جنرالات الثرثرة لن يحرروا الجنود المخطوفين
وائل قنديل
المفروض أن مصر كلها تمر بأزمة تخدش كرامتها وتبتز مشاعرها الآن.. عن مأساة خطف جنودنا فى سيناء أتحدث.
لكن العجيب والمؤلم فى آن معا أن بعضهم لا يرى فى الأزمة سوى أنها فرصة مواتية يجب استثمارها بكل الطرق والوسائل لترويج بضاعة الأوهام المصنعة فى عقول خربت ونفوس فسدت عن صدام أو صراع بين رئاسة الدولة وقيادة الجيش، فلم يجدوا فى هذا الجرح المؤلم لكل مصرى ومصرية إلا أنه ساحة لاستخدام أدواتهم ومفرداتهم البذيئة لصناعة صورة تشبه كثيرا تلك الصورة البائسة التى أفضت إلى أسوأ هزيمة للإنسان العربى فى القرن العشرين وهى نكسة ١٩٦٧، وهى صورة الصراع بين الرئيس والمشير التى لا نزال ندفع ثمنها حتى هذه اللحظة.
إن أحدا منهم لا يهتم كثيرا بأن هيبة الدولة المصرية بحكامها ومحكوميها، بجيشها وشعبها تتعرض للإهانة بهذه الجريمة الغادرة، كما لا يعبأ كثيرا بأن كرامة العسكرية المصرية تواجه موقفا صعبا يريد منه المجرمون ابتزازها، فضلا عن أنهم لا يعنيهم كثيرا أن مواطنين مصريين بسطاء ودعوا أسرهم وخرجوا لخدمة الوطن فاختطفوا بمنتهى الخسة والوضاعة..
لكنهم بالطبع يهتمون أكثر باستغلال هذه المناسبة الحزينة لإشعالها نارا بين الرئيس والجيش، فتجدهم يتقافزون فوق الشاشات والصفحات كالقردة مرددين كلاما ساقطا للتحريض والوقيعة وإثارة الفتنة بين مؤسسات الدولة التى تواجه حربا حقيقية الآن.
ومن العبث أن تحاول إقناع واحد من الذين لا يشغلهم شىء سوى تصاعد فرص الانقلاب بأن فى مصر دستورا يحدد العلاقة بين مؤسسات الدولة على نحو واضح وقاطع وتقول المادة ١٤٦ منه إن «رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يعلن الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة إلى خارج الدولة إلا بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى، وموافقة مجلس النواب بأغلبية عدد الأعضاء».
ورغم ذلك فإن التخرصات والتخريفات والهلوسات الصادرة عن نخب سياسية مصرية معطوبة بشأن حادث خطف الجنود تبدو فى استسهالها واجترائها الشديد على أدق خصائص المؤسسة العسكرية أقرب لتعليقات لاعبى الطاولة بالمقاهى على نتائج مباريات الدورى العام أو تشكيل المنتخب القومى، كلهم يرتدون مسوح الحكمة بينما يمارسون أحط أنواع الوقيعة وإشعال النار فى جسد الدولة المصرية، كأن يدلق أكاديمى بائس كمية لا بأس بها من اللعاب اللعوب عبر الإيثير ينهال فيها على الجيش المصرى بتافه القول ويختال عليه بزائف الحكمة منصبا من نفسه معلما يكاد يهوى بعصاه على قيادات الجيش الذين لا يعرفون شغلهم، وشغلهم طبعا من وجهة نظر سيادته أن ينقلبوا على قائدهم الأعلى ويسقطونه من الحكم.. أليس كذلك؟
ولا يقتصر هذا الهذيان على فيلق الحالمين بانقلاب عسكرى فقط، بل يمتد ليشمل محسوبين على تيار المؤيدين لرئيس الجمهورية وضعوا أنفسهم فى غرفة قيادة العمليات وتركوا لأنفسهم عنان «الماينبغيات» وراحوا يفتون فيما ينبغى ولا ينبغى من إجراءات هى من صميم عمل قيادة القوات المسلحة فى التعامل مع الأزمة واستعادة الجنود المخطوفين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق