الجمعة، 30 مايو 2014

"ديفيد هيرست": وانفجرت فقاعة السيسي في مصر


"ديفيد هيرست": وانفجرت فقاعة السيسي في مصر

الترجمة/ خدمة العصر
بقلم: ديفيد هيرست / كاتب وصحافي بريطاني
(رئيس تحرير موقع MIDDLE EAST EYE)

أظهر انخفاض نسبة الإقبال في مصر (على التصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة) أن شرعية عبد الفتاح السيسي ـــ وكذا أسطورة الدعم الشعبي للاتجاه الذي يقود إليه البلد ـــ تنهار تحت قدميه.

على مدى ثلاثة أيام، ألحت الدولة المصرية بالمطالبة، التهديد، التملق ررشوة الناخبين للذهاب لمراكز الاقتراع. وأُنذر المصريون بدفع غرامة لا تقل عن 500 جنيه مصري (70$) إذا امتنعوا عن التصويت، الذي قررت (الدولة) أنه ليس أقل من أي واجب وطني. وقيل لهم أن مصر سوف تصبح ليبيا أو سوريا إذا لم يصوتوا.

وأُعلن اليوم الثاني من التصويت إجازة وطنية، وسهلوا على الناخبين العودة إلى دوائرهم فقرروا مجانية السفر تشجيعا لهم على التصويت. وساد الذعر بين مذيعي البرامج التلفازية وأصبحوا في حالة هستيرية. ليُمدد التصويت إلى اليوم الثالث.

ومع كل هذا، لم يظهر الناخبون، حتى إن فريق وكالة فرانس برس وجد مراكز الاقتراع فارغة إثر جولة بالقاهرة، وأفادت CNN بمثل ذلك. وكشفت الصور على تويتر أن بعض مسؤولي مراكز الاقتراع آثروا النوم في مكاتبهم لخلو المراكز.

وفي مقابلة مع برنامج "صباح الخير يا مصر"، احتج على الهواء مباشرة، نجيب جبرائيل، وهو محام في مجال حقوق الإنسان ويرأس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، على ما ادعاه مراسلو التلفزيون من أن حشود كبيرة غمرت اللجان الانتخابية للتصويت. وقال: "لم نشاهد خلف مراسليكم من الجيزة، كفر الشيخ والسويس إلا امرأة واحدة محجبة فقط تصوت في جميع هذه المراكز الثلاث"، وقال: "ما عاد من الممكن الضحك على الشعب المصري مرة أخرى".

مع نهاية اليوم الثاني للتصويت، قال رئيس الوزراء المؤقت إبراهيم محلب إن نسبة المشاركة تجاوزت 30 في المائة، ومع نهاية اليوم الثالث ارتفعت النسبة إلى 46 في المائة، وترك العديد يتساءلون في حيرة: كيف أمكن تحقيق هذا الارتفاع في نسب المشاركة في يوم واحد. وقال حمدين صباحي، المنافس الوحيد في السباق، إن الأرقام المدعاة إهانة لذكاء الشعب المصري.

وبينما أمكن العثور على بعض استطلاعات الرأي التي زعمت أن هذه الأرقام ذات مصداقية، فإن معظم منظمات الرصد رأت خلاف ذلك تماما. وتراوحت تقديرات نسبة المشاركة الفعلية بين 10 في المائة، ويعني 5.5 مليون صوت، إلى 15 في المائة.

وقدر المرصد العربي للحقوق والحريات نسبة الإقبال على التصويت بحوالي 11.92 في المائة، وهو ما يعادل 6425989 ناخبا. وتحدث عن العديد من الخروقات الانتخابية ومظاهر الاحتيال. في حين لم يعلق بيان مؤقت نُشر باسم مراقبي الاتحاد الأوروبي على صدقية أرقام ونسبة المشاركة التي ادعتها السلطة القضائية الموالية للحكومة.

وأيا كانت الأرقام التي ترى صحتها، فإن شيئا واحدا ظهر بصوت عال وواضح من مثل هذه النتيجة: لقد انفجرت الفقاعة. ذلك أن فكرة أن "الغالبية العظمى" من المصريين أيدت خلع محمد مرسي يوم 30 يونيو وأن انقلاب عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو جاء استجابة لطلب شعبي، ما عاد صحيحا.

إذا صحت أعداد الذي نزلوا ميدان التحرير في عام 2013، فإن هذه الملايين من المصريين ما عادة موجودة اليوم. إذ إن "الغالبية العظمى" التي وقفت وراء سيسي قد تقلصت اليوم وأصبحت "أقلية". وما ميز المشهد، هو الغياب شبه الكلي شبه عن الصور التي بثها التلفزيون لمؤيدي السيسي، لشباب مصر، رغم أنهم يشكلون ربع السكان وأكثر من نصفهم فقراء.

قبل أيام قليلة من الانتخابات، نشر مركز "بيو" الأمريكي نتائج استطلاع، أظهر أن 54 في المائة فقط من المصريين قالوا إنهم يحبذون استيلاء الجيش على السلطة، وأنه رغم انخفاض شعبيتها، فإن 38 في المائة من المصريين لا يزال لديهم انطباع ايجابي عن جماعة الإخوان المسلمين، التي صُنفت رسميا الآن على أنها منظمة إرهابية.

وهذا يعني أنه على الرغم من كل ما حدث لهم هذا العام، من اعتقال جماعي وأحكام جماعية بالإعدام، فإن الدعم الشعبي لجماعة الإخوان ظل ثابتا. وقد وجد استطلاع "بيو" أن عدم الرضا في مصر يعود إلى أوضاع ما قبل الثورة.

العامل الأساس الذي استندت إليه شرعية السيسي -أسطورة الزعيم القومي الذي نهض من بين أنقاض رئاسة مرسي استجابة لرغبة شعبية- ينهار اليوم تحت قدميه. فإذا كان أقل من 20 في المائة من الناخبين المؤهلين أدلوا، فعلا، بأصواتهم، فهذا يعني أن مصر هي على طريق العودة إلى عام 2010، عندما كان الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة مبارك يعلن فوزه بعطع النظر عن قلة أعداد الناخبين. وقد نقلت، حينها مجلة "إيكونوميست"، تقديرات جماعات الحقوق المدنية لنسبة الإقبال، والتي تراوحت ما بين 10 إلى 20 في المائة من المسموح لهم قانونيا بالتصويت.

وقد مهدت مثل هذه الانتخابات الطريق لثورة 25 يناير، بعدها بثلاثة أشهر. والسيسي الآن يقف على أرض ليست أكثر صلابة مما عليه أمر مبارك آنذاك.

في الواقع، فإن سيسي هو أكثر انكشافا، لأنه تخلص، منذ 3 يوليو، من القادة الليبراليين والعلمانيين الذين ساعده للانقضاض على السلطة. لقد أحرق القناع المدني الذي كان في أمس الحاجة إليه: أين هو محمد البرادعي الآن؟ ماذا حدث لجبهة الإنقاذ الوطني، التي ما عادت تذكر إلا لماما؟ وأما عمرو موسى، فهو شخصية تقبع خلف الكواليس.

و ماذا عن حركة تمرد؟ الآن اعترف أحد مؤسسيها "محب دوس" علنا بأنهم استُخدموا من قبل أجهزة الأمن المصرية، قائلا: "كيف تحولنا من شيء صغير، مجرد خمسة أشخاص يسعون لتغيير مصر، إلى حركة أخرجت الملايين إلى الشارع للتخلص من الإخوان المسلمين؟ الإجابة هي أننا لم نفعل ذلك. صرت أفهم الآن أننا لسنا نحن الذين قمنا بذلك، وإنما استُخدمنا واجهة لما هو أكبر منا بكثير"، هذا ما قاله "دوس" الذي ما عادت لديه الآن أي علاقة بحركة تمرد أو الحياة السياسية في مصر. واستطرد: "كنا ساذجين، ولم نتصرف بمسؤولية".

وبالعودة إلى 30 يونيو وإلى كل هذه المنظمات الافتراضية التي صُورت كقوى مؤثرة ضمن مجموعة متألقة جديدة من غير الإسلاميين. ولكنها لم تكن سوى أدوات في حملة صُممت بعناية لإخفاء ثورة مضادة سُوقت على أنها استمرار لثورة 25 يناير.

في 30 يونيو، أثب الساسة العلمانيون والليبراليون في مصر بأنفسهم أنهم أدوات وظيفية بلهاء بالمعنى الستاليني الحقيقي للعبارة. وقد أظهر الناخبون المصريون هذا الأسبوع أنهم لا ينخدعون بسهولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق