التمرد الثورى والتمرد الفلولى
وائل قنديل
ما تراه أمامك وحولك اليوم سبق أن عايشته بروحه ودمه وشحمه ولحمه قبل نحو ستة أشهر، وتحديدا عقب الإعلان الدستورى الذى فجر براميل الغضب على نطاق واسع، وأوجد حالة عناق مشين بين الثورة والثورة المضادة، سواء كان هذا العناق سابق التجهيز أم ابن اللحظة البائسة.
تغيرت العناوين وتبدلت الشعارات لكن المعادلة ثابتة لم تختلف معطياتها، ومن هنا يصبح وهما أن ينتظر بعضهم أنهم سيحصلون على مطاليب ونتائج مغايرة لما سبق أن أفرزته المعادلات ذاتها من قبل، مع الأخذ فى الاعتبار أن المعادلة القديمة أجريت فى ظروف كانت فيه السلطة أكثر خطأ وارتباكا مما هى عليه الآن.. أو بعبارة أخرى لم يكن للسلطة فى ذلك الوقت من إنجاز ملموس على الأرض، أما الآن فثمة مؤشرات حقيقية على أن تقدما بدأ فى ملفات كالزراعة والتصنيع والتهيؤ لانطلاقة فى الاقتصاد والاستثمار لا ينكرها إلا من كان فى قلبه سواد وفى عينيه كميات هائلة من القذى والخشب معا.
إذن هى حالة تكرار واجترار لما سبق تجريبه فى محطات سابقة، ولم يؤد إلا إلى حالة عبثية من هدر الوقت وخدش الصورة النقية للمعارضة بالعبث بكيميائها وبنيتها من خلال السماح بالوقوف على أرضية واحدة مع عناصر لم تكن يوما من المعارضة ولم تكن يوما ثورية ــ ولن تكون ــ تحت وهم أنه يمكن استئناس الذئب وترويضه ليكون حارسا للحظيرة.
وقد كان من الممكن اعتبار الحملات عالية الصوت الدائرة هذه الأيام لجمع توقيعات إسقاط الرئيس تدريبا عمليا مبتكرا على مخاطبة الشارع بلغة مختلفة استعدادا لانتخابات مقبلة، غير أن بروز المكون الفلولى فيها من خلال تبنى جنرال الثورة المضادة لها، وانطلاق تابعيه فى تدبيج البيانات والتصريحات بأنهم أصل التمرد ومنشأ المعارضة، ينزع عن هذا الحراك ملامحه الثورية والنضالية ويجعله كسابقه من تحركات مجرد محاولات للهدم أكثر من كونها سعيا لإنشاء بديل مقنع يمكن أن يوثق به.
ومن عجب أن رجال مبارك (الكبير والصغير) الذين هم رجال جنرال الثورة المضادة الآن يطلون من نوافذ التمرد ويتحدثون ويسلكون باعتبارهم شركاء ثورة جديدة فاسدة المعنى والمبنى، بل ويرون فى أنفسهم متمردين قبل ظهور التمرد ورعاة رسميين للحراك الموجود فى الفضائيات والصحف الصفراء الفاقع لونها أكثر من وجوده على الأرض.
وفى ذلك أصدر حزب الجنرال الفار بيانا ثوريا مضحكا يقول فيه إنه «يدعو جموع الشعب المصرى إلى الاحتشاد فى جميع الميادين العامة.. والالتحام مع حركة تمرد الرائعة للتوقيع على وثيقة سحب الثقة من الرئيس الإخوانى.. فلقد حانت ساعة الصفر الحاسمة.. لاسترداد الدولة المصرية من سارقيها ومغتصبيها الذين ينحرون فى توحدها وأمنها واقتصادها وحدودها نحر الفاسدين».
وأكرر هنا ما قلته فى الأسبوع الأول من ديسمير الماضى «إن فكرة الحشد على أرضية العداء مع الإخوان وقوى الإسلام السياسى فقط، فتحت الباب واسعا لحضور واستحضار الثورة المضادة كحليف مؤقت فى مواجهة السلطة الحالية، وهو الأمر الذى أفاد الرئيس وجماعته، وأضر بالمظاهرات الغاضبة التى خرج معظم المشاركين فيها انتفاضا ضد ديكتاتورية الإعلان الدستورى.. والنتيجة النهائية أن الحشد فقد كثيرا من نقائه وبهائه».
مرة أخرى: إن لم تدركوا أن جدول أعمال الثورة يختلف بل يتناقض مع جدول أعمال الثورة المضادة بشكل كامل فإنكم تواصلون الحرث فى البحر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق