الفرحة بعودة الجنود خيانة للثورة
وائل قنديل
وكأن على رءوسهم الطير..هذا حال الذين صدمتهم عملية تحرير الجنود المخطوفين وجردتهم من ورقة ظنوا أنهم قادرون على تحقيق أرباح بها فى بورصة الهذيان السياسى.
وكأنها جريمة ارتكبتها الدولة المصرية ممثلة فى رئيسها وجيشها حين نجحت فى استعادة المخطوفين دون دماء وبلا رصاص، فأصابت «أصحاب المكلمة» بغصة فى الحلوق التى استمرأت لعبة الدم والحريق.
من هول المفاجأة كاد بعضهم يفقد صوابه ويعلن رفضه استعادة الجنود من خاطفيهم، إذ كيف بهذه السهولة تلقف عصا الدولة كل هذه العصى فى أيدى أصحابها المتعطشين لوليمة شماتة وتشفٍ مخلوطة بالدماء؟ وكيف يخرج الرئيس ونظامه من هذا الاختبار العصيب بهذه السلاسة؟
وكيف يحتفل القائد الأعلى للقوات المسلحة بإنجاز رجاله ويقدم لهم التهنئة ويحييهم على نجاح مهمتهم فى الذود عن كرامة مصر؟
بالتأكيد هذا صادم وجارح لمشاعر أولئك الذين اعتبروها واحدة من الفرص الثمينة لكى تأكل الدولة بعضها بعضا، ولكى ينشطر الواحد الصحيح إلى أجزاء متصارعة، ما يمهد للتخلص من رئيس جاء بالانتخاب.
وعلى الرغم من بلاغة الصورة وصدق الملامح المبتهجة بعودة الجنود على وجوه قادة الجيش والشرطة، فإن بعضهم مازال غير قادر على التنازل عن أوهامه المعششة وأحلامه المتعطشة لانقلاب الجيش على قائده الأعلى..
ويدهشك، أو بالأحرى يصيبك بالأسى ويدعوك للرثاء، هذا التصميم الكيدى على أن هناك خصومة بين الرئيس والمؤسسة العسكرية.
لقد استبد الكيد ببعضهم لدرجة أنه يكاد يعتبر الفرحة بتحرير الجنود خيانة للثورة (الثورة المهندسة وراثيا أو الإصدار الجديد منها الذى يقوم على الجمع بينها وبين ما هو ضدها) وفى ذلك ـ وكالعادة ـ لا يريد المصدومون الاعتراف بأن العملية نجحت، إلا إذا اطلعوا على دقائقها وخفاياها وأسرارها، وكأن المطلوب أن تتحول غرقة عمليات القوات المسلحة إلى سيرك يفتح أبوابه مجانا للباحثين عن اللهو، البرىء منه وغير البرىء.
إن كثيرين للأسف استقبلوا ما جرى بعقلية مدمنى «البلاى ستيشن» وجمهور أفلام الأكشن، يريدونها معركة أشبه بلعبة تفاعلية، من حق كل من بيده كيبورد أو ريموت كونترول أن يحركها على هواه ووفقا لأوهامه.. وعلى ذلك طار صواب بعضهم وتخبطوا فى خطابهم كمن أصابته صاعقة، فبعد النواح والعويل على الدولة العاجزة عن استعادة جنودها المخطوفين، انقلبت الدفة وتحول الخطاب إلى غمز ولمز فى الواقعة من الأصل.
لكن الفنتازيا تبلغ ذروتها عندما لا تلتقط العيون الوقحة من المشهد كله إلا أن رئيس الجمهورية الذى يتناوله إعلام الملاهى الليلية بأكثر من عشر ساعات يوميا بالسخرية والسباب تحدث لمدة ١٥ دقيقة كاملة فى الاحتفال باستعادة الجنود المخطوفين.. وتسمع عجبا وتشاهد عبثا حين يتطاوس المصدومون والمصدومات فيلقنون الرئيس دروسا فى أصول الكلام والبروتوكول، ويعنفونه على أنه تقدم بالشكر لكل من ساهموا فى تنفيذ العملية.
لقد تربى هؤلاء البؤساء فى حظائر إعلامية كانت تنسب كل لعبة حلوة فى مباراة للمنتخب لتوجيهات السيد الرئيس وحنكته، فكيف يأتى هذا الرئيس الديكتاتور عديم الايتيكيت ويرجع الفضل لأصحابه فى عملية تحرير الجنود؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق