من قس ابن ساعدة إلى أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب
الرّسالة التاسعة
بسم الله الرحمن الرحيم
مِن عَبدِ اللهِ قِس بِن سَاعِدَة إلى أَميرِ المُؤمِنينَ عُمرَ بن الخَطَّابِ ، سَلامُ اللهِ عَليكَ وَرَحمَتُه وبَركَاتُه وبَعد :
بَلغَنِي يَا مَولايَ أنَّ حَفيدَكَ عُمَرَ بن عَبدِ العَزِيزِ لمَّا أنفَقَ على الرَّعِيَّةِ كُلَّ مَا فِي بَيتِ مَالِ المُسلِمينَ غَسَلَهُ بالمَاءِ والصَّابُونِ ، وصَلَّى فِيهِ رَكعَتينِ ،
فَقد كَانَت الدَّولَةُ وقتَذَاكَ دَولَةَ رِعَايَةٍ ، ولكنَّها الآن دَولَةَ جِبَايَةٍ ، تَبيعُنَا المَاءَ ، والكَهربَاءَ .!
وعمَّا قَليلٍ سَنشتَري الهَوَاءَ عَبرَ الإشْتِرَاكِ الإجبَارِيّ بِخِدمَةِ وَزَارَةِ المَاليَّةِ : " تَنَفَّسْ وادفَعْ " .!
وَبَعدَ هَذا تَتَهِمُنَا الدَّولَةُ بالعُقُوقِ ، وهِيَ التي عَقَّتنَا قَبْلَ أَنْ نَعُقَّهَا ، فَالدَّولَةُ التي لا تَربِطُ عَلى بَطْنِهَا حَجَراً حِينَ نَجُوعُ ليْسَتْ دَوْلةً ..
والوَطَنُ الذي لا يُبَلِلُ لِحيَتَه بِدُمُوعِهِ حِينَ نَمُوتُ غَرَقًا بِالمَطَرِ ليْسَ وَطَناً ..
والوَطَنُ الذي يَرقُبُنَا نَمُوتُ على أًبْوَابِ المُستَشْفَياتِ لأنَّنَا لا نَملِكُ ثَمَنَ سَرِيرٍ عَليهِ أنْ يَخْجَلَ مِن نَفْسِهِ بَدَلَ أنْ يُطَالِبْنَا بِالبِرِّ .!
فَبِوِدِّنَا لَوْ كُنَّا بَرَرَةً وبِوِدِّنَا أنْ نَرَى الوَطَنَ يَسيرُ للأَمَامِ كَقَافِلَةٍ ، ولكِنْ مَا نَفْعَل حِينَ نَجِدهُ يَنبَحُ فِي وُجُوهِنَا كَكَلبٍ عَقُورٍ .؟!
وَعَوْداً عَلى ذِي بَدْءٍ ، فَقَد كَانَ أَحَدُ الرُّعَاةِ فِي الحِجَازِ يَرقُبُ قَطِيعَه فَهَجَم ذِئْبٌ عَلى شَاةٍ ، فَقَالَ الرَّاعِي :
" إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعُون ، مَات عُمر بن عَبدِ العَزِيزِ فِي الشَّام ! " ..
أولئِكَ يَا مَولايَ كَانُوا حُكَاماً أَصلَحُوا مَا بَينَهُم وبينَ اللهِ ، فَأَصلَحَ اللهُ مَا بينَ الذِّئَابِ وقِطْعَانِ رَعِيَّتِهِمْ ..
وإنَنَا اليَومَ لا نَخْشَى الذِّئَابَ عَلى أَغنَامِنَا بِقَدْرِ مَا نَخَشَى الحُكَّامَ عَلى أَوْلادِنَا .!
وإذَا خَرجْنَا عَليهِم نُريدُ استِردَادَ حَيَاتِنَا أَخْرَجُوا لنَا رَاقِصَاتِ دَارِ الفَتوَى ، وَلمَّا لَمْ يُفْلِحُوا في ثنينا ، أعمَلُوا فِينَا الحَدِيدَ والنَّارَ .!
ثُمَّ تَخرُجُ عَلينَا مُنَظَّمَةُ العَفْوِ الدُّوَليَّةِ تُريدُ أَنْ تُحَقِّقَ فِي مَقْتَلِ القَذَّافِي ..
والقَذَّافِي حِكَايَةٌ طَويلةٌ تَتَلخَّصُ بِجُملَةٍ وَاحِدَةٍ : " كَانَ كَلباً فَمَات " ، فَهُوَ إذاً لا يَنْدَرِجُ ضِمنَ صَلاحِيَّاتِ مُنَظَّمَةِ العَفْوِ الدُّولِيَّةِ بَل ضِمْنَ مُنَظَّمَةِ الرِّفقِ بالحَيَوَان .!
ولا أَحَدَ يَعرِفُ يَا مَولايَ أَينَ كَانَتْ مُنَظَّمَةُ العُهْرِ الدُّولِيَّةِ حِينَ قُتِلَ أَحمَد يَاسِين خَارِجاً مِن صَلاةِ الفَجْرِ .!
وَهُوَ القَعيدُ الذي لَمْ يَكُنْ يَعْمَلُ فِي جَسَدِهِ إلا عَقلُه ، وقَلبُه !
وأَينَ كَانَتْ مُنَظَّمَةُ العُهرِ الدُّوليَّةِ حِيَنَ قُتِلَ بِنْ لادِنْ عَلى مَشْهَدً مِن أَطْفَالِهِ .!
وأَينَ كَانَتْ مُنَظَّمَةُ العُهرِ الدُّوليَّةِ حِينَ قَتَلتْ أَمرِيكَا مُواطِنَهَا العَوْلَقِيّ بَعدَ أَنْ أَرَادَتْ مِنهُ أَنْ يَقُولَ: " رَبِّيَ أل Green Card " فَلمْ تَسْمَعْ مِنهُ غَيْرَ رَبِّيَ الله !
وإنِّي لأُبَشِّركَ يا مَولايَ أنَّ الجَامعةَ العَربِيَّةَ دَخلتْ على الخَطِّ فِي سُوريَا ، والجَامِعَةُ عَلى مَدى تَاريخِهَا لمْ تَضعْ يَدَهَا فِي مُشكِلةٍ إلا زَادتهَا تَعقيداً .!
وكَونُ اسمهَا الجَامِعةَ العَربيَّة فَهذا لا يعنِي أنَّ لهَا أَخلاقَ العَربِ فِي الجَاهِليَّةِ ، فضلاً عن الإسلامِ .!
فِهيَ مُنذُ نشأَتِهَا لم تُرجِع حقاً ، ولم تَردَّ غَازياَ ، كَما فعل حِلفُ الفُضُولِ الذي أَنشَأَه عِبَادُ الأصنامِ ..
بل إنَّ التُّيوسَ أعضاء الجامعة لا يَجتمِعُونَ إلا على بَاطِلٍ كَيومِ جَرَّتهُم أمريكَا مِن قُرونِهِم لتَمويلِ حَربِهَا في العِراقِ دُونَ أنْ يَتَخَلَّفَ أحدٌ !
وكونُ أمينِهَا العَام هُو نَبيلُ العربِيّ فهذَا ليسَ سِوى مَظْهَرٍ مِن مَظَاهِر التُّراثِ !
وإنَّ الذِينَ جَاؤُوا إلى دِمشقَ ليُحَاضِرُوا فِي العِفَّةِ هُم في الحَقيقةِ أسَفلُ مِن بشَّارِ الأسَدِ ، ولو أنَّ شُعوبَهَم خَرجتْ عَليهِم ليَفعلونَ أكثرَ مما فَعله بشَّار .!
فبشَّارُ استنكرَ هَمجيَّةَ القَذافِي أولَ الأمر ، ثُمّ تَبيَّنَ بَعدَهَا أنَّ القَذَّافِي عَلى هَمجِيَّتِه أكثر تَحضُّراً منه .!
ولنَدَع العَربَ جَانِباً يَا مَولايَ ولننتَقِل إلى وول ستريت مَملَكَةُ الرَّبَا العَالميّ التي بَدأتْ بالتَّدَاعِي ..
فالرَّأسمَاليَّةُ الجَشِعَةُ بعدَ أنْ أكلت العَالمَ لم يعُد أمَامَها إلا أنْ يَأكُلَ بعضُهَا بعضاً ..
فالبَشَريَّةُ التي اغتَرَّت بِقُوَّتِهَا وحَسِبَتْ أنَّهَا قَادِرَة عَلى تَ***رِ أمُورِهَا بعيداً عَن هَدْي خَالقِها ها هِي اليَومَ تَدفَعُ ثمَنَ غُرورِهَا .
ومَا نَشهده اليَومَ ليسَ إلا البِدَايَةَ ، والمتأملُ بِحَالِ الرَّأسمَاليَّةِ اليَومَ يَخلُصُ إلى يقينٍ أنَّها عَلى شَفيرِ الهَاويةِ إن لم تكُنْ وقَعتْ فِيهَا أصلاً،!
وإنَّ كُلَّ خُطَطِ الإنقاذِ التي نَشهَدُهَا اليَومَ مَا هِيَ إلا مُحاولةُ تَرقِيعٍ ، ولكنْ إلى مَتَى سيَقبلُ الثوبُ الخَلِقُ التَّرقِيع ؟!
فَأمريكَا دَائخَةٌ مِن حَجمِ دُيُونِها ، ومَا يُبقيهَا عَلى قَدميهَا هُو بَلطجتُهَا العَسكرية ، وأموالُ العَربِ ، ولو سحبَ العَربُ أَموالهُم ليلاً لجَثَتْ على رُكبَيتهَا صَبَاحاَ !
والتفَافُ الأُوروبيينَ حَولَ اليُونَانِ مَا هُو إلا مُحَاولةٌ لإطَالةِ فَترةِ مَوتِ الرَّأسمَاليَّةِ السَّريري ..
فإذا عَلمنَا أنَّ الإكتراثَ بالآخَرينَ مبدأ مُنافٍ لمبَادِىء الرَّأسمَاليَّة القَائِمةِ على المَنفعَةِ ، والمَنفعَةُ فَقط ..
لعَلمنَا أنَّ اليُونانَ لن تكونَ إلا الحَلقَةَ الأولى التي ستَنفَرِطُ في العِقدِ الذي سيَنفَرطُ لا مَحالة !
أَخيراً وجدتُ شيئاً مُفرحاً أحدِّثكَ عنه يَا مَولاي ..!
هذه كَانتْ أَخبارُ دَولتِكَ والرِّسَالةُ العَاشِرةُ تَأتيكَ إن كَانَ فِي العُمرِ بَقيَّة ولوقتِهَا قُبلاتِي ليَديكَ وسَلامِي لصَاحِبيكَ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق