الأربعاء، 21 مايو 2014

مبررات حفتر وحقيقة الانقلاب ومن وراءه


مبررات حفتر وحقيقة الانقلاب ومن وراءه

ياسر الزعاترة

يخرج علينا الجنرال «خليفة حفتر» بصورة أخرى، غير تلك التي نعرفها عن القذافي، فالأول كان يخرج في هيئة شيطان في بعض الأحيان، وأحيانا بلباس عسكري، بينما خرج علينا حفتر بعد عملية ماكياج متقنة وبدلة عسكرية مرتبة، كما لو كان ذاهبا إلى حفلة زفاف، وأمامه صحافيون لا نراهم، وكل ما هنالك أننا سمعنا أصوات أربعة منهم، وذلك كي يبرر لنا خطوته الانقلابية التي جاءت بسبب نداء الشعب.
لكأنهم يستنسخون تجربة الجنرال الآخر في مصر، ولم لا يفعلون أصلا، أليس المخططون هم أنفسهم؟ وكذلك الممولون، فضلا عن الأدوات الأمنية والسياسية وحتى العسكرية؟!
يجرم الليبيون بحق أنفسهم إذا صدقوا هذا الجنرال المأفون وما يرفعه من شعارات، ويجرم الثوار أيضا بحق أنفسهم إن تهاونوا في صد انقلابه، بل إن عليهم أن يكونوا أكثر شراسة في الرد، لأن هذا سيكون أسوأ من القذافي في مرحلته الأخيرة بعدما ظن أن الشعب الليبي قد خضع له، وبعدما طبّع علاقاته مع الغرب إثر دفع استحقاقات لوكربي وسواها، ودمَّر مشروعه النووي، ودفع من جيب الليبيين صفقات لا تحصى للقوى الغربية.
نعم، سيكون زمن حفتر في حال نجاحه أسوأ بكثير من مرحلة القذافي الأخيرة، تماما كما أن زمن السيسي سيكون أسوأ بكثير من العهد الأخير لمبارك الذي شهد انفتاحا واضحا في الصحافة والنقد، وجرأة في المجتمع (هو والقذافي كانا يهيئان للتوريث والسبب أن العهد الجديد سيكون نزقا بطبعه، فضلا عن دعواه بأنه جاء ليضمن الاستقرار الذي يتطلب الكثير من الحزم، أي القمع بتعبير أدق.
ما ينبغي أن يعيه الليبيون الشرفاء هو أن ما يجري في بلادهم أمر متوقع، حتى لو كان سيئا ومزعجا، لكن تحرر الشعوب من نير الاستبداد لا يمر سهلا ومعقما، ولا بد من بعض الفوضى في المراحل الأولى حتى يتحقق الاستقرار ويتوافق الناس على طبيعة الحكم.
حدث هذا في أكثر الثورات في العالم، فضلا عن أن تكون الثورة في بلد بإمكانات كبيرة، وجغرافيا حساسة تؤثر كثيرا على المحيط العربي والإقليمي، كما هو حال ليبيا.
من السخف أن يرى بعضهم أن حفتر قد جاء ليصحح مسيرة الثورة، تماما كما كان من السخف أن يصدق آخرون أن السيسي قد جاء ليستكمل أهداف ثورة يناير، الأمر الذي بات مفضوحا الآن أمام الملأ، والاعترافات التي ساقها كثيرون؛ وآخرهم الناشط أحمد ماهر أكدت وتؤكد أن ما جرى كان محض مؤامرة أعدت بعناية، ولا صلة لها بالثورة، فيما انساق خلفها كثيرون كرها في الإخوان، وليس قناعة بأهدافها.
اليوم يخرج حفتر بذات المعزوفة (إرادة الشعب، تحقيق الاستقرار، وحرب الميليشيات)، وهي معزوفة لا تغري غير الجهلة لأكثر من سبب، لعل أولها أنه في بلد يعج بالسلاح والميليشيات، لن يعني انقلاب كهذا غير مرحلة طويلة من الاقتتال ستكون مرحلة الفوضى الراهنة مجرد نزهة قياسا بها، وليس ثمة عاقل يقول إن الميليشيات التي يتحدث عنها حفتر ستسلمه رقابها كي يضعها على المقصلة بسهولة.
أما الأكثر وضوحا، فيتمثل في فضح حفتر، والمتحدث باسمه للحقيقة، حين تحدثوا عن استهداف الإخوان المسلمين، ما يعني أن الممولين هم من يفرضون الأجندة، وليس هو، وأولويتهم هي ربيع العرب والإسلام السياسي السني، إن كان إخوانيا أم سلفيا.
ولا شك أن عاقلا لا يمكن أن يصدق أن انقلابا تموله الإمارات وأنظمة الثورة المضادة، ويساعده السيسي يريد أن يصنع ديمقراطية في ليبيا تلبي إرادة الشعب، ذلك أن الأنظمة المذكورة لم تبذل كل ما بذلت من جهود وأموال طائلة إلا لكي تهيل التراب على مرحلة الربيع العربي برمتها؛ كرها فيها، وكي لا تصلهم رياحها.
تلك هي الحقيقة التي يجب أن يعيها الليبيون جميعا، وعلى العقلاء أن يجمِّعوا أنفسهم من جديد كي يتعظوا من هذا الذي جرى، ويتصدوا له جميعا، ويقنعوا شعبهم بأن مسيرة الثورة تمضي في طريقها، وإن على نحو مرتبك، وأن البديل الذي يعدهم به الانقلابيون لن يعني غير الدكتاتورية والفساد والقمع الذي عايشوه طويلا فدمّر البلاد وأذلَّ العباد.
نعم، عليهم أن يعيدوا اللحمة لمجتمعهم من جديد، وعلى المجموعات المسلحة أن تكون أكثر وعيا ومسؤولية، وأن تكف عن لعبة الابتزاز، لأن ذلك سيطيل أمد المعاناة، وسيعطي الفرصة لحفتر وداعميه أن يواصلوا المحاولة حتى ينجحوا. 
ألم يكن غريبا أن يكون الجميع على علم بأن هذا الرجل يُعد انقلابا؛ حتى قبل شهور من محاولته السابقة، ثم لا يتمكن العقلاء من إجهاض مسعاه؟!
المؤسف بالطبع أن بعض أدعياء الليبرالية يبدون متورطين في هذه المأساة، تماما كما تورط نظراؤهم في مصر بدعم الانقلاب، من دون أن نقلل من مسؤولية الإسلاميين، إذ على الجميع أن يضعوا نصب أعينهم هدف إنقاذ الثورة، وليس المكاسب الآنية، فالمؤامرة كبيرة، وتمويلها بلا حساب، والأنظمة التي تقف خلفها تملك الكثير من الإمكانات، ومن بينها دون شك نظام السيسي، الذي أصبح بندقية للإيجار بيد مموليه أيضا، فضلا عن أميركا التي تفضل الانقلاب على نجاح الثورة، مهما ادعت غير ذلك، وبالطبع بدعوى محاربة الإرهاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق