الأحد، 25 مايو 2014

انقلاب "حفتر": الحرب المعلنة على جماعة الإخوان المسلمين


انقلاب "حفتر"
 الحرب المعلنة على جماعة الإخوان المسلمين



بقلم: رمزي بارود 
(مدير تحرير موقع "عين الشرق الأوسط")

في 16 مايو، شن الجنرال المارق "خليفة حفتر" عدة هجمات دامية ضد كتائب ليبية أخرى بدعوى القضاء على الإرهاب من خلال قيادة قوة شبه عسكرية سميت تملصا "الجيش الوطني الليبي". 
وانضم إلى ألويته المجهزة بشكل جيد ضباط من قواعد الجيش الوطني في الأجزاء الشرقية من البلاد.

انضم وحدات من سلاح الجو أيضا، جنبا إلى جنب مع مسلحين وميليشيات قبلية الأخرى، وخاصة ميليشيات الزنتان القوية وسيئة السمعة. الهجمات المنسقة جيدا، عملية أطلق عليها اسم الكرامة، ونتجت عنها خسائر فادحة.

* عندما تكون الكرامة أبعد ما تكون عن الكرامة:

ثم، وبجرأة غير مسبوقة، ضرب يوم الخميس البرلمان، وهرب في إثره المشرعون الليبيون من المؤتمر الوطني العام خوفا على حياتهم. ومن مطالبه: إقالة البرلمان وسيطرة السلطة القضائية على شؤون البلاد حتى الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها في 25 يونيو. وعلى هذا، فالرجل من المفترض أن يكون مؤيدا لحكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا، وهو التناقض الذي أصبح شائعا في مرحلة ما بعد "الربيع العربي" في الشرق الأوسط.

خلال الهجوم على البرلمان والاستيلاء على المباني الحكومية، كانت قوات "حفتر" مدعومة بطائرات حربية وطائرات هليكوبتر. وبدا هذا استعراضا ضخما للقوة، حتى لما بعد الثورة الليبية وحرب الناتو ضد القذافي، حيث كانت الأسلحة متوفرة بشكل كبير. وغني عن القول أن الجنرال المارق "حفتر" لم يتصرف لوحده.

وقد أيده في ذلك رئيس الوزراء الليبي السابق علي زيدان، وداعموه العرب والليبيون أغنياء. 
تاريخه طويل من العلاقات مع وكالة الاستخبارات المركزية ليس "مضللا" أو "أخبارا قديمة"، كما رأى مقال نشر مؤخرا في صحيفة الجارديان البريطانية. 
ولكن ما هي قصته؟ وهل سينجح في أن يصبح ليكرر ما فعله جنرال مصر اللواء عبد الفتاح السيسي ؟

* "انقلاب" فبراير:

اعتمد "حفتر" خطابا إعلاميا مماثلا للسيسي في مصر، الذي استولى على السلطة بعد الإطاحة بحكومة محمد مرسي المنتخبة ديمقراطيا في يوليو 2013.
وغطى السيسي عمله بقاموس يستند لمنطق بسيط جدا: ربط الإخوان المسلمين بالإرهاب وتعهد بسحق "الإرهابيين" الذين من المفترض أن يهددوا أمن مصر القومي.

في سلسلة من المقابلات، بما في ذلك واحدة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية، حذر السيسي من خطر الإرهاب الإسلامي القادم من شرق ليبيا، وطالب بالدعم العسكري الأمريكي.
يساعد حجة حجة "الأمن القومي" ساعد السيسي في تحويل التركيز من المراكز الحضرية، حيث ينظم الشباب المصري احتجاجات يومي ليلا، مطالبين باستعادة الديمقراطية، إلى المحيط الخارجي، كما هو الحال مع حركة حماس في غزة، المتشددين في سيناء، الإرهابيين في ليبيا وحتى السودان.

وتوعد "حفتر" أيضا بسحق الإسلاميين، ولكن المشكلة هي أن الإخوان المسلمين في ليبيا ليسوا القوة السياسية المهيمنة في ذلك البلد. ويدرك "حفتر" جيدا أن الأحزاب ذات الميول الإسلامية في ليبيا ليسوا كيانا واحدا.

حتى الآن، بدا حريصا على أن الإخوان هم الهدف وراء حربه الجارية، حيث قال في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط نشرت في الشهر الحالي، إنه يعتزم "تطهير" ليبيا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. فهي "المرض الخبيث الذي ينهش جسد العالم العربي"، حتى إنه شكل كيانا شبيها بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر.

وبالتأكيد، فإن الليبيين ليسوا هم جمهور "حفتر" المستهدف، فخلافهم مع الانفلات الأمني ​​الذي اجتاح بلادهم إنما هو بسبب الميليشيات المتحاربة عقب الانتصار المدعوم من حلف شمال الأطلسي على معمر القذافي.

في الواقع، يقود "حفتر" بنفسه بعض هذه الميليشيات، وقد تورط "جيشه" في عدم الاستقرار السياسي والعنف في ليبيا.

وبينما يحاول الجنرال الليبي السابق بوضوح استغلال مشاكل مصر لمصلحته، فإنه يسعى أيضا لإثارة اهتمام مختلف الحكومات الغربية، وخاصة واشنطن، والتي تبدو حتى الآن تبدو مترددة في انتقاد محاولة "حفتر" الانقلابية.

في الواقع، فإن تردد واشنطن يشبه صمتها إزاء محاولة "حفتر" تدبير الانقلاب الأول في فبراير الماضي، لكنه فشل.
بعد ذلك، وفي خطاب متلفز، ندد الجنرال السابق بالحكومة، وأعلن عن "مبادرته" الخاصة، والتي رأى فيها حل البرلمان. والقليلون أخذوا الأمر بجدية، بين سخر كبار المسؤولين الحكوميين من محاولة انقلابه، وقد وصفها أحدهم بأنها "سخيفة. ولكن العديد، في إثرها، اكتشفوا اسم حفتر، وأصبح البعض مهتما لمعرفة المزيد.

* هل علم الأميركيون؟

عاشور الشامس وهو شريك سابق للجنرال "حفتر"، وكلاهما كان عضوا في الجيش الوطني الليبي الذي مولته الولايات المتحدة في الثمانينيات من القرن الماضي، صرح في مقابلة حديثة له مع صحيفة الجارديان، قائلا: "لا أعتقد أن شيئا مثل هذا يمكن أن يحدث في ليبيا دون علم الأميركيين".
وفقا للشامس، فإن الأميركيين "يريدون معرفة حجم الزخم الذي يحظى به حفتر، وإلى أي مدى يمكنه أن يمضي في عمليته".

في الواقع، فإن "حفتر" قام بجهد كبير كبيرا للحصول على اهتمام واشنطن، والتي ابتعدت نوعا ما عن ليبيا منذ مقتل سفيرها هناك وثلاثة أمريكيين آخرين في سبتمبر 2012.

للظفر باستحسان واشنطن، شملت قائمة "حفتر" من الأعداء أيضا أنصار الشريعة، والتي اتهمت مع غيرها من الميليشيات (الإسلامية) المسلحة في بنغازي بالتخطيط للهجوم على السفارة الأمريكية. ولكن ليس من الصعب على حفتر كسب ثقة واشنطن. في الواقع، تحقق له ذلك.
إذ ليس سرا أن حفتر حظي بدعم قوي من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.

وقد تعددت مهام الرجل على امتداد مراحل تاريخه الملون والغامض في بعض الأحيان، حيث حارب كضابط في الصراع التشادي الليبي، واعتقل إلى جانب كامل وحدته، المكونة من 600 رجل.

خلال الفترة التي قضاها في السجن، شهدت تشاد تغيير النظام (وكلا النظامين كان مدعومين من قبل المخابرات الفرنسية والأمريكية)، وأُطلق سراح حفتر ورجاله بطلب الولايات المتحدة، وتم نقله إلى بلد أفريقي آخر.
وبينما اختار بعضهم العودة إلى ديارهم، أدرك البعض الآخر جيدا ما يمكن أن ينتظرهم في ليبيا، لأسباب أوضحتها صحيفة نيويورك تايمز في عددها يوم 17 مايو 1991.

"لمدة عامين، بحث مسؤولون أمريكيون عن مكان يأوي حوالي 350 جنديا ليبيا، ممن لا يستطيعون العودة إلى بلادهم، لأن مسؤولين في المخابرات الأمريكية كانوا قد حشدوا وشكلوا منهم قوة كوماندوز للإطاحة بالعقيد معمر القذافي"، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
وأضافت: "الآن، تخلت الإدارة عن محاولة العثور على بلد آخر يقبل الليبيين، وقررت جلبهم إلى الولايات المتحدة".

نقلوا "حفتر" إلى إحدى ضواحي ولاية فرجينيا في أوائل عام 1990، حيث استقر قريبا جدا من مقر وكالة الاستخبارات المركزية في لانغلي. وتبدو الأخبار غامضة حول حقيقة أنشطته ومغزى إقامته قرب واشنطن العاصمة، وما عساه أن يكون سوى علاقاته مع قوى المعارضة الليبية، التي تعمل بالطبع وفقا لإملاءات الولايات المتحدة.

في تقرير شامل، نشره موقع (the Business Insider)، تتبع الصحافي "روس بيكر" الكثير من أنشطة "حفتر" منذ انفصاله عن القذافي واعتماده من قبل وكالة المخابرات المركزية.
وقد "سمى تقرير خدمة أبحاث الكونغرس في ديسمبر 1996، حفتر، رئيسا للجناح العسكري لـ(الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا)، والمعروف بـ"الجيش الوطني الليبي".
وبعد انضمامه لفريق المنفى، أضاف التقرير، بدأ حفتر "إعداد الجيش للزحف على ليبيا".

استغرق الأمر ما يقرب من 15 سنة حتى يزحف "حفتر" على ليبيا. وتطلب الأمر أيضا حرب الناتو الضخمة التي زُعم أنها موجهة لدعم الانتفاضة الشعبية.

ورغم أنه يحاول بشكل واضح تسويق نفسه بأنه سيسي ليبيا المفترض، فإن حفتر، وفقا لوصف الصحافي "بيكر"، هو النظير الليبي للعراقي أحمد الجلبي، وهو شخصية فقدت مصداقيتها في واشنطن العاصمة، وأرسل الجلبي لعراق ما بعد صدام لقيادة العملية "الديمقراطية". ولكنه، بدلا من ذلك، ساعد في تمهيد الطريق للكارثة الحاصلة هناك.

فليس من المستغرب لماذا ارتبطت عودة حفتر بجدل كبير. فبما أن خبر انتمائه لوكالة CIA ما عاد سرا كبيرا، فإن عودته إلى ليبيا للانضمام إلى الثوار في مارس 2011 تسببت في الكثير من الارتباك. على الفور تقريبا، أُعلن من طرف المتحدث عسكري بأنه القائد الجديد للثوار، وهو ما رفضه المجلس الوطني الانتقالي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق