لماذا لم نعد نسمع أخباراً عن السودان؟
هل انتهت الحرب، أو توقّفت المجازر، أو نَعِم السودانيون ببعض الراحة أخيراً، إثر هدنة ضمنية غير مُعلنة؟
هل ارتدعت القوّات الغاصبة التي تفتك بمفاصل الوطن الجريح؟ هل فُكّ أسر الآلاف من الرهائن في يد "الدعم السريع" ومن خلفه؟
هل انتهت "تلك الدولة" عن الدعم اللوجستي والعسكري والسياسي والمالي لمليشيات قطاع الطرق في الخرطوم وكردفان ودارفور؟
الإجابة ستأتيك في خبر قتل مليشيات حميدتي نحو 300 مدنيّ، أكثرهم من النساء والأطفال، في غارة بمسيّرة انتحارية على بلدة كلوقي بولاية جنوب كردفان، وعمليات إعدام وتصفية وقتل في المحافظة نفسها، فضلاً عن توثيق حالات اغتصاب وقتل وعنف جنسي ضدّ الأطفال، وفق المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك.
والإجابة أيضاً في تقرير شبكة أطباء السودان الذي يوثّق احتجاز مليشيات قوات الدعم السريع أكثر من 19 ألف سوداني في سجونها بجنوب دارفور فقط، ناهيك عن بقية السجون في سائر البلاد. هؤلاء المحتجزون في "دقريس" و"كوبر" ومقرّات احتجاز أخرى غير مُعلن عنها، لا يسعك تخيّل الظروف التي يُحتجزون فيها، مع انتشار وباء الكوليرا، والأمراض المُعدية، والمجاعة والجفاف، فضلاً عن التنكيل بهم، والتعذيب، والاعتداء على النساء منهم، وكلّ ذلك، خدمةً لمصالح ضحلة، لا تجاوز غنائم السبائك من الذهب، أو المعادن الثمينة، كلّ تلك "الكنوز" اللامعة تكبر أمام حياة الإنسان، كمن يذبح طفلاً ليفتح مقبرة فرعونية، أنهار من الدماء هي ثمن رفع اللعنة عن الذهب السوداني، ولا يفهم الغبيّ أنّ تلك اللعنة، وإن رُفعت عن الذهب، فإنها بقيت لصيقة به حتى مصرعه، تجرّ عنقه إلى الأبد.
هدأ كلّ شيء "افتراضياً"، بينما زادت وتيرة التوحّش الحقيقية في الميدان
وبعد تصاعد "المأزق الإعلامي" لمليشيات الدعم السريع، برعاية أبو لولو، الفتى المدلّل لعبد الرحيم دقلو، وبقرصة أذن وتوجيه من "تلك الدولة" خفت كلّ شيء، وانطفأت كاميرات الجنود، وهدأت حسابات منصّة تيك توك، كأنهم قالوا لهم: من فضلكم، تعلّموا من إخوانكم في الغيّ من جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذين ما زالوا يلاحَقون بفعل ما نشروه على المواقع، ولو لم ينشروا لاستمتعوا بجريمة الاغتصاب التالية من دون ضجيج، ولأكلوا لحوم الأطفال وشربوا من دمائهم من دون أن يقول لهم أحد "بِمّ"؛ وعليهِ، هدأ كلّ شيء "افتراضياً"، بينما زادت وتيرة التوحّش الحقيقية في الميدان.
لم نعد نسمع عن السودان، لأنّ الجرائم المُرتكبة كان يوثّقها المجرمون أنفسهم، كان مصّاصو الدماء الساديون يستمتعون بتحوّل مذابحهم إلى "ترند"، ثم حين أُمروا، لم يؤمَروا بوقف المجازر ولا تخفيف حدّتها، بل فقط، بعدم التوثيق، أما الجريمة فمُكتملة، ومتواصلة، وتتمدّد، من ولاية إلى أخرى، وقد سقطت الفاشر، وانسحبت القوات الرسمية من أماكن أخرى دخلت إليها المليشيات من دون مقاومة، وتُرِك السودانيون وحدهم يجابهون المصير المحتوم، في وجه المصالح التي تسويها "تلك الدولة" هنا وهناك، في سبيل الحفاظ على الدجاجة التي تبيض لها ذهباً، ولو قتلت كلّ أهل المزرعة.
لذلك، الواجب ألا نضع نحن أقلامنا حين يضعون هواتفهم، وأن لا نلتفت حين يغمضون عيون ضحاياهم وفرائسهم، وأن لا تنطلي علينا خدعة القاتل كلّ مرّة، ليجعلنا شركاءه في الجريمة، وإن لم يكن لك سهمٌ ضدّه، فحتماً، سهمك مُسدّد نحو الضحية،
فهل تطيق أن تعيش أو تموت وفي رقبتك ذلك النهر من الدم؟!

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق