهُ أنْ يميزَ الخَبيثَ مِن الطَّيبِ !
وبمَا أنّ اليَومَ للبِشَاراتِ فأنِّي أُبشِّرُكَ أنَّنَا كالجَسدِ الوَاحدِ إذا اشتكَى منه عضْوٌ تدَاعَى له سَائِرُ الأعضَاءِ بالعُهْرِ والرَّقصِ !
فهَا هِيَ مَادُونَا تأتِي من بيتِ المَقدِسِ الذي تَسَلَّمتَ مَفاتيحه يومَ أتيتَ مَاشياً وغُلامُكَ راكبُ وفِي ثوبِكَ سبعَةَ عشَرَ رقعةٍ إلى " أبو ظبي " ورَقَصتْ حتّى مَطلعِ الفَجرِ .!
فَقد بلغَ حُكَّامَ المُسلمينَ أنَّ النَبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلّمَ لم يَقُلْ أخرِجُوا المُشركينَ من جَزيرةِ العَربِ بل قالَ أحضِرُوا الرَّاقصاتِ إلى جَزيرةِ العَربِ !
ومَا خَرجَ علينَا ضَاحِي خَلفانَ هذه المَرَة يُحدِّثُنا عن الأمِنِ القَوميِّ فالقَادِمُ من " إسرائيل " لا يُهدِّدُ الأمنَ القَومِيَّ والأخلاقِيَّ بعُرفِ شَارلُوك هُولمز العَرب !
أما في مِصرَ فقد نَجَا فِرعونُ ببدنِهِ لا ليكونَ لمن خَلفَه آيةً بل لينتظرَ الإفراج في ظلِّ قانونٍ يُطلقُ محكومَ المُؤبَّد إذا بلغَ الخامسة والثمانين التي سيبُلغها بعدَ ثلاثة أشهر !
وقد أعطُوا ابنَه علاء بَراءَةً وقَالُوا له : " سنَشُدُّ عضُدَكَ بأَخيكَ " ، جمال بَراءَةٌ أيضاً !
وتَفرَّقَ دَمُ الذينَ مَاتُوا في الثَّورةِ بينَ القَبائِلِ ولم تَعثُر المَحكمَةُ من بينِ ثُلَّةِ القَتلةِ على قاتلٍ واحدٍ يحمِلُ دمَهُم !
وأنتَ الذي قضيتَ بقتل رجلينِ تآمرا لقتلِ مُسلمٍ واحدٍ ..
فقيلَ لكَ : يا أميرَ المُؤمنينَ ، أتقتُلُ رجلينِ برجُلٍ ؟
فقلتَ : واللهِ لو أنَّ أهلَ صنعاءَ تآمرُوا على قتلِ مُسلمٍ واحدٍ لقتلتهم به !
هكذا هي الحُكَّامُ إما أن تجعلَ الرَّعيةَ غاليةً أو تجعلَ دمهَا بخساً !
هذِه بعضُ أخبارِ دولتكَ والبقيَّةُ تأتيكَ إن كانَ في العُمرِ بقيَّةٌ ، ولوقتِهَا قُبلاتِي ليديكَ وسَلامِي لصَاحبيكَ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق