الأحد، 25 مايو 2014

حفتر والسيسي والديمقراطية والإخوان!!


حفتر والسيسي والديمقراطية والإخوان!!
ياسر الزعاترة


في تصريح من تصريحاته العرمرية التي تكاثرت خلال الأيام الماضية، وبالطبع على خلفية شعوره بالدعم الكبير من واشنطن وحلفائها العرب، قال خليفة حفتر لصحيفة مصرية:
«لا نريد واحدا من الإخوان على أرض ليبيا، ولن نترك واحدا منهم، ولن نتراجع حتى القضاء عليهم، وعلى القاعدة، والميليشيات الأخرى»، كما وعد في حديث لصحيفة أخرى بتسليم الإخوان المصريين الموجودين في ليبيا.
الغريب أن حفتر خرج في وسائل الإعلام يتحدث عن برلمان منتخب، وعن تسليم للسلطة، وهي ذات المعزوفة التي سمعها المصريون من السيسي. «أقسم بالله مالنا طمع في حاجة»، ومثلها أيمان كثيرة قطعها، قبل أن يسفر عن وجهه بعد ذلك.
وفي ذات السياق خرج السيسي مراراً في الأيام الأخيرة يتحدث عن أن قرار إقصاء الإخوان قد اتخذه الشعب، وأنه لا توجد مشكلة بينه وبينهم شخصياً، من دون أن يقول لنا كيف قرر الشعب إقصاء الإخوان، وهل إن مليونين أو ثلاثة ملايين خرجوا في 30 يونيو يمكن أن يكون حكماً على قرار من هذا النوع؟ ثم أين نذهب بخمس جولات انتخابية قبل ذلك؟!
الأهم من ذلك كله، وهو سؤال يُوجَّه لحفتر والسيسي، وكل حفتر آخر جديد هنا أو هناك، هو: كيف يمكن التوفيق بين الديمقراطية والحرية والتعددية، وسحق فريق سياسي هو الأكبر في البلاد، وليس ثمة حزب ينافسه بشكل منفرد؟!
الجواب بكل بساطة هو أن الخيار ليس ديمقراطيا بحال من الأحوال، ذلك أنه لا يوجد قانون في الدنيا يمكن أن يقرر عزل مجموعة سياسية بقرار من أعلى، لأن حق أي مجموعة أن تشكل حزبها وتمارس العمل السياسي وفق الدستور والقانون.
سيقولون حزب على أساس ديني، لكن حزب الإخوان ليس كذلك، ومن يقبل بحزب النور السلفي لا يمكنه الاعتراض على حزب للإخوان.
وهنا يبدو الفارق بين دول ذات تقاليد ديمقراطية حتى لو انقلب العسكر فيها، وبين دول من نوع آخر كما في مصر، ففي تركيا تم حلُّ أكثر من حزب للإسلاميين بقرار قضائي، لكنهم كانوا يعودون باسم آخر، ثم يترشحون ويفوزون، أما الديمقراطية التي يبشر بها السيسي، فهي نسخة مشوهة من ديمقراطية حسني مبارك، وزين العابدين بن علي وبوتفليقة وعلي عبدالله صالح، وفيها تحدد الأجهزة الأمنية حصة كل طرف، بل تتدخل أحيانا في الأسماء ضمن حصة الطرف المعارض أيضا!!
في هذه الأجواء لا توجد حرية ولا تعددية، بل حكم عسكري يتخفى خلف آليات ديمقراطية ديكورية لا صلة لها بالديمقراطية الحقيقية، وهنا تحديدا تسقط النخب الليبرالية التي انحازت إلى هذه اللعبة، إن كان في ليبيا، أم في مصر، والسبب هو إدراكها لحقيقة أن سحق أكبر قوة سياسية في البلد إنما يعني عسكرته بالكامل، وهو ما يبدو واضحا هذه الأيام في الإعلام والقضاء وكل أشكال الحياة العامة.
في ليبيا، يريد حفتر استنساخ ذات التجربة، بذات الخطوات، وبذات الشعارات، وبذات الأكاذيب، لكن الجميع يدركون أن المشهد هنا يبدو مختلفا، فهو يرفع شعار سحق الإخوان والجماعات المسلحة في آن، ويرفع شعار الاستقرار والأمن، لكن الغبي ومن ورائه الذين يديرونه، فضلا عن مؤيديه، لا يدركون أن البلد سينزلق بهذا الشكل إلى حرب أهلية طويلة.
هنا في ليبيا، لا توجد سلمية، بل جماعات لن تسلّم رأسها لمقصلة الجلاد بسهولة، وستقاتل حتى الرمق الأخير.
أما حكاية العنف والفوضى، فهي حقيقة يقر بها الجميع، لكنها طبيعية متوقعة بعد ثورة مسلحة في بلد غني بثرواته وتسود فيه القبلية في آن، وهؤلاء الذين ينحازون إلى جانب حفتر لا يفعلون ذلك لأنهم ضد الفوضى، فهم جزء منها، ولا يفعلون ذلك طلبا للانتخابات، بل يفعلون لأنهم يريدون أن يأخذوا بالقوة ما لا يمكنهم أخذه بالصناديق. وعموماً، فقد جاء قرار إجراء الانتخابات بعد أسابيع ليكشف الحقيقة أمام الجميع، فليتفضل ويشارك فيها من يزعمون أنهم يتحركون بإرادة الجماهير.
خلاصة القول هي أنه لا يمكن بناء عملية ديمقراطية في ظل شعارات سحق هذا الطرف أو ذاك، فضلاً عن أن يكون المقصود هو أكبر قوة سياسية في البلاد، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها بحال هو أن مخططي هذه الألاعيب من الخارج إنما يريدون ذلك بالفعل، فهم دفعوا ويدفعون المليارات من أجل وأد الربيع العربي وإجهاض كل ثوراته خشية وصولها إليهم. تلك هي الحقيقة وما عداها محض هراء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق