شهوة البحث عن دور
المستشار محمد فؤاد جاد الله رجل طفا على سطح الأحداث في مصر شأنه شأن أشياء كثيرة في هذا البلد العجيب رأيناه في مطلع الثورة وأيامها الأولى ممثلًا لما يسمى مجلس أمناء الثورة ثم ما لبثنا أن رأينا مجلس الدولة الجهة التي تبين أنه يعمل بها يطلب التحقيق معه لتورطه في الشأن السياسي بما لا يتفق مع عمله القضائي ثم دفن الأمر ثم رأيناه من بعد ذلك ممثلًا في الجمعية التأسيسية للدستور بوجهيها، ونذكر يوم أن طرح تقليص عدد أعضاء المحكمة الدستورية في الجلسة الشهيرة لإنهاء دستور 2012 رأيناه يحمل الاقتراح بهمه ويذهب إلى رئيس الجلسة المستشار الغرياني وتنتزع من الجمعية الموافقة على تقليص العدد وذهاب المقلصين إلى عملهم الأصلي الذي كان على نحو أجهز على المستشارة الوحيدة، وكان ذلك أثناء عمله مستشارًا بالرئاسة إلا أنه أثناء مناقشة المواد المتعلقة بالسلطة القضائية في الدستور تشبث بالوضع القديم وحارب تنظيم الندب لرجال القضاء في غير جهات عملهم ولبث سيادته مستشارًا قانونيًا لرئيس الجمهورية شاركه في قرارات عودة مجلس الشعب والإعلان الدستوري الشهير وواقعتي النائب العام في مرتيها الفاتيكان وما بعدها، ثم ظل مرابطًا في موقعه بجوار الرئيس وفجأة في أبريل الماضي غادر الموقع باستقالة قال إنها ترجع إلى أن الرئيس يعود إلى مكتب الإرشاد في كل قرار، وأنه لا يستشير أحدًا وظل يسرد ما رآه عيوبًا من وجهة نظره متشجعًا وناقدًا بأثر رجعي فاحتفت به وسائل إعلام من قنوات وصحف رجال الأعمال الكارهين للإخوان.
أما وأنه قد استقال فهذا شأنه وأما أنه استقال فمعناه أن يعود لعمله القضائي يتنسك في محرابه وينظر أقضيته، بيد أن الغريب أن المذيع يسري فودة استهل عودته للعمل في برنامجه الليلي باستضافة المستشار المذكور الأربعاء الماضي، وقال سيادته ضمن ما قال لا فض فوه الآتي:
1- صفقة تمت لترك الجنود في سيناء في الصحراء مقابل الإفلات من العقاب، وأن الرئاسة تعرف الخاطفين ولا ترغب في ضبطهم. 2- مؤسسة الرئاسة بطيئة ولا يوجد رؤية للحل.
3- قيادة كبيرة في جماعة الإخوان المسلمين هي التي دعت لحصار المحكمة الدستورية العليا قبل نظر دعوى حل الشورى والجمعية التأسيسية.
4- ترشيح المستشار طلعت عبد الله لمنصب النائب العام جاء من خارج مؤسسة الرئاسة.
5- الرئيس مرسي يشاور مكتب الإرشاد في القرارات المهمة قبل أن يصدرها.
والسؤال الذي أسأله للسيد المستشار ما هي صفتك في الحديث عن مسألة الجنود، وقد تركت موقع مستشار الرئيس؟
ومن أين وقد تركت هذا الموقع عرفت أن هناك صفقة؟
وإذا كان الخاطفون معروفين فلماذا فقط ينصب نقدك على الرئاسة؟
لماذا لا تقبض عليهم الجهات الأمنية من جيش وشرطة وهي المختصة ولا يمنعها مانع قانوني من ذلك؟
ثم إذا صح ما تقوله من أقوال سردناها الآن ألم يحدث ذلك وسيادتك بجوار الرئيس فلماذا لم تستقل وتعلن موقفك في حينه؟ ولك في محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية الأسبق وزميله إسماعيل فهمي مثال اللذين لم يرضيا عن اتفاقيات كامب ديفيد فاستقالا في حينه
كيف تقبل أن تستمر وأنت ترى هذا الذي قلت لماذا لم تستقل إذا كنت قد عرفت كل هذا أثناء عملك؟
وأليست تلك أسرار يتعين عليك ألا تبوح بها والمستشار مؤتمن ولكل مقام مقال ولكل مقال ميقات إن صح أن ذلك حدث؟
إن المستشار المذكور ذكر وقائع لم يدلل عليها وشهد بأحداث لم يشارك فيها لم يتسلح بالشجاعة ولم يستقل إلا حين علم أن هناك هيئة استشارية من عدد من رجال القانون والهيئات القضائية تقوم بالدور الذي كان له فأراد أن يخرج في صورة البطل الذي لا ترضيه الأوضاع ونسي ما اقترفه في صناعة قرارات رئاسية، مما يتصل بالقانون شابها العوار الجسيم كقرار عودة مجلس الشعب أم تراه نسي أن أصحاب المواقف ينبغي أن يجهروا بمواقفهم في وقتها أما أن يتأخروا حتى تتضح الأمور ويلبسون لباس البطولة بعد فوات الأوان فلا معنى بعدئذ للبطولة، لأن المواقف هنا تكون مفسرة على فقد الدور والمكانة والشنآن على الرئاسة التي أفقدته ما كان سيما أن أفعاله السابقة لا تشي بهذه البطولة وكل ما يمكن أن نقوله أن هناك شهوة عارمة في البحث عن دور إن لم يكن تحت ظلال السلطة فليكن تحت راية المعارضة والنقد..
إن الذي أخفق في صناعة دور وهو في السلطة لا يستطيع أن يدعي الإبداع في المعارضة وقديما قال نقاد الأدب إن الناقد الناجح هو مبدع فاشل ولذلك لم نقرأ لمحمد مندور أو أنور المعداوي رواية أو قصيدة في مستوى نجيب محفوظ أو أحمد شوقي.
وحتى أصدق المستشار جاد الله في أفعاله وهو من أمناء الثورة كنت سأصدقه لو كان قد نشر علينا تقرير تقصي حقائق أحداث الثورة وما بعدها ولو كان قد سعى في المطالبة بإعادة تطهير وتنظيم القضاء والإعلام والشرطة وطالب بحماية كرامة الإنسان المصري وسعى في إنهاء ندب قضاة مجلس الدولة لدى السلطة التنفيذية بما يؤدي إليه من القيام بدور متناقض في إقرار السلطة التنفيذية على أفعالها ثم عندما تحتكم إليه يقضى في النزاع بغير حرج.
للشجاعة مواعيدها والصلاة على وقتها خير من الصلاة قضاءً وبلال بن رباح خير من أبي سفيان أما التأخر وادعاء البطولة بعد فوات الأوان فمرده ليس الصالح العام وإنما مرده شهوة البحث عن دور وهي آفة تصيب دائمًا رجال القانون وانظر إلى أي ثورة مصرية تجد أن من أفسدها رجال قضاء أو قانون اتصلوا بالساسة هم يريدون أن يتم تشكيل الواقع الجديد حسب مصالحهم الضيقة، فيصطدمون ويطردون ثم يدعون أنهم ما طردوا وإنما اعترضوا فخرجوا حرصًا على الثورة فيا أيتها الثورة كيف أنعيك فكم من الجرائم ارتكبت وترتكب باسمك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق