طلعت رميح "للبيان": الانفلات الإعلامي والأمني.. وجهان لعملة واحدة
أجرى الحوار: السنوسي محمد السنوسي
• «التمويل».. لغز يطرحه المشهد الإعلامي في مصر
• «الحرية» لا تعني الفوضى وتفجير المجتمع بالإشاعات
• هناك فضائيات تردد مزاعم الإعلام الأمريكي والصهيوني ولكن بلغة مصرية
• السخرية من العلماء والدعاة جزء من الحرب النفسية
• الإعلام عليه مسئولية كبرى في استكمال أهداف الثورة
• التحدي.. كيف نصنع إعلامًا إسلاميًّا وناجحًا بالمعايير الفنية الموضوعية؟
لا تزال علاقة الإعلام بثورة 25 يناير علاقة ملتبسة، مليئة بالكثير من علامات الاستفهام!
وبينما يكون للثورات إعلامها الذي يحمل رسالتها، ويعمل على استكمال أهدافها، فإن المشهد الإعلامي المصري بعد الثورة يجعل هذه الحقيقة الثابتة محل شك!
في حوارنا مع الصحفي والمحلل السياسي وعضو مجلس الشورى طلعت رميح، أشار إلى بعض أسباب هذه العلاقة الشائكة بين الإعلام والثورة، والتي جعلت معظم وسائل الإعلام تقف في المسافة القريبة من الثورة المضادة والانفلات الأمني.
وأكد رميح ضرورة أن يدرك الإسلاميون أهمية الإعلام وخطورته؛ لينتقلوا من «الاتصال المباشر» عبر المساجد واللقاءات الخاصة إلى اتقان «صناعة الإعلام»، وحشد الجماهير العريضة خلف أهداف الثورة، من الحرية والتنمية في كل المجالات.
فإلى تفاصيل الحوار...
البيان: بعد عامين على الثورة.. كيف تري المشهد الإعلامي؟
لمعرفة المشهد الإعلامي بعد الثورة، يجب أن نفهم كيف كان هذا المشهد قبل الثورة؛ لقد كانت أجهزة القمع قد أنهت تقريبًا الصحف ذات التوجهات الفكرية والسياسية والدينية، وكانت وسائل الإعلام الرسمي قد تدهور حالها حتى أصبحت ناطقة بلسان النظام بطريقة فجة، وتدعو للتوريث بطرقة فجة أيضًا.. وكانت لا تتعامل مع قضايا الوطن والمواطن على أي مستوي فعّال.
وكانت هناك بداية للإعلام الخاص، الذي توسّع عن طريق الشركات التي تتشكل عبر سوق المال.
أما بعد الثورة، فما ورثناه قبلها من فضائيات وصحف خاصة، ظلت كما هي؛ نفس الشخصيات تقريبًا، بنفس التوجهات، بل باتت تؤدي دورًا أخبث ضمن إطار خطة الثورة المضادة.
وبالنسبة لأجهزة الإعلام الرسمية أثناء الثورة، فقد ارتبكت ارتباكًا شديدًا، ولم يعد لديها وجهة نظر أو توجه محدد.
حتى الآن، نستطيع أن نقول: المشهد الإعلامي لم يتغير في كلياته عن المشهد ذاته قبل 25 يناير، بل حدثت تحولات وأصبح الكثير من الصحف ومحطات التلفزة تعمل في إطار إنفاذ مخططات الثورة المضادة.
واللغز الذي يطرحه الإعلام في مصر هو لغز التمويل! فحسب تقارير كثيرة، فإن إعلانات هذه القنوات لا تغطي إلا جزءًا يسيرًا جدًّا من تكلفتها!
وفي المقابل، الإعلام الثوري والإعلام الإسلامي لا يزال للأسف الشديد يتحرك ببطء، دون احترافية ودراية.
البيان: انتشار القنوات الفضائية والصحف بهذا الشكل الكبير الذي رأيناه بعد الثورة.. هل هو ظاهرة صحية؟
دائمًا بعد الثورات والتغييرات الكبرى، تحدث حالات انفجارية؛ في الأحزاب السياسية والصحف والمحطات الفضائية.. هذه الحالة من الطبيعي أن تحدث في مصر، لكن المشكلة أن الأغلب فيما ظهر من صحف وفضائيات جاء إضافةً إلى المحطات التي كانت قائمة قبل 25 يناير، أي في إطار خدمة الثورة المضادة والحرب على الإسلام والإسلاميين، ولا يشكل إضافة حقيقية للإعلام المهني.
والقليل من هذه القنوات تأسس وفق التوجهات الإسلامية، لكنه مازال يحاصر نفسه في أوضاع فنية وأساليب للعمل الإعلامي لا تحقق له قدرًا من المشاهدة! للأسف الشديد، يبدو لي أن الإسلاميين مازالوا يركزون اهتمامهم الرئيسي على التواصل المباشر مع الناس، لا عبر وسائل الإعلام.
الإعلام والثورة المضادة
البيان: كيف ترى «الإعلام الخاص» في المسافة بين الثورة والثورة المضادة؟
كما قلت، فإن أغلب «الإعلام الخاص» جاء إضافة للثورة المضادة، بحكم رأس المال، وقدرته على الإنفاق المالي، وأيضًا بحكم توجهه الفكري؛ سواء الليبرالي أو اليساري.
بل ربما زاد حربهم على الإسلام والإسلاميين، لاستغلالهم أجواء الحرية؛ وهذا يصدق على الإعلام في مصر وخارجها.. وإذا أردنا أن نعرف طبيعة وخلفيات الأفكار التي يطرحها أغلب الإعلام الخاص في مصر، علينا أن نري ونستمع لما تقوله أجهزة الإعلام الأمريكية والصهيونية في إطار الحرب على الإسلام والمسلمين.. فأغلب الإعلام الخاص يعيد تكرار هذه المقولات، ولكن بلغة مصرية!
البيان: كيف يكون للإعلام دور إيجابي في التغيير واستكمال أهداف الثورة؟
الإعلام الإيجابي هو الذي يحافظ على استمرار حالة مواجهة الفساد، ويدعم استكمال التغيير داخل مؤسسات الدولة، ويحافظ على أهداف الثورة ويسعى لتحقيقها.. لكنه أيضًا يدعم شرعية ما جاء بعد الثورة، وينتقد ما لا يأتي منها مطابقًا لأهداف الثورة.
لكن الحاصل حتى الآن أننا أمام إعلام يصيب الناس بالعدمية، ولا يسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، بل يسمي البلطجي: ثائرًا، وأعمال التخريب: مظاهرات سلمية!.. فهو يؤجج المشاعر باتجاه أحداث عنف واضطراب وحروب أهلية وفتن داخلية، ولا يؤجج مشاعر الناس باتجاه تحقيق أهداف الثورة والإنتاج.. مما يضعف السياحة، ويعطل الشركات، ويدخل البلاد في حالة استنزاف وفوضي. إضافة إلى أنه إعلام لا يأتي على ذكر خصوم مصر، ممثَّلين في الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني.. إنما هو يركز كل الانتباه على المشكلات المعيشية؛ بهدف عدم حلها، لا بهدف حلها.
الانفلات الإعلامي والأمني
البيان: إذن أنت تتفق مع من يربط بين «الانفلات الأمني» في الشارع وما يعرف بـ«الانفلات الإعلامي»؟
نعم، هما وجهان لعملة واحدة، ويصنعان بعضهما البعض؛ وربما يكون ليس فقط المستفيد واحدًا، بل المموِّل واحد! فكما نرى في الشارع قذف طوب وحجارة، نرى مثل هذا أيضًا في الإعلام.. وكما نرى حالة من حالات الانفلات الأمني؛ لتحويلها إلى ثورة مضادة وإلى حالة انقلابية على الثورة، نرى هذا الأمر في الإعلام.. الاثنان وجهان لعملة واحدة؛ لكن الانفلات الإعلامي في رأيي هو الأخطر؛ لأنه هو الذي يؤدي إلى الانفلات في الشارع.
البعض لا يفهم من «الحرية» إلا الفوضى، كما هو حاصل الآن.. فنحن نرى محطات فضائية ومواقع على الإنترنت تنشر أخبارًا كاذبة، والأخطر أنه معلومٌ لدي من ينشرها أنها كاذبة!
لقد تحول الإعلام إلى نمط من ممارسة الحروب النفسية على المجتمع المصري والحركة الإسلامية؛ ولم تعد المسألة تتصل بكونها أخبارًا مغلوطة أو مدسوسة بل نحن أمام نسق ونمط مدرار من الأخبار الكاذبة والمفبركة- قصدًا- بهدف إثارة أوسع درجة من الاضطراب داخل المجتمع، وتعطيل بناء وقيام المشروع الإسلامي، وتعطيل إحداث التنمية في المجتمع.
البيان: لماذا لا توجد آلية فعالة لإلزام الفضائيات والصحف بميثاق الشرف الإعلامي والصحفي؟
هذه مشكلة ضخمة للغاية، فنحن نعيش وسط ترسانة من القوانين التي جرى سَنُّها لتعميق حالة الفساد في الإعلام والسياسة والاقتصاد وفي كل شيء.. وبالتالي، هذه مهمة تحتاج إلى وقت طويل، وإلى تشريعات عديدة، وأيضًا إلى وعي بخطورة هذا الأمر.
البيان: بصفتك عضوًا بمجلس الشوري- الذي يتولي الآن سلطة التشريع كاملة- ما دور المجلس في مواجهة الانفلات الإعلامي؟
المفترض أن يكون لمجلس الشورى دور في هذا الصدد، وأن يكون هذا الدور واعيا وفعالاً، لكن نحن غارقون وسط مطالب بتغييرات تشريعية ضخمة للغاية، والجهد حتي الآن مازال محدودًا بحكم عدم وجود مجلس النواب (الشعب سابقًا).
البيان: ماذا تقول لمن ينشرون أخبارًا كاذبة تزعزع استقرار المجتمع؟
أقول لهم: سيحاسبكم الله سبحانه وتعالي، وأنتم بهذا تفجّرون المجتمع، ولا تحققون أية مصلحة عامة؛ وللأسف أنتم تضعفون المجتمع في مواجهة خصومه، وتضعفون قدرته على أن يواجه التحديات الحقيقية في التنمية.. وهذا الدور الذي تمارسونه يعد عملاً تخريبيًّا.
الحرب النفسية
البيان: التهجم على العلماء والدعاة في وسائل الإعلام.. لماذا؟
هذا التهجم ليس مقصورًا على العلماء والدعاة فقط، بل يشمل بعض الرموز السياسية.. وهو نمط من أنماط الحروب النفسية، يستهدف إضعاف النفوذ والدور والهيبة لهؤلاء الأشخاص ولما يقولونه.. فحينما يتم ازدراء شخص وتشويه صورته، فكيف سيكون محل قدوة وتأثير في المجتمع؟!
الولايات المتحدة الأمريكية هي التي سنَّت هذا الأسلوب الإعلامي في التشويه والحروب النفسية، حينما قالت: أنا أحارب الإرهابيين.. بينما هي تقصد الإسلام والمسلمين.. هذه لعبة معروفة، لعبة خلط الأوراق.
البيان: كيف يمكن التصدي لذلك؟
الذي أراه فعالاً لمواجهة ذلك، أن تكون هناك وسائل إعلامية إسلامية منافسة وناجحة.
وهذا أمر يمثل تحديًا للإسلاميين، أي كيف نصنع إعلامًا إسلاميا ملتزمًا، وفي الوقت نفسه يكون ناجحًا بالمعايير الفنية بشكل صحيح، قادرًا على الوصول للناس، ويتخطى المرحلة التي عشناها مع الإعلام الإسلامي في البداية، والتي كانت عبارة عن حالة إعلامية تقليدية؛ خطبة ومنبر وكتاب؟!
علينا أن نتعامل مع الإعلام بآلياته وحرفياته، مضافًا إليها المنظومة القيمية التي يحملها المضمون الإسلامي.. المطلوب: إجادة «صناعة الإعلام».
البيان: هل وسائل الإعلام في نقدها للإسلاميين تفتري عليهم وتبالغ، أم تعكس واقعهم بأمانة؟
كما قلنا، الإعلام المعادي للإسلام في مصر، هو صدي للإعلام الغربي والأمريكي، الذي درس وحلَّل المنظومة القيمية للمجتمع المصري، ويحاول تفكيكها وإضعاف تأثيرها.. فيجري التقاط صور معينة مسيئة وتضخيمها، أو اختصار حدث كبير في لقطة تلفزيونية واحدة، ضمن الحرب النفسية التي أشرنا إليها.
الاتصال المباشر.. لا يكفي
البيان: كيف يكون المجتمع شريكًا للدولة في مواجهة الانحراف الإعلامي؟
بالطبع المجتمع له دور في تقويم هذا الانحراف، والاحتجاج ضد الفضائيات والصحف التي تخرج على الأصول المهنية.
لكن الأهم، أن نكون نحن أولاً منافسين حقيقيين لوسائل الإعلام المنحرفة، وبالتالي يكون متاحًا للمشاهد والقارئ أن يري نمطًا آخر من الممارسة الإعلامية الراقية.
علينا أن نُري المواطن إعلامًا قيمًا هادفًا حرفيًّا، به رؤية سياسية وفكرية، ذا توجه حضاري واضح.. وبالتالي يستند المواطن إلى حقيقة أن هناك إعلامًا آخر، قادرًا على المنافسة. لأنه حتى إذا أخذ المواطن موقفًا بمقاطعة هذا الإعلام المنحرف، فمن أين يحصل على الأخبار؟ ولهذا سيعود إليها مجددًا.. فيبقي أن نقدم نحن البديل، الذي يوفر الخبر والتحليل والرؤية والصورة، وكل الأدوات الإعلامية المهنية المتعارف عليها.
بهذه الطريقة نستطيع مواجهة الانحراف الإعلامي وكشفه وهزيمته.
لكن المشكلة- كما ذكرنا- أن من الإسلاميين من يرى أن الاتصال المباشر بالجماهير يكفي.. بينما في الحقيقة، الاتصال المباشر قد يحدث نموًا لتنظيم دعوي أو حزبي، وقد يؤدي فعلاً لنتيجة جيدة في الانتخابات؛ لكن في ضوء قيام ثورة في المجتمع وتغيير جذري فهذا لا يصلح، ولا نستطيع من خلال الاتصال المباشر التأثيرَ في قطاع واسع من الجماهير وحشد كل الجهود للأهداف الكبرى.
فإدارة الدولة وتغيير المجتمع، لا يتمّان إلا من خلال العمل الإعلامي العام.. وهذه خطوة لابد أن تخطوها الحركة الإسلامية، وأن ندرك حجم الخطر الذي نواجهه الآن من هذا الإعلام؛ حتى نذهب باتجاه العمل الإعلامي المهني المتميز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق