التعاون الخليجي
وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت
د. عبدالله العمادى
الاحتفالية السنوية الرسمية لقادة دول مجلس التعاون ستبدأ بالكويت في دورتها الرابعة والثلاثين، الثلاثاء العاشر من ديسمبر لعام 2013..
تبدأ القمة الرسمية وقد تكاثرت وتعاظمت وتضخمت التحديات أمام القادة، بل أحْدَث الموقف العماني بلبلة فكرية وسياسية أيضاً، حين أعلن وزير خارجيتها معارضة بلاده لفكرة الاتحاد الخليجي التي طرحها الملك عبدالله في فترة سابقة، والتي كانت الشعوب الخليجية فرحة بها وتتأمل قرب الاعلان عنها..
تلك المعارضة لابد وأنها ستنتج غيوماً تسيطر على أجواء القمة، والقرارات التي من الممكن أن تصدر عن القادة.
فلم يكن التعاون الخليجي يأمل أن يصل بهم الأمر بعد أكثر من ثلاثة عقود، ليختلفوا على أهم ما يمكن أن ينتج عن هذا الكيان بعد عمره الطويل هذا..
كل المراقبين توقعوا أن كيان التعاون الخليجي وصل لمرحلة من النضج ما يمكنه من اتخاذ قرارات هي أقرب ما تكون إلى إنجازات، منها الاتحاد الخليجي، على غرار الأوروبي، ويدعمها موضوع توحيد العملة، وبالضرورة ستتبعها سياسات أخرى موحدة..
لكن مشروع توحيد العملة، واجه عدم ارتياح من عمان والإمارات وصل إلى رفضه، وزادت عمان قبل أيام وأعلنت رفض فكرة الاتحاد، وأنها لن تمنع ولكن لن تشارك لو قام !
ومن قبل هذا وذاك، تفاجئ التعاون الخليجي كما غيره في العالم من التقارب الغربي الإيراني وذوبان جليد العلاقات بينهما، لاسيما الولايات المتحدة، الأمر الذي أربك دون شك حسابات دول التعاون الخليجي، التي كانت تعتبر التهديد الإيراني على رأس الموضوعات المهمة، التي لابد أن تُناقش في كل قمة ويصدر بيان يشير إليه..
في هذه القمة، كيف سيتعامل الخليجيون مع ما كان بالأمس يسمى تهديداً، وهو يرى الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، يغير رأيه فجأة وبقدرة قادر ويعتبر أنه ليس هناك أي تهديد من إيران !! بل وتم السماح لطهران بمواصلة المشروع النووي بصورة وأخرى، وليعلن الرئيس الإسرائيلي أيضاً أنه لا يعتبر إيران دولة عدوة، في تطور متلاحق لافت للنظر، ما يوحي أن أمراً ما قد تم تدبيره بليل، وتفاجئ به الخليجيون !
إذن تبدأ قمة التعاون الخليجي وقد هبت رياح الاختلاف قبل البدء، على شكل معارضة عمان لفكرة الاتحاد، ومعارضة عمان والامارات للعملة الموحدة، ثم مسارعة ومباركة إماراتية منفردة للتقارب الإيراني الغربي، رغم التحفظ من قبل بعض أعضاء المجلس على هذا التقارب، مع اختلاف وتباين مواقف الأعضاء أيضاً مما حدث في مصر، أو ثورات الربيع العربي بشكل عام..
مثل تلك الاختلافات والتباينات في الرؤى ووجهات النظر بين أعضاء مجلس التعاون، لاشك أنها ستؤثر على النقاشات ومن ثم القرارات والتوصيات.
وظني أن التقارب الإيراني الغربي سيكون الحدث الأهم المؤثر على القمة، فإن توجهات واشنطن للفترة القادمة هو المحافظة على مصالحها بالخليج بمعية إيرانية أو إن صح التعبير، إطلاق يد إيران لتلعب دور شرطي الخليج، مع ما لذلك من تبعات ستؤثر بالضرورة على مصالح دول الخليج سلباً، فإن الرضى الأمريكي قد نالته طهران، ومشكلاتها مع الخليج لابد وأن يتفاهم الخليجيون معها لحلحلتها بصورة وأخرى، فإن ما يشغل الأمريكان الآن ولسنوات أخرى قادمة، ليس الخليج بقدر ما يحصل في الضفة الأخرى من إيران، والمقصد روسيا وتقارباتها مع الصين والجمهوريات الإسلامية الأخرى والهند، ما يشير إلى إمكانية قيام قوة أخرى تنافس بل وربما تقهر القوة الأمريكية للسيطرة على العالم.
إذن الخليج العربي وصل إلى وضع شائك، فالحليف الأمريكي يتخلى بسهولة عنه ويطلب من إيران القيام بمهام حفظ المصالح الأمريكية، بعد أن تاه العراق، القوة الإقليمية التي كان من الممكن أن يكون لها دورها في التوازن لو أنه قد تم تأسيسها بشكل سليم من بعد سقوط النظام البعثي السابق، لكنه تاه في مشكلاته من بعد سقوط بغداد قبل عشر سنوات، وصار يدور في فلك إيران، ومن ثم تاهت مصر، القوة الإقليمية الأخرى التي كان من الممكن ان يكون لها دور مهم في حفظ التوازن بالمنطقة، وانشغلت وتعمقت في مشكلاتها الداخلية.. فانكشف الخليج بعد سقوط العراق ومصر..
ما المطلوب من التعاون الخليجي؟
لم يصل حال المجلس إلى ما هو عليه اليوم إلا بسبب فُرقة أعضائه، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان.. هذا الاختلاف والتباين بين الأعضاء في الرؤى والتوجهات وتحقيق المصالح، جعل من هذا الكيان فريسة سهلة للآخرين المتربصين.. حيث سَهُـلت عملية اصطياد من في هذا الكيان وبشكل منفرد !
هذا الكيان الخليجي الذي يبدو للناظر من الخارج أنه موحد متماسك، واقعه الداخلي ينفي ذلك تماماً، إذ هو مختلف متعمق في خلافاته ومشكلاته.
والحل الناجع باختصار أولاً، هو الوصول إلى الحد الأدنى من التفاهم والتوحد في الرؤى والتوجهات، سواء على المستوى السياسي أم الاقتصادي أم التعامل مع الغير.
كما عليه ثانياً أن يتنوع في تحالفاته مع قوى أخرى في هذا العالم تبدو من خلال مؤشرات معينة أنها الصاعدة في القادم من الأعوام، وعدم الركون إلى حليف أوحد كما كان وما زال مع الأمريكان، الذين لا يخشون الاعتراف بأن المصلحة الدائمة هي أساس العلاقة مع الغير، فلا عداوة دائمة ولا بالمثل صداقة دائمة، فأينما هي مصلحتهم وجدتهم، أو هكذا فكر التعامل مع الغير في هذا العصر، وإن كان الأهم من كل هذا هو إصلاح البيت الخليجي من الداخل وترميمه وتعزيزه وتقويته، فإنه الأساس لأي توجهات مستقبلية نحو الخارج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق