الجمعة، 16 مايو 2014

الحرية فطرة الإنسان السوي


الحرية فطرة الإنسان السوي



بقلم: جميلة الشهري
كاتبة من السعودية وباحثة في مرحلة الدكتوراه بأمريكا
لا شيء يمنع من اتخاذ الاستقامة المدنيّة سبيلا في الحياة العامة إن وجد الإنسان في يده ما بذله وتسبب بكسبه، وإن كان محصول تعبه وجهده يُرد عليه فإنه سيفضل الطريق الأطول على الأقصر احتراما لذاته وإنسانيته، حيث يبادله وطنه العدالة المجتمعية والقانونية. وحتى لو لم تكن الصورة بتلك المثالية إلا أنها غالبا ستكون إن لم يكن بصلاح المواطن فبصلاح الوطن.
حينما سافرت من وطني في الشرق إلى الولايات المتحدة لامست ما كنت أعتقده، كل تلك القيم والأخلاقيات العامة، والتي لربما لا ينقصها سوى سمة التواصل الاجتماعي، وشعرت بقيمة أن يكون الإنسان حرا.

تلك الحرية التي تجعل الإنسان سويّا، حيث لا يجبرك أحدهم على الفضيلة أو الاستقامة. ولأن عليك أن تختار، فالإنسان يختار لنفسه الأفضل دوما، فالغالبية اختاروا ذلك الأفضل، فصلُحت بلادهم وصلٌح الأمر بسبب ذلك الحق المسمى بـ"الحرية".

دعونا لا نتفق أن ضمان حرية الفرد هو المسبب الرئيس لاستقامته، لكن ألا يكفيه شرفا أن يعمل بما يعتقده ويرغب فيه حينما يشاء، ألا يشكل أن تعمل ما تعتقده تحديا كبيرا وباهظ الثمن لمواطن من الشرق يعيش في بلاده اللصوص والفاسدون بطريقة أكثر أمانا من الصالحين والمستقيمين ويدعم ذلك الحكومات، وكأنما بلادنا مستعمرة!
حينما يتواطأ اللص مع الحكومة، يضيق المواطن بالوطن و يرزح المواطن العربي ما يقارب عمر أبيه ونصف عمر ولده وهو مايزال يرى أن كل ما يؤمن به من خير هو في الأصل فكر يسترزق منه خطباء الدين ومحررو الصحف…

كبقية المواطنين الصالحين استبشرت خيرا كثيرا بحدوث الثورات في البلاد العربية، سلم الله جميع سكانها، وتمنيت لو رأيت النهضة سريعا، إلا أن سنة الحياة أن يأخذ الزمن والصعوبات مجراهما وإلا لفقدنا الشيء كما كسبناه بخسا بأهميته.

يجب علينا ألا ننسى أن ما حرك تلك الثورات لم يكن سوى بكاء طفل جائع وقلوب أمهات وآباء مكسورة، بل إن السبب الأكثر تعبيرا هو أن الحياة والموت تساويا في عيون المتظاهرين حتى بات ألا أمل إلا في بذل الروح مع سبق الإصرار.

أليس عجيبا أن ينهي الشباب أعمارهم في ذروتها، ويقولون علانية أهلا بالموت بديلا للحياة إن كان لا حرية ولا كرامة. أليس غريبا أن يطالب بالحرية من لم يعرف طعمها ولا معناها يوما؟! 
أليس غريبا أن يتفاني لأجلها ويبذل روحه وهو لم يرها ولم تلتقيه عيناها!

لا يزال الشرفاء في مصر وسورية يموتون حبا في احترام الرأي والإنسانية والحرية. وإن تناهت قيم الثورات في غياهب ما يسمى جهادا أو إرهابا، إن صدق ذلك أو كذب، إن صح أو أخطأ، أي بذل تبذلون إنما هو بناء وإن بدا لكم متعسرا بالمخاضات الدامية والجراحات الغائرة. 
ستصلون محملين بأكاليل الفرح وستتصدرون زعامات العالم العربي في حين أن غيركم لم يخطو أولى خطواتهم بعد.

تضحيتكم تسرق الألباب وإن بدا أن العالم لم يعد يكترث. لم تُخلق ثوراتكم ليلاحقها الإعلاميون، وإنما لتنهضوا ببلدانكم نحو حرية وطموحات طالما حلمتم بها.

إنها فطرة الحق التي تحرككم حيث تشعرون بإنسانيتكم. لا حاجة لتعلم الحرية أو معايشتها للمطالبة بها. إنها النفس حين تتوق لمردّها الحر وتتمرد على سيدها "الاستبداد".

انتصار الثوار في كل بقعة مهما طال التنكيل بهم إنما هو دليلُ نزاهة لا تستحق إلا حياة الأحرار.

هنيئا لمواطني البلاد الناهضة هذا البر، وهنيئا للأحرار بنصرهم وتحررهم من ذنب الاستعباد. غفر الله لبلادنا ظلمها لنفسها وحررها من وثنية إتباع غير الحق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق