الأحد، 25 مايو 2014

اليوم.. مصر ترقص وتنتخب «اللنضة» الموفرة!



اليوم.. مصر ترقص وتنتخب «اللنضة» الموفرة!


شريف عبدالغني


يوم الأربعاء 23 مايو 2012، صحوت في السادسة صباحا نشيطا. بعدها بساعة كنت في المدرسة التي تضم لجنتي الانتخابية، للإدلاء بصوتي في أول انتخابات رئاسية حقيقية تشهدها مصر. قبلها لم أشارك أبداً سوى في انتخابات برلمانية واحدة على الطريقة «المباركية» حبا في الاستطلاع. كانت أصواتنا مثل عدمها تذهب لمن تريده الحكومة باعتبار أنها تعرف مصلحة الوطن أكثر منا.
في ذلك اليوم ولشدة الزحام أمام اللجان ظللت 3 ساعات ولم أستطع التصويت.
ذهبت إلى عملي، ثم رجعت آخر النهار إلى اللجنة رغم حرارة الجو واستمرار الطوابير الطويلة. وبعد جهد إضافي أخيرا أدليت بصوتي.
كنا نحن المصريون المنكوبون بـ60 سنة عسكر سعداء بالتجربة. أمام اللجان شرائح من أعمار وتوجهات سياسية وخلفيات اجتماعية متباينة. 
دارت بين الجميع نقاشات سادها الاحترام وتقبل رأي الآخر مهما كان الاختلاف معه.
شعر الكل أن صوته له قيمة وأن التصويت واجب وطني بالفعل.
في ذلك اليوم انتابني إحساس شعرت به ربما للمرة الأولى..
من اليوم أنا مصري ولي حق في هذا البلد. قبله كان يسكن القلب والروح شعور دائم بالغربة في بلد ولدت فيه ولم أعرف غيره وطنا.
تذكرت تلك الأحداث، وأنا أتوجه اليوم الاثنين (26 مايو) لأدلي بصوتي في الانتخابات الرئاسية الجديدة. فعلا مصر أم الدنيا. العالم كله يشهد انتخابات رئاسية كل أربعة أعوام وأحيانا سبعة، لكننا في المحروسة أجرينا انتخابات رئاسية خلال عامين، تخللتها دماء وضحايا وأشلاء وعذاب معتقلين وأرامل وثكالى وأطفال أيتام وحزن بمساحة الوطن.
أسمع الآن أحد «المواطنين الشرفاء» يعنفني الآن: صل ع النبي في قلبك.. ما تقولش الكلام ده في مقال.. بعدين نتحسد.. قول اللهم زد وبارك.. أصل الحاجات دي منظورة.. العالم كله المتأخر بيعمل الانتخابات كل 4 سنين.. لكن احنا هنا مش محرومين من حاجة ونعملها كل سنتين.. مش قلنا لكم وبكره هتشوفوا مصر.
إذن أنا الآن في الطريق إلى اللجنة. اللجنة طريقنا إلى «الجنة». جنة المحروسة التي بعون الله والمساعدات والدراهم والدنانير ستصبح قد الدنيا. كلما ستأتي معونة أو «نفحة» حسب تعبير مفجر ثورة 30 يونيو جناب الدكتور توفيق عكاشة، ستجتمع الأمة على قلب رجل واحد في ميدان «الفكاكة» -التحرير سابقا- لتهتف وتغني: معانا ريال.. معانا ريال.. ده مبلغ عال ما هوش بطال.
سيندهش البعض ويسأل: هل فعلا ستذهب.. معقولة.. بس كده اعتراف منك بـ30 سونيا وانقلاب 3 يوليو؟!
وأجيبهم: وليه الاندهاش؟! طبيعي جدا أن يراجع الإنسان -والكاتب على وجه الخصوص- أفكاره. الحياة تتغير كل يوم.. ومن لا يطوّر نفسه يضيع. صحيح من فات قديمه تاه، لكن أيضا من توقف عنده ضاع.
لا أريد الضياع يا رفاق. المتابع بإنصاف للمشهد الحالي سيكتشف أنه أفضل بكثير من 2012. 
وهنا أورد الفروق بإيجاز:
أولا: في الانتخابات الرئاسية الماضية، وقفت مع محمد مرسي بصوتي وقلبي وقلمي. لكن ما النتيجة.. عزلوه وخطفوه وحبسوه. وما دام دخل السجن فهذا يعني أنه رجل «سوابق». فكيف وأنا المواطن الشريف أقف مع أمثاله من المواطنين غير الشرفاء. أنا آسف يا شفيق!
ثانيا: انتخابات 2012 كانت صعبة وقاسية ومرهقة لمن يتابعها. مرشحون من كل لون.. إخوان وفلول. يساريون على يمينيين. تقدميون على رجعيين. صعايدة على بحاروه. عسكر وحرامية. لكن انتخابات 2014 بسيطة ولذيذة ودمها خفيف وسهلة الهضم. مرشحان اثنان من طينة واحدة وعُصبة واحدة. ينتميان سويا لشعب واحد.. شعب علي الحجار. هدفهما واحد: أن تمسي مصر وتصبح وتكون خالية من الإخوان المجرمين. تهمتهم شنيعة.. أرهبوا شعب مصر ولفوّا عليه نفرا نفرا بالسلاح والمولوتف حتى أعطاهم صوته في خمس استحقاقات انتخابية خلال عام واحد. وعلى عكس الاختلافات الشاسعة بين أهم مرشحين في 2012 وهما مرسي وشفيق، فإن الفروقات بين مرشحي هذه الانتخابات الوحيدين طفيفة..
أحدهما شعره أسود خفيف والثاني أبيض ثقيل. واحد يحب الأوميجا و «العجلة» والثاني يعشق الرولكس ومركب الصيد. واحد يحب خالد يوسف، لكن خالد يوسف باعه وراح للثاني.
واحد رمزه النسر ويعد المصريين بالتحليق بهم في السماء، والثاني رمزه النجمة ويتمنى أن يأتي للمصريين بـ «حتة من السما»!
ثالثا: انتخابات 2012 تضمنت برامج ومناظرات ووجع قلب بين المرشحين.. لكن هذه المرة الموضوع ليس معقدا. مرشح ليس مطلوبا منه برامج ويرفض المناظرات كونه أكبر منها، بل هو -كما وصفه محبوه- مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ مصر، ويطل على عشاقه بالفيديو كونفرانس وهم لا يدرون ماذا يعني هذا الاختراع، لكنهم يأملون أن يحل أزماتهم في البطالة عبر «سوق الخضار» وفي الكهرباء عبر اللمبة أو «اللنضة» الموفرة، بينما المرشح الآخر لم يوفر في حياته من عرق جبينه وشغل زوجته وأولاده سوى 700 ألف جنيه -كما تقول حملته– فضلا عن أنه يتمتع بأدب جم ويخشى منافسه ويتكلم عنه مثل التلميذ في حضرة ناظر المدرسة.
رابعا: طوابير الناخبين لمرسي كانت ثقيلة الظل. تضم نخبة مصر. أساتذة جامعات. أطباء. مهندسون. محامون. شباب مبتكرون. أحاديثهم مملة وكلامهم جاد، لكن طوابير الناخبين التي أنتمي إليها هذه المرة مختلفة ومذاقها سكر. فيهم فضلة خيرك ماما المثالية فيفي عبده وكوكبة من رياحين المحروسة أمثال علي جمعة ودينا ومصطفى بكري وإلهام وسما المصري والهلالي ومظهر شاهين، حد عنده القدرة وقوة التحمل إني أكمل باقي الأسماء؟!».
خامسا: الانتخابات الماضية شارك فيها المتشددون مرسي وأبوالفتوح والعوا، وبالتالي كان أنصارهم متجهمي الوجه ثابتين في الطوابير بلا حركة أو لمسة، لكن هذه المرة رأيت الإسلام السمح -حسب تعبير فنانتنا الجميلة صابرين- ممثلا في المنجذبات الراقصات على أنغام «تسلم الأيادي» و «بشرة خير».
سادسا: أكتب هذه النقطة -وهي الأخيرة- وقد دخلت اللجنة بالفعل وحصلت على ورقة التصويت، ولأنه يموت الزمار وصوته بيلعب فإن صوتي لواحد مفيش غيره.. اسمه الرئيس الدكتور محمد مرسي!


• shrief.abdelghany@gmail.com
@shrief_ghany

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق