الذين سقطوا أخلاقيا وسياسيا فى اختبار خطف الجنود
وائل قنديل
يتذكر الذين عايشوا ملحمة انتصار أكتوبر ١٩٧٣ أن اللصوص المنتشرين فى ربوع مصر فى ذلك الوقت اتخذوا قرارا حضاريا بالتوقف عن السرقة لأن الأمة كلها، بجيشها وشعبها، مشغولة فى حرب مقدسة ضد عدو الجميع..
فى ذلك الوقت قدم اللصوص والحرامية درسا بليغا فى الوطنية والأخلاق معا، إذ انخفضت معدلات السرقة والنشل والسطو على المنازل حتى كادت تختفى تماما طوال فترة القتال على الجبهة، وأظهروا نبلا إنسانيا نادرا غير مستسلمين لإغواء الانتهازية واستغلال الفرص.
وفى هذه اللحظات العصيبة تخوض الأمة المصرية كلها ــ إلا من ابتلى ربك بالوضاعة والخسة ــ معركة للدفاع عن كرامة جيشها وحياة سبعة من أبنائها اختطفهم «عدو» بمنتهى النذالة والغدر، وكان من المنتظر أن يستدعى الجميع الجزء المضىء من التركيبة الإنسانية ويؤجلوا أحلامهم فى القنص والانتهازية والقرصنة حتى تنكشف الغمة، وترد مصر العدوان وتحرر أبناءها المحتجزين، غير أن الستار انفتح على حالة من التعرى الأخلاقى والسياسى الفاضح، فضاعف قراصنة السياسة والساعون إلى السلطة من نشاطهم استثمارا للموقف العصيب، وبدلا من إعلاء قيم التجرد والتضحية وإعلاء مصلحة المجموعة، برزت مخالب التشفى وأنياب الشماتة، واستعرت الرغبات المجنونة فى استغلال الفاجعة لاقتناص مكاسب وأرباح غير مشروعة، حتى لو أدى الأمر إلى انكسار هيبة الوطن وكرامة المواطن وهدم المعبد على رءوس من فيه، حكاما ومحكومين.
ويلفت النظر أن رءوس الحراب الإعلامية التى تقود أوركسترا الشماتة والتسفى وزرع الفتن بين مؤسسات الدولة المعنية بهذه الأزمة، هى ذاتها تلك الرءوس الصدئة التى اعتبرت قبل أكثر من ثلاثة أعوام المعركة الكروية بين منتخب مبارك وأبنائه من جانب، ومنتخب الجزائر الشقيقة من جانب آخر، معركة كرامة وطنية وحربا للدفاع عن سيادة مصر وشرفها وأمنها، على الرغم مما اكتست به هذه الحرب التافهة من هزل وقلة قيمة وتحويل أحلام ابنى المخلوع إلى حلم قومى ودفاع عن الشرف الوطنى الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم.
هو ذاته الإعلام الساقط الذى جعل مصر الكبيرة أضحوكة العالم أجمع فى «حرب الكرة» الذى يمارس الآن كافة أشكال صناعة الكذب والفزع والتشويش والشماتة والتشفى والغل الآن، لكن المخجل أن بعضا مما تعاملنا معهم باعتبارهم وطنيين كبارا بدوا أكثر تهافتا وضآلة وهم يتركون أنفسهم لبارونات إعلام الفتنة والسقوط، يحركونهم مثل عرائس الماريونيت وينطقونهم بما يريدون إشاعته وترويجه من فاحش القول ومنحط الفكر، حتى أن «كبيرا» من إياهم قرر أن يتمايل على إيقاعات مطربة مبتذلة ويقول معها ولها إنهم رفضوا الاستجابة لدعوة حوار حول الأزمة لكى «يشيلها الرئيس وحده».
وإلى جانب هؤلاء تطل الوجوه ذاتها هرولت على وجوهها إلى المخلوع حين تعرض لاعتداء فى أديس أبابا منتصف التسعينيات، لتشمت فى الدولة المصرية الآن وتتصرف بروح القرصنة وعقلية نبش القبور تتحكم فى نفوس لا تخجل وهى تعلن إفلاسها الأخلاقى والفكرى فى لحظة كان من المفترض فيها أن يسمو الناس على أطماعهم ورغباتهم الصغيرة، ولو حتى من باب الاستثمار السياسى فى المستقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق