النيل مسلم أم مسيحى؟
وائل قنديل
مصر محلك سر، ما أشبه الليلة بالبارحة، لقد اكتشفت بالمصادفة أن الاشتباك الفارغ حول أزمة مياه النيل هذه الأيام صورة طبق الأصل من اشتباك وقع منذ ثلاث سنوات بالتمام والكمال.
ومن مايو ٢٠١٠ إلى مايو ٢٠١٣ لا شىء تغير فى عقلية المصريين وسيكولوجيتهم على الرغم من زلزال يناير ٢٠١١.
لقد خلع مبارك وجاء مرسى، ورحل الأنبا شنودة وتولى تواضروس، ومع ذلك مازلنا نجتر الحواديت ذاتها.
إذن لا بأس من إعادة التذكير بمقال نشرته فى هذا المكان بتاريخ ١٨ مايو ٢٠١٠ بالعنوان أعلاه:
رائع أن تتضافر كل الجهود لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه فى ملف أزمة مياه النيل.. وشىء نبيل ألا نقف مكتوفى الأيدى مكتفين بالبكاء على النهر المسكوب، لكن نبل المقاصد لا ينبغى أن يستدرجنا من حيث لا نشعر وربما نشعر إلى دروب ومتاهات خطيرة لا لزوم لها.
من ذلك أن ينجرف البعض إلى إضفاء صبغة دينية على أزمة مفاوضات دول حوض النيل، كما حدث قبل يومين مع الإعلان عن دخول الكنيسة المصرية على الخط بمخاطبة السلطات الدينية فى دول الحوض، والأغرب أن تأخذ هذه الاتصالات البابوية صبغة شبه رسمية بالتنسيق مع وزير الرى المصرى، ومع تقديرى الشديد لنزاهة المقصد إلا أن ذلك قد يفتح الباب أمام تديين الصراع، وغنى عن القول أن دول الحوض تضم مسلمين ومسيحيين وديانات أخرى، وجلى عن البيان كذلك أن أفريقيا كانت ومازالت ميدانا فسيحا لممارسة نوع من التنافس بين مؤسسات دينية مختلفة.
فما أن أعلن عن تدخل البابا شنودة فى محاولة للتأثير على السلطة الكنسية فى إثيوبيا، حتى سارع المدعو موريس صادق لاستخدام السلاح ذاته فى الاتجاه المضاد، أى دعوة كنائس أفريقيا للضغط على مصر بمياه النيل للحصول على ما يراه حقوقا مهدرة أو امتيازات إضافية للأقباط.
وأخشى أن يستفز هذا الجدل هيئات إسلامية مثلا للدخول هى الأخرى مدفوعة أيضا بنبل الغاية والهدف، وهنا قد نجد أنفسنا فى النهاية فى آتون معركة عقائدية لن تضيف للموقف المصرى والسودانى، بل ربما تسحب منه، ومن يدرى فربما يدخل حاخامات إسرائيل على الخط ويحاولون التأثير على يهود الحبشة والدول الأفريقية الأخرى لممارسة ضغوط على حكوماتهم كى تتعنت أكثر ضد دولتى المصب.
مرة أخرى، لا أحد يجرؤ على التشكيك فى حسن نية الكنيسة المصرية والأزهر الشريف، لكن من المهم أن نترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فتلك أزمة سياسية بالأساس ينبغى أن يتصدى لها الساسة ويوفوا بواجباتهم والتزاماتهم، وإن كانوا يعتبرون أنفسهم أعجز من الاضطلاع بالمهمة فلينسحبوا ويتواروا بعيدا ويتركوا من يستطيع إدارة الملف لتسلمه ومحاولة إيجاد حلول للأزمة.
وفى حدود معلوماتى المتواضعة ليس للنيل ديانة، هو نهر الله الذى أجراه وسيره بقدر فى هذه البلاد تحديدا، يعيش عليه وبه البشر بصرف النظر عن دينهم أو لونهم، فلترفع جميع الرموز الدينية أيديها عن الملف، ومن شاء أن يسهم فى إنهاء الأزمة فليفعل دون أن يعلن ذلك على الملأ، كى لا يتحول النيل إلى ملعب لسباقات السياحة العقائدية والطائفية، لأن النتائج قد تكون أخطر كثيرا مما نراه الآن من لعبة عض الأصابع بين دول الحوض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق