من القصير إلى دمشق .. وعد نصرالله الجديد بالانتصار!!
ياسر الزعاترة
في ذكرى عزيزة تستحق الاحتفال، هي ذكرى تحرير جنوب لبنان من العدو الصهيوني عام 2000، تحدث حسن نصر الله مساء السبت، لكن احتفاله لم يترك من تلك الذكرى شيئا، بعد أن تحولت البنادق إلى صدور الشعب السوري، وبعد أن لم تعد ثمة مقاومة ضد الكيان الصهيوني منذ تموز 2006، وإنما سلاح للداخل اللبناني، ثم ضد الشعب السوري.
كان نصر الله يأمل أن يبدأ الاحتفال، وقد انتهى مقاتلوه من تحرير القصير من الثوار السوريين، لكن “سوء الطالع” لاحقه هذه المرة، إذ لم يفلح “المجاهدون” في تحقيق الانتصار المؤزر في الموعد المحدد!!
للتذكير فقط، كان يوم السبت هو نفسه اليوم الذي قتل فيه الطفل السوري حمزة الخطيب تحت التعذيب في أروقة المخابرات الجوية قبل عامين، حيث جرى تشويه جسده وانتزاع عضوه الذكري، مع تصوير مقصود للمشهد كي يُقال لكل السوريين إن هذا هو مصير من يتمرد على النظام.
ذكرى الطفل الشهيد كانت تصفع رواية حسن نصر الله للقضية المثارة، والتي انطوت على كذب واضح من أجل تبرير موقفه الجديد بالإعلان الصريح عن التورط في قتال الشعب السوري، هو الذي برره في المرات السابقة بنفس طائفي؛ أولا بالقول إن يدافع عن قرىً شيعية لبنانية، وثانيا بالدفاع عن المقامات الدينية
(لماذا يعجز النظام عن الدفاع عنها ما دام قويا وتماسكا؟!).
رواية نصر الله بدأت بتأكيد وجود مطالب شعبية حقيقية للإصلاح في سوريا، أما التالي، فهو الحديث عن قيامه بوساطة استجاب لها بشار، لكن المعارضة هي من رفضتها (كذا!!)، وهي رواية تستخف بعقول الناس وتعتقد أنه ذاكرتهم مثقوبة.
أولا، وقبل كل شيء، كانت محاولات الوساطة قد بدأت بمبادرة من خالد مشعل، وجرى ترتيب لقاء يجمعه ونصر الله مع بشار ما لبث أن اعتذر عنه نصر الله في إعلان صريح عن أن الحل الأمني هو الخيار الذي اعتمده النظام.
ينسى نصر الله على ما يبدو، ويريدنا أن ننسى أيضا طبيعة استجابة بشار الأولى، وقبل أن تطلق رصاصة واحدة في الثورة التي استمرت سلمية 6 شهور.
يريدنا أن ننسى خطابه الأول والثاني الذي استخف فيه بالناس، وأعلن عن مسلسل إصلاحات بائس؛ ما لبث أن أنتج دستورا جديدا جعل من الرئيس وصيا على الدولة والمجتمع، بدل النص على أن “حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع”!!
ينسى نصر الله ما قاله فاروق الشرع لصحيفة الأخبار اللبنانية التي يمولها حزب الله، حين أكد أن النظام كان يستجدي خلال الشهور الأولى إطلاق رصاصة واحدة كي يتهم الثورة بالعنف والإرهاب.
كانت تلك مقدمة نصر الله لتبرير موقفه الذي استفز جميع الشرفاء في الأمة.
أما التالي فتمثل في توصيف الوضع الجديد بقوله: “لم تعد سوريا ساحة لثورة شعبية ضد نظام سياسي (إقرار بأنها كانت كذلك، فهل أيدها يومئذ؟!) وإنما ساحة لفرض مشروع سياسي تقوده أمريكا والغرب وأدواته في المنطقة، وكلنا يعرف أن مشروع أمريكا في المنطقة هو مشروع إسرائيلي بالكامل”.
وإذا كان الجزء الأخير من التوصيف صحيحا، فإن من جعل سوريا ساحة يستفيد منها الكيان الصهيوني هو النظام ومن يدعمونه، وليس الشعب السوري الذي خرج يطلب الحرية مثل الشعوب الأخرى، لكن الحقيقة أن الكيان الصهيوني لا ينحاز للثورة، بل يريد استنزاف سوريا كدولة، ويفضل بقاء بشار ضعيفا منهكا بعد ذلك.
يعلم نصر الله أنه لو كانت أمريكا ودول الغرب تريد انتصار ثورة الشعب السوري، لكان المشهد مختلفا، لكنهم لا يريدون ذلك، وهمْ من ضغط ولا يزال من أجل منع السلاح النوعي عن الثوار، في وقت يعرفون فيه أن النظام يتلقى الدعم الهائل من إيران وروسيا.
من هنا، فإن توصيف المعركة على أنها بين جبهة إسرائيلية أمريكية، وبين جبهة مقاومة لم يعد يمر على عقل طفل صغير، والكل يعرف أن هذه الاستماتة من طرف حزب الله في المعركة إنما هي دفاع عن مشروع تمدد إيراني يشعر بخطورة وضعه إذا انهار ركنه الإستراتيجي في سوريا.
في الشق التالي حصر نصر الله الثورة السورية في إطار من سماهم التكفيريين، وهو هنا يستلهم ذات الخطاب الأمريكي والصهيوني والغربي أيضا، في مفارقة تستحق التوقف، فيما يعلم الجميع أن الغالبية الساحقة من المقاتلين في سوريا هم سوريون، مع وجود قلة من العرب والمسلمين جاؤوا بمبادرات فردية ينصرون شعبا مظلوما، خلافا لحزب ممثل في حكومة لبنانية جاء ينتصر لطاغية ضد شعبه.
كان لافتا بالطبع أن لا يهدد نصر الله الكيان الصهيوني، لا بثأر عماد مغنية، ولا بالرد على استهداف سوريا من خلال غارات الطيران، بل ركز تهديده على الشعب السوري، وهي مفارقة تكشف حقيقة المشروع الذي ينخرط فيه هذه الأيام، والذي لا تستر عورته مقولات المقاومة والممانعة.
أما الأسوأ فهي دعوته لخصومه اللبنانيين بالقتال على أرض سوريا، وهو ما جاء الرد عليه سريعا بصاروخين على الضاحية الجنوبية!!
أخيرا، وبعد أن وعد جمهوره بالانتصار (على الشعب السوري طبعا)، أخبرنا نصر الله بأنه “إذا ضاعت سوريا، ضاعت فلسطين”، لكننا نعلم أن فلسطين ضائعة، ولن تعود حتى تتحرر شعوب العرب من أسر الطغاة الذين ضيعوها (هل سوريا هي بشار ونظامه؟!)، فالشعوب بالحرة هي القادرة على الانتصار والتحرير، وليس الشعوب الخاضعة للدكتاتورية والفساد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق