الجمعة، 30 مايو 2014

فاز السيسي على جمال مبارك.. صباحي لم يكن هناك


فاز السيسي على جمال مبارك..
 صباحي لم يكن هناك

وائل قنديل


لم ينتصر عبد الفتاح السيسي على حمدين صباحي، صباحي لم يكن موجوداً أصلاً.. انتصار السيسي كان على حساب جمال مبارك، وانتهت اللعبة بفوز ابن مبارك بالعسكرية، على ابنه بالدم والجينات الوراثية.


وأنت تتابع محاولات إحراق الربيع العربي لا يمكنك أن تمد بصرك نحو التفاعلات الداخلية فقط، أو تكتفي بإحالة الأمر برمته للعوامل الخارجية، فالحاصل أن العسكرة وأميركا والجهل وقحط الحياة الحزبية وانتهازية النخب الكسول تشكّل تحالفاً يناصب التحول الديمقراطي في الوطن العربي العداء.

في أحد جوانب الصورة العربية البائسة لن تجد فروقاً كبيرة بين وجوه سيسي مصر وحفتر ليبيا وأسد سورية الصغير، وفي جانب آخر من الصورة لن تجد تبايناً كبيراً بين ملامح برادعي وصباحي مصر وزيدان ليبيا.

إن العسكرة هي الخصم اللدود لحياة ديمقراطية عربية، مع الوضع في الاعتبار أن هذه العسكرة لا تستطيع بمفردها كسر إرادة التغيير والتطلع للديمقراطية عند الشعوب لو لم تكن مدعومة من أميركا، وتلك مفارقة مدهشة في حالتنا العربية أن تكون واشنطن، التي تعتبر نفسها مهبط الديمقراطية، هي في الوقت ذاته محرقة أحلام الارتحال العربي إلى مراعي التحول الديمقراطي.
في أغسطس/آب ٢٠٠٩ قبل نحو ١٦ شهراً من ملامسة العرب لحلم التغيير والانتقال الديمقراطي في تونس ثم مصر واليمن، قال الدكتور مصطفى الفقي، النائب البرلماني عن الحزب الوطني الحاكم لمصر في ذلك الوقت ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب وسكرتير مبارك للمعلومات والسفير السابق وأحد رجال النظام، في حوار متلفز «إن أميركا تحتاج من مصر إلى أن تكون أداة ضاربة لها في المنطقة".

ثم لا يتركنا الرجل نفكر طويلاً في معنى العبارة حيث يصدمنا بما هو أكثر بقوله إن إجراء انتخابات نزيهة في مصر ليس في صالح أميركا لأن أي انتخابات حرة سوف تأتي باثنتين وعشرين حكومة ضد الولايات المتحدة.. مفسراً ذلك بأن الرأي العام العربي ساخط على الأميركان.

ولا يبتعد الفقي كثيراً عن الحقيقة وهو يضع محدّدات العلاقة المصرية ــ الأميركية وأولوياتها التي يأتي على رأسها الاصطفاف ضد إيران ومشروعها النووي، ومن ثم يتراجع أو يخفت أو حتى يخمد حديث الإصلاح.

الرجل نفسه هو صاحب أشهر فتوى سياسية مصرية في الخمسين عاماً الأخيرة حين قال "رئيس مصر يجب أن يحظى بموافقة أميركا وعدم اعتراض إسرائيل".

والثابت أن واشنطن بعد اندلاع ثورة ٢٥ يناير في مصر كانت أميل إلى الاحتفاظ بمبارك ومشروعه مع بعض التحسينات في واجهة النظام المصري، غير أن مفاجآت الشعب الثائر وصموده الرائع في الميادين أربكا كل المعادلات والترتيبات فرضخت أميركا على مضض لابتلاع إزاحة مبارك.

لو نظرت في حالات النكوص والردّة عن حلم الديمقراطية الذي ولد مع التماعات الربيع العربي فستجد واشنطن وتل أبيب على مسافة قريبة للغاية من كل مشاريع حرق أشواق الشعوب العربية للديمقراطية، الدعم الواضح للسيسي وحفتر، والصمت المنعش لشهية بشار على مزيد من القمع والقتل.. باختصار تتحدث أميركا وحلفاؤها الغربيون عن الديمقراطية كقيمة، وتروي شجرة الاستبداد في اللحظة ذاتها.

العسكرة

عندما كانت مصر الثورة تكتب دستورها من خلال الجمعية التأسيسية في مارس/آذار ٢٠١٢ استضاف أحد أعضاء المجلس العسكري مجموعة من الصحافيين الاقتصاديين، وبعدما استعرض عطايا المجلس العسكري للدولة المصرية، وتحدث عن ملياراته التي وهبها للحكومة والبنك المركزى، رد بصرامة على دهشة الحضور بقوله «هذه ليست أموال الدولة وإنما عرق وزارة الدفاع من عائد مشروعاتها».

وأبعد من ذلك ذهب اللواء مهدداً: «سنقاتل على مشروعاتنا وهذه معركة لن نتركها. العرق الذي ظللنا ٣٠ سنة لن نتركه لأحد آخر يدمره، ولن نسمح للغير، أياً كان، بالاقتراب من مشروعات القوات المسلحة».

ولو نظرت إلى السياق التاريخي الذي أطلقت فيها هذه التصريحات، بالتزامن مع كتابة الدستور الجديد فسوف تدرك جوهر موقف المؤسسة العسكرية من التغيير وعقيدة التوجس والتربص لأي بادرة تحرك على طريق ديمقراطية تتخلى فيها المؤسسة عن كونها دولة داخل دولة وتحرمها من المزايا الاستثنائية غير المسبوقة التي كان يتمتع بها «المجلس العسكري» في ظل دستور كان يعتبر المؤسسة العسكرية جزءاً من الدولة، ولم يكن أحد منهم بمستطيع أن يتنازل عن رؤية هذه الامتيازات مرشحة للتضخم والتفاقم في ظل دستور جديد يُراد له أن يكتب تحت سلطة الحكم العسكري، وعلى عينه، بما يعيد ترسيم الحدود بين الدولة المصرية وبين العسكرية.

لقد فعل العسكريون كل شيء كي يقطعوا الطريق على المصريين الحالمين بدولة جديدة مدنية بعد ثورة يناير، وكان أكثر السيناريوهات كابوسية وقتامة حبس الجماهير أو جلها في مساحة صغيرة للغاية بحيث يطغى هاجس الأمن على أحلام السياسة، من خلال افتعال حوادث عنف طائفي وأزمات اقتصادية ليبقى بطن البلد مفتوحاً كلما اقترب استحقاق للتحول الديمقراطي، فيكون الحل في تلك اللحظة البائسة أن نلوذ بالطوارئ والأحكام العرفية والارتداد إلى شعارات قديمة من نوعية «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»  
وبالتالي نعيش في حضانة الطوارئ، ونجمّد الحياة المدنية في"فريزر" الخوف لفترة لا يعلم أحد مداها، بحجة أنّ عدواً شريراً اسمه الفتنة الطائفية يتربص بالبلاد والعباد، تماماً كما تغذت النظم العسكرية المستبدة طويلاً على استثمار فزاعة العدو الخارجي الذي ينتظر اللحظة للانقضاض إذا انشغلت الأمة بإجراء أي إصلاح ديمقراطي!!

غير أن ذلك كله لم يكن ليثمر لولا أن النخب خانت ما بشّرت به..

وتلك قصة نكملها غداً..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق